|
دراسات نقدية
السخرية في رواية كريم كطافة الجديدة
يوسف أبو الفوز في العراق ثمة كتاب صحفيين متميزين، في نوع الكتابة الساخرة . يوظفون الحكاية الشعبية بتورية ومهارة عالية، لاجل ايصال رسالة تخدم مصالح فقراء الناس . يلعبون على الكلمات للتملص من الرقيب، اضافة الى زرع الابتسامة والسخرية من الحاكم وحلفاءه من الاقطاع والبرجوازية الطفيليين . كانوا رسامين مهرة بالكلمات. كانت كلماتهم حجرا من سجيل . نحن ـ اقصد جيلنا ـ بالطبع نتذكر "بصراحة ابو كاطع "، ابو كاطع الاعلامي والروائي شمران الياسري . وقرأنا وسمعنا عن ابو سعيد ـ عبد الجبار وهبي، وعموده الشهير في صحيفة "اتحاد الشعب ". في المرحلة المعاصرة، هذه الايام، هناك اسماء معدودة، تظهر وتختفي حسب ووفق نبض الشارع الامني في العراق . ورغم ان فضاء الانترنيت وفر الفرصة للبعض منها ان يكتب تحت حجاب الاسم المستعار . "شلش العراقي" مثالا . اين يقف الكاتب العراقي كريم كطافة من هؤلاء ؟ يقول الاديب السوري زكريا تامرعن تجربة الأديب الساخر: "أنه ينجح في الجمع على أرضٍ واحدة بين الليل والنهار، بين الأمل واليأس، بين مرارة الهزائم وغضب العاجز". الكتابة الساخرة، لغة عالميَّة، يشترك بها الكثير من الكتاب حول العالم، من الامريكي مارك توين، الذي قال يوما : ـ اكتشاف أمريكا كان شيئاً عظيما، لكن كان الأعظم ألا تكتشف. ومرورا بالشهير برنادشو وتعليقاته اللاذعة التي اشتهرت اكثر من مسرحياته وكتبه التي تبشر بالافكار الاشتراكية الفابية . في العالم العربي عموما، اعتقد ان للكتابة الساخرة حظوظا كثيرة . ربما بحكم وجود الرقيب الحكومي والديني، الذي يدفع الكتاب للحفر والنبش والاستفادة من ثراء اللغة العربية، للتعبير عن الهموم والخيبات التي لا تعد، والتي يحاول محمد الماغوط ان يهرب منها . الى اين ؟ يقول الماغوط في احد نصوصه : ـ سنقطع الجبال سيراً على أقدامنا لنصل إلى قبر بلفور الشهير في بريطانيا، وهناك ونحن نتحلَّق حوله سأضع قدمي على قبره وأقول له بصوت تخنقه الدموع نحن ضحايا المحرقة العربية نريد وطناً قوميًّا جديداً ولو على مزبلة". محمد الماغوط ورهطه من الكتاب الساخرين العرب، يجدون في السخرية حيزا واسعا للتعبير عن هموم المواطن في البلاد العربية المستلب الحرية والكرامة والباحث عن العدالة الاجتماعية . الكاتب العراقي كريم كطافة، مواليد بغداد عام 1961، الذي مارس الكتابة الصحفية ونشر مقالات النقد الأدبي ونشر العديد من الأعمال القصصية، كنا قرأنا مقالاته قبل سقوط النظام الديكتاتوري تحت عدة اسماء مستعارة . في مجلة "رسالة العراق " الصادرة من لندن، نشر مساهماته تحت اسم " كريم حسين " . وفي مجلة الثقافة الجديدة البغدادية وصحيفة " طريق الشعب " قرأنا له قصصا قصيرة . وعلى مواقع اللانترنيت كثيرا ما صرنا نلتقيه . يكتب بحرارة مختطا له اسلوبا في الكتابة الساخرة . وكاعلان مجاني ـ غير مدفوع الثمن ـ يمكن زيارة موقع الكاتب الفرعي على " موقع الناس " الاليكتروني، وموقع "الحوار المتمدن " للأطلاع على ارشيف لكتاباته . وللكاتب كريم كطافة صدر عام 2007 وعن دار الشؤون الثقافية في بغداد، رواية " ليالي ابن زوال " . وهي رواية تمتاز بالتشويق ولغتها تتناول حياة "خالد زوال " العراقي الهارب من ارهاب نظام صدام حسين الى اليونان ويضطر هناك للعمل بحارا . ولاول مرة نصادف في الادب العراقي عملا يتناول علاقة عراقي بالبحر بشكل شاعري وشفاف . ففي الرواية ثمة لغة حالمة . دفق شعري وخطوط متشابكة الاحداث تحكي وقائع من حياة العراق السياسي . ومؤخرا، هذا العام، صدر للكاتب روايته الجديدة " حمار وثلاث جمهوريات " عن دار الجمل . في كتابه "مراسيم جنازتي " ينقل لنا فخري قعوار الاديب والبرلماني الاردني الحوار التالي : - الحمارة : مستحيل أن يصير واحد مثلك مديراً ؟! - قال الحمار باستخفاف وثِقةٍ: وما الذي يمنعني كي لا أصير مديراً؟! - أنسيت أنك حمار؟! - لا لم أنسَ أنني حمار، ولكني أرى أن (الحُمُورِيَّة) ليست سبباً كافياً لعدم تعييني مديراً. - تنهدت الحمارة وقالت: دنيا!! عن هذه الدنيا، وخلال ست لوحات او ست فصول في الرواية، هي ثلاث هوامش وثلاث شهادات ينقلنا كريم كطافة بلغة سلسلة، وتفاصيل لماحة وايحاءات مباشرة وغير مباشرة، الى حكاية حماره السياسي، وابطال روايته المرافقين لرحلته على خلفية واضح انها تغرف من واقع الحياة السياسية في العراق ما بعد سقوط النظام الديكتاتوري . ينقلنا كريم كطافة الى عوالم القمع والارهاب السياسي في البلدان العربية، والى الواقع الاجتماعي الذي ينخره غياب الحريات وفساد الانظمة السياسية والازمات الفكرية . الحمار هنا، في رواية كريم كطافة، مثلما كان عند توفيق الحكيم، ومثلما كان عند " خوان رامون خيمينيث"، هو معادل لروح الفنان، الكاتب، ليقول ويقدم شهادته على هذه الحياة المتشابكة الخطوط . نجد في الرواية عالم فنتازي من الحوارات الذكية واللماحة . تضع كريم كطافة في مصاف الكتاب الساخرين المتميزين .ويشرفني شخصيا اني من المتابعين لتطور ونشاط الصديق الكاتب كريم كطافة . وهو من الكتاب الذين بنوا تجربتهم بتأن شديد . نحتها بالتجربة والتعلم المستمر. كان يكتب ليس من اجل النشر. النص لديه يأخذ فترة طويلة في مختبر الكاتب. يعود اليه اكثر من مرة . روايته "ليال ابن زوال " يمكن القول انها كتبت اكثر من مرة. الاحداث والفكرة ثابته . لكنه ادخل فيها العديد من التعديلات على روحية السرد واسلوبيته . وكأن النهاية العبثية، لمصير خالد زوال في الرواية الاولى لكريم كطافة تجعل السخرية تقطع ايضا تذكرة سفرها الى روايته الجديدة " حمار وثلاث جمهوريات " . ففي رواية " ليال ابن زوال " وضمن ملابسات ساخرة في نهاية الرواية يجد ابن زوال الهارب من سلطة البعث نفسه على طائرة مغادرة الى بغداد الديكتاتور . في روايته "حمار وثلاث جمهوريات "، يتبع كريم كطافة اسلوب السرد السهل المتنع، الذي يقترب في بعض جوانبه من السرد الصحفي، حيث يزاوج بمهارة بين السرد القصصي الوجداني والسرد الصحفي . حيث تجد السخرية تطل عليك من نص يسبح بين ما هو سريالي متخيل وما هو واقعي مباشر . فيخلق لك صورة تملك حد الشفرة لتكشط الصدأ والصدف عن الجلد. انه يلتقط الحكاية الشعبية،النكتة والاسطورة الدينية ليجعلها تجري على لسان ابطاله بلغة المواطن المقموع . الذي يمكن ان يكون في كل مكان من الوطن العربي . لن تجد في الرواية كلمات قاموسية أو منفلوطية . ولن تجد تركيبات شعرية . لكنك تجد افكارا عميقة محكية بلغة هي اقرب للغة الانسان العادي رغم ان بعض ابطاله روايته مثقفين . في كل مقطع وبعد كل حوار تجد نفسك تتوقف لتسأل . ماذا يقصد بهذا ؟ اعتقد ان مهمة الادب ليس تقديم اجوبة جاهزة للقارئ . فلا يمكن للكاتب صاحب قضية ومبادئ ان يستهين بأمكانيات قارئه . ان الادب مهمته خلق الاسئلة . والقارئ الذكي، قادر على ايجاد الاجوبة المناسبة . كريم كطافة في روايته يقدم اسئلته، والقاري بعد انهاء قراءة رواية كريم كطافة سيجد نفسه يحمل اسئلته .
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |