«نقوش على جذع نخلة» يفوز
بجائزة البابطين للإبداع
الشعري السماوي يحلم بعراق
يخلو من التكفيريين واللصوص
الجدد
سليم الشيخلي
الشاعر يحيى السماوي
الشعر العراقي ينز حزناً
واحتراقاً ولهفة وعطشا، انه
شعر تنضوي تحت عباءته الاف
الاهات التي تئن وتحن الى
مرفأ وجود يكتنفه السراب،
والشعراء العراقيون احترفوا
التشرد على أرصفة الغربة،
وذاقوا مواجعها، وتلمسوا عتمة
طرقاتها، فكان صوتهم مختلفاً،
وسمات وجوههم مختلفة،
وحناجرهم مبحوحة ومجروحة كصوت
ناي شجي في ليلة مقمرة على
ضفتي دجلة والفرات.
شعراء العراق أيتام وجود
يبحثون منذ جلجامش عن خلود
طارئ وحياة مصادرة، كلهم
هكذا، من بدر شاكر السياب الى
سعدي يوسف مرورا بالجواهري
والبياتي والحيدري والعزاوي
والنواب.
يحيى السماوي أحد هؤلاء
الشعراء الذين دوخهم الشعر
ووقعوا صرعى في دروبه
الموحشة، ومنذ ديوانه «عيناك
دنيا» الذي نشر عام 1970 الى
ديوان «نقوش على جذع نخلة»
الفائز بجائزة عبدالعزيز سعود
البابطين للابداع الشعري،
مايزال يئن تحت وطأة جراح
عراقية أبلغ من أي لغة، ومعه
كان لنا هذا الحوار:
● من أنت؟
■ أنا ابن أم ٍ قروية ٍ وأب
كان يبيع البرتقال على أرصفة
المدينة.. طردتني أمي من
رحمها ظهيرة يوم السادس عشر
من شهر اذار عام 1949 لأطلق
أول صرخة احتجاج، ومن ثم
لتتوالى هذه الصرخات حتى
اللحظة انتصارا للحق والجمال
في حربهما العادلة ضد القبح
والظلم بأشكالهما المختلفة:
الديكتاتورية.. الضغينة..
الاحتلال.. الطائفية.. سكاكين
المحاصصة في اقتسام بقايا
فتات السلطة، وكل ما من شأنه
تشويه الحياة.
● ما الذي قاد الشعر اليك، أو
قادك الى الشعر؟
■ المصادفة وربما المشاكسة
البريئة لصبية حسناء.. وربما
هما الاثنان معا..فالمصادفة
حدثت حين طلب منا مدرس اللغة
العربية «الأستاذ شمخي جبر»
كتابة موضوع في درس الانشاء
والتعبير عنوانه كان بيت شعر
النابغة الذبياني:
لا مرحباً بغد ٍ ولا أهلاً به
انْ كان تفريق الأحبة في غد ِ
فوجدتني أمضي الليل وأنا أحلب
ضرع الكلمات، حتى اذا أصبحت،
كنت قد ملأت صحن الورقة بنحو
ثمانية أو تسعة أبيات أخرى
ساذجة لكنها كانت سليمة الوزن
والنحو (هذا ما قاله المدرس
حين قرأت أمام الطلاب ما
كتبته وكنت انذاك في الصف
الثاني المتوسط).. يومها
أعطاني المدرس درجة كاملة،
ومن ثم أهداني ديوان الرصافي
وكتاب النظرات لمصطفى لطفي
المنفلوطي.... لكن أبياتي هذه
عرف بأمرها خالي رسول «رحمه
الله «فأهداني» صفعات ورفسات»
عدة وهو يحاول معرفة البنت
التي تغزلت بها ظناً منه أنها
ابنة جيراننا، وبالتالي فان
التغزل بابنة الجيران مثلمة
للشرف... لم تشفع لي دموعي،
ولا بكائي وأنا أعوي مثل جرو
صغير!
وأما المشاكسة البريئة، فهي
أنني وقد خـُيِّـل اليَّ أنني
شاعر فقد كتبت قصائد قصيرة
عدة ساذجة أيضا عن طالبة
حسناء في ثانوية البنات، كنت
أبكـِّر في الخروج الى
المدرسة لكنني لا أدخل
المدرسة الا بعد أن تكون هي
قد دخلت مدرستها وأسمعتها
شيئاً مما توهّمتـُهُ شعرا.
ومن حسن حظي أنها كانت تستحسن
ما أكتب وتعتبره شعرا (يعني
كانت ساذجة مثلي).. جزى الله
تلك الحسناء خيرا، فقد حملتني
على كتابة الكثير من القصائد
لكنها كانت السبب في تقريعي
الدائم من المدرسين، بسبب
تأخري عن دخول الصف أسوة
بالطلاب الاخرين نتيجة
انتظاري الطويل لها على مقربة
من بيتها البعيد عن مدرستي
ولم أكن أملك دراجة هوائية
مثل بعض الطلاب من ذوي
النعمة..
● وبعد؟ ما ذكرياتك عن تلك
المرحلة؟
■ كبر الصبي الذي كنته، فصار
فتى... وبات معروفا في مدينته
كشاعـر.. فطبع أول ديوان شعر
وهو في المرحلة الثانوية من
دراسته.. وكان قبل ذلك قد نشر
الكثير من القصائد في صحف
بغداد مثل صحف «كل شيء»
«أبناء النور» «الشعب»
«الراصد» وصحف أخرى لا
أتذكرها... ثم انتمى الى
«اتحاد الطلبة» المحظور، ونال
أول صفعة من شرطة الأمن، وعرف
الاعتقال لأول مرة، فرحل الى
مدينة الديوانية ليكمل دراسته
في ثانوية التحرير...
في تلك المرحلة ستبدأ أولى
صداقاته الثرية مع المكتبة
ليغدو كما لو أنه جزء من
أثاثها... وسيلتقي أصدقاءه
الرائعين الذين كانوا أثقف
شباب السماوة.. كانوا يكتبون
الشعر ويرسمون اللوحات الفنية
ويقرأون المنشورات السرية
ويشتمون حزب البعث ويطلقون
النكات على ميشيل عفلق..
يُلقـِّبون صدام حسين «طحيور»
وأحمد حسن البكر «أبوالهوايش»
وحزب البعث «حزب البعـر»...
هؤلاء الأصدقاء الرائعون
كانوا أثقف مني... وحالتهم
المعيشية أفضل مني بكثير..
لهم مكتباتهم الخاصة وأحلامهم
الرومانسية باقامة مملكة
الشعر... منهم مع حفظ الألقاب
والمواهب «يحيى صاحب»، «عباس
حويجي» ، «الشاعر محمد جسوم
الليثي» ، «صادق صاحب» ،
«ناظم السماوي» (الله لا ينطي
ناظم السماوي... أكلت بسببه
طنـّأ كاملا من الجلاليق
والراشديات بمعاونية أمن
السماوة حين زرته في بيت
شقيقه وقرأنا قصائدنا الجديدة
ولم أكن أعرف أنه كان
مُراقـَباً من قبل شرطة الأمن
منذ خروجه من سجن نقرة
السلمان) وغيرهم.. كنا نتبادل
الكتب ونقيم ما بيننا حلقات
النقاش والنقد الأدبي..
وطبعا: كان لابدّ من ختام أي
لقاء بيننا، بشتم «طحيور»
و«حزب البعر» و: «أبو
الهوايش» حتى لو كانت تـلـك
الـلقاءات لـتناول «العسل
المرّ» و«السمك المسقوف» في
بحيرة «ساوة» .. ثم كانت
الذكريات الأكثر فرحاً ووجعاً
وعذاباً حين عملت في مهنة
التدريس في مدينة السماوة حيث
سألتقي أعذب الأصدقاء منهم
«سليم الشيخلي» و«عبدالله
فليفل» و«حسن عبود» و«ستار
الشيخ» و«عادل البغدادي» وها
أنا: فارقتك في مقتبل الوجع
الصوفي قبل أكثر من ثلاثين
عاما، لألتقيك وقد بلغنا من
الغربة عِـتِيـّـا.
● وماذا عن الغربة؟
■ ثمة مصادفة... فقد طردتني
أمي من رحمها في اذار... وفي
شهر اذار من عام 1991 طردني
الخوف من رحم وطني... فقد كنت
من بين أول المشاركين في
الانتفاضة الجماهيرية
المسلحة... كنت مشاركا
بالبندقية قبل القلم كخطيب...
وكدت أستشهد خلالها... وحين
فشلت الانتفاضة اضطررت للهرب
من العراق.. لجأت الى منطقة
سفوان.. ومن ثم الى معسكر
رفحاء في السعودية لأقيم فيه
نحو أسبوعين لأغادره الى
مدينة «جدة» محررا سياسيا
وثقافيا في اذاعة «صوت الشعب
العراقي» المعارضة لنظام صدام
حسين.. على مدى نحو ست سنوات
أعددت عشرات البرامج السياسية
ونشرت في الصحافة مئات
المقالات من بينها مقالات
تتضمن وثائق عن المقابر
الجماعية كنت قد حصلت عليها
عندما استحوذنا على مقر
مديرية أمن المثنى ومقر فرع
المثنى لحزب البعث خلال
الانتفاضة الجماهيرية... خلال
وجودي في جدة نشرت سبع
مجموعات شعرية وأقمت عشرات
الأمسيات في النوادي الأدبية
وفي عدد من المهرجانات
الثقافية العربية. ومن
المصادفات أيضا، أنني هاجرت
لاجئا الى استراليا في شهر
«اذار» من عام 1997حيث أقيم
حاليا بانتظار أن يُردَم
مستنقع المحاصصة الطائفية،
ويتحرر العراق من الاحتلال
لأطوي خيمة غربتي فأقيم في
وطني الذي لا أملك فيه غير
بضعة أمتار من أرض مقبرة
عائلية بعدما سرقني صديق كنت
قد استودعته بيتا وبستانا
و«مكتبتي الضخمة» في السماوة
فباعهما حين عـرف أن عودتي
الى العراق في ظل النظام
الديكتاتوري المقبور، تعني
تأرجحي من حبل مشنقة ٍ تنفيذا
لحكم اعدام غيابي بُلـِّغ به
أشقائي الذين تحملوا تبعات
موقفي من النظام...
● وكيف تقضي أوقات فراغك في
مغتربك؟
■ باستحضار «السماوة» الى
«أديلايد» عبر فضاء
الأخيلة... وبمصِّ دمي وأنا
أتشظى شوقاً الى غد ٍ يكون
فيه العراق خيمة محبة تخلو من
الظلاميين والتكفيريين
والارهابيين، ومن الدبابات
متعددة الجنسية واللصوص الجدد
الذين لهم طبع التماسيح
فيسرقون أكثر مما تتحمله
خزائن بيوتهم، ففتحوا حسابات
سرية في الخارج... وليت لهم
طبع العصافير التي تسرق من
البيدر على قدر احتياج
الحوصلة..
من حسن حظي وهو سيئ في
الغالب أن في استراليا شعراء
وأدباء عراقيين وعرب مبدعين
حقا أتـواصل معهم عبر لقاءات
ٍ وزيارات أو مهاتفة ً أو
قراءة ً.
● ما الشعر بالنسبة لك؟
■ هو المرض الوحيد الذي أسأل
الله عدم الشفاء منه لأنه
المرض الوحيد الذي يمنح روحي
العافية..
● وما الوطن؟
■ هو الناس والأرض معا... لا
يكون الوطن وطنا الا بوجود
المواطنين... ولا يمكن
للمواطنين أن يكونوا مواطنين
من دون الوطن... هما ضفتان
لنهر واحد ولا ثمة نهر بضفة
واحدة.. انهما متحدان ببعضهما
اتحاد العطر بالوردة.. كل
منهما مبرر لوجود الاخر.. لذا
أرى أن العراق لن يكون وطناً
حقيقيا ما لم يكن خيمة محبة
للجميع وليس مسلخاً طائفيا أو
مِكـَبَّـاً لنفايات الارهاب
أو مجموعة «مواعين وصحون
وشوكات وملاعق وسكاكين» على
مائدة المحاصصة.
● تتسيد القصة المشهد
الأدبي... هل تعتقـد أن شـمس
الشعـر الى أفول؟
■ القصة ضرب من ضروب النثر..
فم الأدب يتكون من شفتين
اثنتين: شفة النثر وشفة
الشعر.. فهما توأم خرجا معا
من رحم الابداع الانساني..
كلاهما يستفيد من الاخر..
يكمل الاخر ولا يلغيه.. ثمة
مواضيع لا تستطيع القصيدة
الالمام بها أو التعبير عنها،
فتكون القصة أكثر جدارة في
التعبير عنها.. وثمة مواضيع
أخرى يكون الشعر أكثر نجاحا
من القصة في التعبير عنها...
أنا لا أستطيع رسم تفاصيل
ومآسي السنوات الثماني في حرب
صدام على الكويت، في قصيدة...
لكن القصة تستطيع ذلك...
والقصة قد لا تنجح مثل
القصيدة في رسم ذلك الخدر
الأسطوري لعاشق قطف من حديقة
ثغر حبيبته أول وردة قبلة..
● الواقع والثقافة: هل تراهما
مختلفين؟ أم متفقين؟
■ من المفارقات أن أمة» اقرأ»
هي من بين أقلّ الأمم قراءة..
نحن يا صديقي نثرثر أكثر مما
نقرأ.. ونغفو أكثر مما نفكر..
ونطبع كتبا أقل الاف المرات
من عدد «العرقجينات» التي
نستوردها من بنغلادش.. واذا
طبعنا، فكـتـب الطبخ والأزياء
هي الأوفـر حظا في الـبـيع
ولا عـجـب ما دام أن «هيفاء
وهبي» أكثر شهرة في أمتنا
العربية من «أحمد شوقي
والجواهري والمتنبي وأبي تمام
معاً.. واذا لم تصدقني فاسأل
عشرة شبان من شبّان أمتنا
العربية عن «البحتري» و«نانسي
عجرم» ... أجزم أن مالا يقلّ
عن سبعة من هؤلاء الشبان
سيعرفون اخر أغنية لنانسي
عجرم، وقد يظن خمسة منهم أن»
البحتري» هو أكلة شعبية أو
نوع من أنواع السمك البحري..
● هل توقعت فوز ديوانك «نقوش
على جذع نخلة» بجائزة
البابطين لأفضل ديوان شعر؟
■ أصدقك القول يا صديقي: لو
كنت يائسا من الفوز، لما
جازفت بدفع أربعين دولارا
قيمة فاتورة البريد عن ارسال
خمس نسخ من الديوان للجنة
الجائزة... لقد سبق لي وحزت
جائزة الشعر في كلية الاداب
وعلى مدى أربع سنوات متتالية
خلال دراستي الجامعية.. وحزت
جائزة دار المنهل لأحسن قصيدة
عام 1991 وجائزة نادي المدينة
الأدبي لأحسن قصيدة عام
1992ومن ثم جائزة أفضل ديوان
شعر في الملتقى الثقافي
العربي في أبها عام 1992 عن
ديواني «قلبي على وطني» ..
وحزت عام 1998 جائزة مؤسسة
ابن تركي للابداع الشعري
برعاية جامعة الدول العربية
عن ديواني «هذه خيمتي.. فأين
الوطن»..
الحق أقول: انني كنت أتوقع
الفوز وليس اليقين من الفوز
بها... مجرد توقع فحسب..
جائزة البابطين يا صديقي احدى
أهم الجوائز العربية للابداع
ويكفي أن الذين هنأوني بفوزي
بها ومن بلدان عديدة أكثر
عشرات المرات من عدد الذين
هنأوني بزواجي (أسأل الله ألا
تقرأ زوجتي هذه الفقرة وان
كان فرحها بفوزي كبيرا كبيرا
كبيرا.. أما اذا حدث وقرأت
هذه الفقرة، فسأزعم أن صديقي
الشاعر القاص سليم الشيخلي هو
الذي وضع الجواب من عنده
استكمالا لمشاكساته القديمة
في مدينة السماوة حين كان
يلجأ الى تدبير المقالب بعد
كل هزّة يهزه بها مدير
التربية أو شرطة أمن المثنى).
● يبدو أن هناك انحسارا
للشعر.. هل هو ربيع القصة؟
■ هو ربيع القصة.. لكنه ليس
خريف الشعر.. العصر الراهن
عصر قصّ ٍ نظرا للواقع العربي
المتخم فجائعية واحباطاً في
ظل ما يجوز لي تسميته بـ «عصر
الردة الدولية» و«أمركة الكرة
الأرضية» .. ولأن مساحة
القصيدة أصغر من أن تستوعب
تفاصيل هذا الواقع الكارثي
فقد أنابت القصة عنه في
تسجيله... خاصة وأنّ القصيدة
العربية تفتقر الى شعراء
ملحميين كهوميروس أو فيرجيل
والفردوسي..
● كيف ترى المشهد الشعري
العربي الان؟
■ أراه مريضا لأن الواقع
العربي مريض.. يتعافى الشعر
حين تتعافى الأمة.. الشعر
انعكاس للواقع القائم أو
المتخيّل.. والا ما تفسيرنا
لعظمة وقوة الشعر في العصر
العباسي الثاني، وانحطاطه في
عصر ما أسماه مؤرخو الأدب
«عصر الفترة المظلمة»؟ ثمة
سبب اخر أسهم في نكوص القصيدة
العربية في المرحلة الراهنة..
هو: كثرة الطارئين على الشعر
الذين أتاحت لهم الشبكة
العنكبوتية فرصة نشر هذيانهم
وثرثرتهم التي توهّموها
شعرا.. تصفحْ المواقع وستجد
الكمّ الهائل من هذا الغثّ
تحت مسمى الشعر لمتشاعرين
ينصبون المضاف اليه ويرفعون
المفعول به في كتابات لا تعدو
كونها هلوسة وبخاصة الكتابات
التي يزعم أصحابها أنها قصائد
نثرية وما هي من الشعر
بشيء... تصوّر أن أحدهم نشر
صفحات يصل طولها بضعة أمتار
محتواها «حكي» يخلو من
البلاغة والبيان والخيال
والموسيقى الداخلية.. «حكي»
على غرار: «قلت للبحر أنت
واسع فقالت لي الموجة أنت
دمعتك لامعة وكانت الحورية
تضحك وهكذا عدت من رحلتي» ..
هل هذا شعر؟ أم أنّ كاتبه
بحاجة لمراجعة طبيب نفسي؟..
لم أنقل النص حرفيا خشية الظن
أنني أنتقد هذيانه... فالنص
الحرفي كان أكثر ركاكة
والله... نص مليء بجمل مثل
«قلت له.. قالت لي.. وهكذا
سارت الأمور.. رأيتها مستلقية
عارية» وجمل عديدة أخرى لا
تختلف عما يكتبه «كتاب
العرائض» وطلبة المدارس
المتوسطة في درس الانشاء
والتعبير.. مثل هؤلاء قد
أسهموا في افساد الذائقة
الشعرية وليس في نكوص الشعر
فحسب.
● هل أفهم من ذلك أنك ضد
قصيدة النثر؟
■ لا قطعا... أنا من عشاق
قصيدة النثر التي تستوفي
شروطها.. بل وأكتب قصيدة
النثر ولي فيها مجموعتان هما
«جرح باتساع الوطن» و«مسبحة
من حرير الكلمات» على رغم
أنني تعمدت أن أضع تحت
العنوان على لوحة الغلاف جملة
«نصوص نثرية» .. فأنا لا أخجل
من نثري... ثمة نثر أجمل من
الشعر... ليس بالشعر وحده
يخلد النص... الجاحظ لم يكن
شاعرا لكنه بقي وشما منقوشا
في ذاكرة الخلود الأدبي وقد
حجبت شجرته الابداعية مئات
الشعراء الذين نسيهم التاريخ
الأدبي مع أنهم كانوا من بين
مجايليه... حبي لقصيدة النثر
جعلني أنصب فخاخي لاصطياد
قصائد محمد الماغوط وأدونيس
وسركون بولص ووديع سعادة
وعباس بيضون وسيف الرحبي...
هؤلاء أحرص على قراءة شعرهم
أكثر من حرصي على قراءة ألف
شاعر من شعراء القصيدة
العمودية... شروط الشعر ليس
الوزن والقافية.. ولو كان
الأمر كذلك لاعتبر النقاد
ودارسو الأدب «ألفية ابن
مالك» أو«الاجرومية» شعرا..
● متى تكتب القصيدة؟
■ الشعر كالمرض أو الأحلام:
يأتي دون موعد مسبق.. فهو
حصان عصيّ الترويض... كرامته
واعتداده بنفسه تجعله يأبى
الانقياد لمشيئة الفارس...
فهو الذي يحدد وقت ومكان
المضمار بل ونوع العدو خبباً
أو سريعا.. طويلا أو قصيرا..
وافرا أو هزجا.. هذا الحصان
الكريم هو الذي يقود الفارس
واذا حاول الفارس ارغامه على
العدو، فانه سيرمي به من على
سرجه وقد يرفسه، وهذا ما
يفسّر الكثير من القصائد
الرديئة التي كتبها أصحابها
حين شاؤوا هم وليس حين شاء
الشعر.
● أين تضع نفسك في خارطة
الأجيال الشعرية؟
■ لا أضعها في أيّ مكان
منها.. ولسبب جوهري هو أن هذه
الخارطة غير موجودة أساساً أو
لأنني لا أؤمن بوجودها.. هل
يمكنك وضع الجواهري ضمن جيل
الأربعينيات أو السبعينيات
وهو الذي استمر عطاؤه حتى
أواخر جيل التسعينيات؟ وماذا
عن المتنبي والبحتري وأبي
تمام الذين لازالوا حاضرين في
عصرنا الراهن؟
● وماذا عن «الأدب الفحولي»
و«الأدب الأنثوي» ؟ أقصد
تقسيم الأدب الى أدب رجالي
وأدب نسوي؟ فقد بدأنا نسمع
مصطلحات فضفاضة مثل الشعر
النسوي والقصة النسوية والأدب
الذكوري..
■ لنشطب على هذه المصطلحات..
كفانا ما فينا من تجزئة...
لقد قسّم الاستعمار أمتنا الى
أرخبيل دويلات هشة.. وقسّمونا
الى «مشرق عربي» و«مغرب عربي»
.. وفي العراق قسّمونا الى»
شيعة وسنة» و«عرب وأكراد» وما
الى ذلك من تسميات تمزّق
الكيان الواحد المتحد..
دمع المرأة لا يختلف عن دمع
الرجل.. وكرامتها لا تختلف عن
كرامته.. وليس ثمة فارق بين
دم المرأة المُـسال من جرحها
عن دم الرجل المسال من
جرحه... أحلامهما واحدة
ومصيرهما واحد.. ينهلان من
نهر واحد ويحدّقان في فضاء
أمنيات واحدة... هما الطرفان
الوحيدان التي تتشكل منهما
معادلة الانسانية.. لذا أنا
أؤمن بوجود أدب ٍ انساني وليس
بأدب ذكوري واخر نسوي.
● لقد أصدرت ست عشرة مجموعة
شعرية.. فهل أنصفك النقاد؟
■ أظن ذلك... فقد كتب عني
كبار النقاد في الوطن العربي،
وتناولت تجربتي بحوث ودراسات
جامعية اكاديمية لنيل درجة
الماجستير.
● كنت قد أدنت خطيئة
الديكتاتور المقبور صدام حسين
باحتلاله دولة الكويت
الشقيقة... فما الذي تقوله
للشعب الكويتي الان؟
■ أقول له: نحن كنا ضحية جلاد
واحد لم يجدْ مَنْ يؤويه سوى
حفرة تشبه «السبتـتـنـك»
فانتهى به المطاف الى بئس
المصير... رحل الجلاد تحفّ به
اللعنات.. وبقي المجلود وقد
تعافى أو يكاد.. فلكم تهنئة
صادقة بحجم نخيل العراق
وسهوبه وجباله ووديانه.. مع
التمنيات لكم ولنا بغد
أبهى... وأن تكون أرغفتكم
وأرغفتنا أكبر من الصحن،
والصحن أكثر سعة من المائدة..
● أخيرا: هل من جديد؟
■ ثمة رغيفان ورقيّان جديدان
سيخرجان قريبا من تنور دار
التكوين الدمشقية..