|
دراسات نقدية في فوضى المكان .. تتشبث الزهرة بجمالها
حسن عبد الرزاق تقاوم الخريف بجذوة الكبرياء، وتجعل من موت سقراط حلما بحياة خالية من زيف الدجالين. تتشيء رسمية محيبس في فوضى المكان نجمة منفصلة وحيدة، تنظر من سماء حزنها النائية الى ارض مثقلة بالدم والرؤوس المذبوحة ووجوه القتلة التي تروم في اخر الشوط رفع راية انتصارها امام عيون الشيطان. الانثى الجنوبية المفجوعة بامها وابيها والعراق وكزار حنتوش، تقاوم خوفها باماني مستحيلة التحقق في ارض تحدها الاوهام من خمس جهات: سأعلق خوفي على مشجب الامنيات ارتق هذا المساء بغيم الاماني لكي لاارى قمرا خادعا. ففي رحم افق الغروب لايوجد قمر حقيقي كاقمار الزمن العذري القديم .. الزمن الذي لم يغتصبه رعاع البوادي وحثالات القرى ونفايات المدن .. الزمن الذي كنا نسهر فيه بصحبة كاس غرام من خمرة العندليب الاسمر (عاشق ليالي الصبر مداح القمر) ونصحو من ليله الصيفي القصير على عسل فيروز وهو يتقاطر على قشطة شبابنا البيضاء (فايق ياهوى .. من كنا سوا .. والدمع سهرني .. ووصفولي دوا ) . هي تشم رائحة الدم الممتد من اوردة الابرياء حتى اول ظلام القبر في بلد لم يقترف جريمة بحق الحياة، واطفاله لايختلفون بوداعة الحمائم عن بقية الاطفال، ولاشعرائه المتمردين حولوا اغصان الاشجار الى اعواد مشانق يتسلى برؤيتها الطغاة المخصيين، ولم ينفخ مطربوه الريفيون، زيفا وتملقا، نفير الاغاني الداعية الى الذهاب صوب ساحات المجازر لكي تسفح الارواح هناك من اجل اللاشيء .. اللاشيء بالضبط وهذا مااكدته الخواتيم . والدم نهر ثالث في هذا البلد المتدحرج من قمة زقورة اور منذ خمسة الاف سنة متجها نحو هاوية خرافية مارا في كل عقد بجهنم خاصة لاتشبهها اية جهنم اخرى. تشم الدم وتتحسس طعم الجحيم والعطش ومع ذلك تعطي عينا للاشجار وللازهار وللموسيقى، حتى تبقى لدجلة الخير مبرراته في الجريان الابدي رغم الخذلان الذي مارسته الارض المحتضنة لهذا النهر مع الرجل الذي جاء بها الى الحياة ( الاب) : وجهك موّال في الريح والماء في دجلة عذب وغزير لكن روحك عطشى هذه النجمة الارضية تستنجد بنجمة المساء (النجمة ملاذ الشعراء دائما كونها الرمز المجسم لوحدتهم ووحشتهم وتفردهم ورغبتهم الازلية بالخلود ) تطلب منها شعاعا حانيا يمر على جبينها ككف ام طيبة ليمسح عنها التعب المتناسل بلا انقطاع ويفتح في دهاليز العتمة مساربا من فضة تؤدي الى امل مبهم يقع في اخر حدود الليل تتوق اليه ارواح الشعراء دائما ولكنها لاتعرف له لونا ولاوجها ولاطعم . يانجمة المساء مسدي جبيني المتعب بشعاع من ضيائك اغمريني بالاحلام العريضة حرضيني على الحياة بوردة. وقد تحلم رسمية وهي تشتهي الورد بحياة وردية، لكنها لاتعرف متى كانت هذه الحياة الوردية موجودة وفي أي مكان ؟ فهي من الجنوب .. والجنوب ليس كباقي الاماكن .. الجنوب في كل بقعة من بقاع الارض جغرافيا ممنوعة من الحياة .. الجنوب ينابيع في صحراء تمنح الماء للبطون وتكافأ بحجارة من الايدي .. الجنوب مجرد امتعة احلام بقدر امتعة الاحزان، يحملها المولود من تربته في حقائب سفرته الحياتية ثم يغادرها ويرحل في اخر المطاف تاركا اياها ارثا لمن سيكملون مسيرة الحرمان من بعده . في فوضى المكان تهرب الزهرة من فوضى المكان لتتاخى مع الاشواك وتتوحد مع جمالها بانتظار العين التي تجيد النفاد الى مافي قلب الاشواك والتمعن بروعة جوهر ذلك الشيء الكامن فيه وبتفرده .. وماذلك الشيء سوى تلك الانثى المتفردة ببهائها الروحي المنشغلة عن ضوضاء الامكنة بسكينة الوحدة وموسيقى الروح الرائعة: الاشواك لم تعد اشواكا اصبحت اخوات لها والنسيم يحمل اليها ندى وسلاما حتى الاعين الحاذقة في اكتشاف القبح لم بين اسرارها بين تلك الفوضى كانت رسمية محيبس هادئة بارسال كلماتها العنيفة وهي تتحرك مابين سماوات النجوم اللامعة وباطن الارض التي احتفظت بجثثها المغدورة التي هي تواقيع القتلة وقد تركوها من بعدهم كاعترافات خطية بعدائهم المزمن للحياة. انها تهمس بما تراكم في القلب من هموم مكبوتة، لكن همسها عواصف قصيرة وعنيفة تضم بين رياحها صرخات الخيبة والفجيعة والانكسار والكوارث المتوالية التي هي ليست كوارثها الشخصية فقط وانما كوارث مجتمع باكمله حيث يدفع تفاقهما في اخر الامر الى الجنوح نحو التمرد: لقد وضعوا يدهم على الكنز وتفضلوا علينا ببعض الهبات تدفعنا فوهات البنادق اجلسوا .. ارجعوا للوراء المال هنا هو السيد والخادم .. يقدم لهم الارائك الوثيرة واذ يتعبون يبصق في وجوههم ويخرج . -------------------------------- * فوضى المكان ديوان شعري صدر للشاعرة رسمية محيبس زاير في اواخر عام 2008
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |