دراسات نقدية

دراسة  نقدية في مناقشة مشروع قانون المنظمات غير الحكومية في العراق


حسن ناصر المحنّة

يعتبر مشروع قانون المنظمات غير الحكومية في العراق المعد من قبل وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني والمعروض للمناقشة من قبل الوزارة صاحبة الشأن, له أهمية خاصة كونه يتعلق بتنظيم عمل المنظمات غير الحكومية في العراق، وبعد ان تبنت بعض منظمات المجتمع المدني مناقشتة وعرض السلبيات والايجابيات الواردة فيه, وبعد قراءتنا ومناقشتنا للمشروع المذكور سجلنا جزء من الملاحظات وضمناها في هذه الدراسة على شكل نقاط كما يلي : 

1- لم نجد في هذه المسودة ما يشير الى الدور الرقابي لمنظمات المجتمع المدني الذي يعتبر من صميم عملها ونشاطها، بل وجدنا العكس من ذلك حيث ان الحكومة هي التي تضطلع بهذا الدور لمراقبة المنظمات غير الحكومية وجعلها مقيدة ومجردة من مفهوم المجتمع المدني، ولعل السبب في ذلك هو ابعاد منظمات المجتمع المدني من المشاركة في صنع القرار ويعد هذا خلافا لما بني عليه المجتمع المدني .

2- وجدنا ان هذه المسودة تفرض التزامات على المنظمات ولم توجد هناك حقوق وامتيازات تذكر، ونرى ان نصوصها صيغت لاضعاف منظمات المجتمع المدني وكبح جماحها وهذه المسودة تصلح بان تكون قانونا للمنظمات الحكومية فقط  .

3- ان وصاية الحكومة على المنظمات مشددة وتتصرف على ضوء انها منظمات قاصرة ولا تتمتع بالاهلية القانونية ليس لها اهلية اداء أو اهلية وجوب .

4- كان على واضعي هذه المسودة ان يكون لهم خبرة ودراية بمفهوم المجتمع المدني ويعلموا ان منظمات المجتمع المدني هي مؤسسات الدولة التي يراد لهذه الدولة أن تتحول من دولة وصاية الى دولة رعاية، ولم نجد ما يؤكد رعاية الدولة لمؤسساتها اذا كنا نتكلم عن دولة قانونية  ونظام ديمقراطي مقرونا بوجود مجتمع مدني .

5- اذا كان للحكومة ان تراقب المنظمات سواء كانت وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني، أو دائرة المنظمات غير الحكومية، أو مجلس الوزراء، أو ديوان الرقابة المالية، أو غيرها من الجهات الاخرى، يجوز لها ذلك في أمر واحد وهو أن تكون مساهمة في دعم المنظمات ماديا"، أما بخلاف ذلك فليس لها الحق المطلق في الرقابة والاشراف اذا لم تكن مساهمة في دعمها وتطويرها ماديا ومعنويا، ولكن هذا لا يمنع  الجهات الحكومية  أو القضائية، ببمارسة الرقابة  من باب حفظ الامن والنظام وليس هناك حق لاي جهة سواء كانت حكومية أو غير حكومية ان تدعي انها غير مشمولة بهذه الاجراءات وانها فوق القانون .

6- نصت ( المادة /2 / اولا") من مشروع القانون موضوع البحث (( تعزير دور منظمات المجتمع المدني ودعمها وتطويرها والحفاظ على استقلاليتها وفق القانون )) وهذا النص مستمد من ( المادة 45/ أولا") من دستور العراق النافذ لعام 2..5، ولو عدنا الى نص (المادة/2/ أولا") من مشروع القانون المشار اليه اعلاه لم توضح لنا كيف يكون تعزيز دور منظمات المجتمع المدني وما هي الالية لدعمها وتطويرها واي الدعم تقصد بذلك وهل ان الالتزامات التي وضعت في صلب مسودة القانون تعتبر من الدعم والتطوير ؟.

وعليه نرى ان مشروع القانون هذا ينتهك النص الدستوري للمادة ( 45/اولا") وان سلمنا جدلا" انه من النصوص الدستورية التوجيهية فهذا لا يعطي الحق لمن له سلطة التشريع بمصادرة حق واستقلالية منظمات المجتمع المدني بحجة التنظيم، علاوة على ذلك نجد من فحوى مشروع القانون انه يضع المنظمات في موضع الاتهام ولعل ذلك متاتي مما تمر به الحكومة العراقية من خلال تصديها لمحاربة الارهاب ولعلها تخشى  ايضا"من هذه المنظمات ان تكون داعمة للارهاب أو ان تكون هي مصدر الارهاب ؟ ولعل ذلك راجع الى عدم الثقة بوجود مجتمع مدني في العراق ؟ أو ربما الخشية من تنامي دور منظمات المجتمع المدني في كشف الفساد المالي والاداري ؟ أو القيام بتوعية افراد المجتمع العراقي باختيار قياداته على اساس المواطنة وليس على اساس الانتماء الطائفي والعرقي ؟ أو ربما تكون لها قاعدة جماهيرية في المستقبل ستؤثر على مصدر القرار أو لعلها ستقوم بسحب البساط من الاحزاب السياسية باجتذاب القاعدة الجماهيرية ؟ كل هذه  الاحتمالات أو الإمارات واردة ومهما قيل نرى ان يصار الى اعادة النظر في مشروع القانون هذا، علاوة على ذلك نجد ان البعض من مواده وبنوده وفقراته من خلال الصياغة القانونية غير موفقة شكلا" ومضمونا" .

7-  نرى ان هناك من المواد التي وردت في مشروع القانون وقبل اقراره من مجلس النواب  لابد من ان  يقوم باجراء التعديلات عليها منها ( المادة 4/ج) من الفصل الثاني (التأسيس) و( المادة 11/ ج) من الفصل الثالث ( العضوية ) هذه الفقرات تمت بصياغة واحدة ومعنى واحد حيث نصت على انه (( غير محكوم عليه بجناية غير سياسية او جنحة مخلة بالشرف )) وهو حظر واضح على المؤسس وعضو المنظمة، ولو شرعنا في مناقشة هذا النص نجده من حيث الصياغة القانونية ركيكة ولا ترقى الى مصاف النصوص القانونية وكان على واضعي مشروع القانون هذا ان يرجعوا الى قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وتحديدا المواد ( 2.و21و22) منه فالمادة (2.) نصت على انه (( تقسم الجرائم من حيث طبيعتها الى عادية وسياسية )) والمادة (21/أ) عرفت الجريمة السياسية (( الجريمة السياسية هي التي ترتكب بباعث سياسي أو تقع على الحقوق السياسية العامة أو الفردية  وفيما عدا ذلك تعتبر الجريمة عادية )) ولست هنا بصدد مناقشة موضوع الباعث او الدافع ولكنني اود الاشارة الى ان قانون العقوبات المشار اليه لم يتطرق الى تسمية الجريمة السياسية ( بالجناية السياسية ) والسؤال هنا : كيف تسنى لواضعي مشروع قانون المنظمات غير الحكومية ان يطلقوا على تسميتها ( الجناية السياسية ) والى اي نص قانوني او تعريف استندوا عليه ؟ وهل ان واضعي مشروع القانون هذا استندوا على ان الجناية السياسية وفق ما يرونه انها ترتكب في فعل مصاحب للعنف المادي يصدر عن المجرم السياسي، او التهديد باستخدام السلاح في حالة اعتداء على الحقوق السياسية العامة او الفردية ؟ للاجابة على هذا السؤال : ان الجريمة السياسية لا تتعدى ان تكون سوى جريمة رأي لا غير، مثال ذلك ان يقوم المجرم السياسي بتوزيع او طباعة منشورات سياسية، أو الانتماء الى منظمة سياسية محضورة، او الاشتراك في مظاهرات سياسية، او الاحتجاج على سياسة الحكومة، أو الاعتداء على الحقوق السياسية العامة للدولة أو فيما يخص الحقوق السياسية للافراد، بشرط ان لا تصاحب باعمال عنف وقتل لانها سوف تخرج عن اطار الجريمة السياسية الى اطار الجريمة العادية او الارهابية .

واذا كنا في مجتمع مدني ديمقراطي فان حرية الرأي والاعلام والنشر والتظاهر مكفولة دستوريا وتختلف عما سبق في ظل الانظمة الدكتاتورية ولعل تكييف الجريمة السياسية لا تتعدى ان تكون الا مخالفة او جنحة في اقصى حالاتها، كما ان المشرع الجنائي العراقي عندما قسم الجرائم من حيث جسامتها كما هو مبين في المادة (23) من قانون العقوبات (( الجرائم من حيث جسامتها ثلاثة انواع، الجنايات والجنح والمخالفات )) ويستدل من ذلك ان المخالفات والجنح والجنايات تسمى ( جرائم )

وبما ان المشرع الجنائي العراقي ضيق من مدلول الجريمة السياسية نرى ان على المشرع الجنائي ان يجري تعديلا" على قانون العقوبات فيما يتعلق بمدلول الجريمة السياسية بما ينسجم مع ما اقره الدستور النافذ من حقوق وحريات من بينها (الحقوق السياسية) مع النص الصريح والمفصل الى الجريمة السياسية لكي يتمكن القاضي الجنائي أو الجزائي من الاستدلال بها، وعليه فان القاضي الجزائي فيما سبق لم يكن له الحرية والارادة في تكييف الجريمة السياسية علاوة على ذلك خشيته من السلطة الحاكمة انذاك لاعتبارات سياسية، ومما تقدم فان الغالبية العظمى ان لم نقل جميع من دخلوا السجون العراقية في فترة حكم النظام السابق الذين حوكموا بتهمة الانتماء الى احزاب سياسية محضورة مثال ذلك ( حزب الدعوة الاسلامية، والحزب الشيوعي العراقي، وغيرها من الاحزاب والجهات الوطنية والاسلامية  ) لم تكيف لهم مادة قانونية تتعلق بارتكابهم الجرم السياسي وانما لاتتعدى ان تكون التهم الموجهه اليهم سوى تهم وفق قانون العقوبات وتحديدا في نطاق الجرائم العادية التي ليس لها علاقة بالجرم السياسي   منها الاعتداء على امن الدولة الخارجي، او التخابر مع دولة اجنبية او العمالة اليها،او التخريب وغيرها من الجرائم التي لا تكيف لها مادة قانونية تتعلق بالجرم السياسي وعليه فمن الناحية القانونية وليس الواقعية، من النادر جدا" ان يوجد مواطن عراقي محكوم عليه بجريمة سياسية خصوصا" في الاحكام التي اصدرتها محكمة الثورة سيئة الصيت.

والسبب في عدم الحكم في الجريمة السياسية ذلك لما يتمتع به المجرم السياسي في التشريعات والمعاهدات الدوليه من بينها التشريع العراقي  من مميزات من بينها انه لا يعدم  ولا تعتبر الجريمة السياسية سابقة في العود ولا تستتبع الحرمان من الحقوق والمزايا المدنية، ولا حرمانه من ادارة امواله او التصرف فيها .

اما من حيث الصياغة للنص القانوني موضوع البحث ارى ان يعدل بهذا الشكل (( غير محكوم علية بجناية او جنحة مخلة بالشرف ويستثنى من ذلك المحكوم علية بجريمة سياسية )).

8- ورد في ( المادة 6/ ثامنا") (( تحديد الجهة التي تؤول اليها اموال المنظمة المنقولة وغير المنقولة عند حلها او تصفيتها مع مراعاة نص البند (رابعا") من المادة (24) من هذا القانون)) وعندما رجعنا الى المادة 24 لم نجد هناك البند (رابعا") من المادة المذكورة، ويعد هذا خللا"في المنهجية وعليه يجب تعديل هذا النص.

9- جاء في ( المادة 23/رابعا") (( تقدم المنظمة لاغراض التصفية بيانا" باموالها المنقولة وغير المنقولة ويعتمد هذا البيان في الوفاء بالتزاماتها ويوزع المتبقي منها وفق النظام الداخلي للمنظمة الا اذا كانت تلك الاموال متأتية من المنح والمساعدات والوصايا فتؤول الى منظمة اخرى تماثلها في الاهداف وتحددها الدائرة ))

اذا كان النظام الداخلي للمنظمة في حالة التصفية يجوّز لها الاختيار بان تؤول أموالها إلى أخرى تماثلها في الاهداف فلماذا يكون لدائرة المنظمات غير الحكومية ان تجعل سلطتها على المنظمة وتفرض عليها تحديد المنظمة التي تؤول اموالها اليها، اذا" فأين هي حرية واستقلالية المنظمة في هذه المسودة، ونرى ان ترفع العبارة الاخيرة .

وبما ان دائرة المنظمات غير الحكومية هي جهة تنظيمية ليس لها سلطة الوصاية على المنظمات غير الحكومية .

1.- ورد في ( المادة 1./سادسا") (( ترشيح أي شخص للمناصب العامة أو جمع الاموال لدعم المرشحين للمناصب العامة أو تقديم الدعم المادي والمعنوي للمرشحين )) هذا النص من النصوص التي تحظر على المنظمة القيام بهذه الاعمال، ونجد ان هذا الحظر مجحف بحق المنظمات وابعادها عن المشاركة في صنع القرار .

واذا كان المقصود من ذلك ابعاد المنظمات من ابداء رأيها في ترشيح احد الاشخاص الى المناصب العامة للحفاظ على كيان المنظمة من التسييس، نعتقد ان من حق المنظمة ان يكون لها دور في ذلك وهذا يختلف عن الراي القائل بضرورة ان لاتنزلق المنظمات في تبعية الاحزاب السياسية ونحن نؤيد هذا الراي، لكن علينا ان نميز بين ممارسة العمل الحزبي وممارسة النشاط السياسي وان لا نخلط بينهما، حيث ان منظمات المجتمع المدني من صميم عملها المشاركة والدعم وممارسة النشاط السياسي والاجتماعي وذلك من خلال الدعوة الى التظاهر والاعتصام والمشاركة في المسيرات السياسية التي رسمها الدستور، اليس هذا من النشاط السياسي وعليه ان وجود هذا البند مجحف بحق المنظمات  ويجب ان يحذف من مسودة القانون موضوع البحث .

11- ورد في ( المادة 18/ثالثا") (( تمنح صفة النفع العام الى المنظمة وتسحب منها بقرار من مجلس الوزراء بناء" على اقتراح من وزير الدولة لشؤون المجتمع المدني ))

اذا كانت هناك اجراءات لاكتساب المنظمة الشخصية المعنوية وسحبها وفق الاجراءات الاصولية التي ذكرتها مسودة القانون وهي عبر دائرة المنظمات غير الحكومية فما الداعي ان يقترح وزير الدولة لشؤون المجتمع المدني على مجلس الوزراء ذلك، خصوصا" وان مسودة القانون نصت على الحاق دائرة المنظمات غير الحكومية بوزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني، فما المقصود من ذلك اذا" الا اذا كان القصد من وراءه انشاء منظمات تابعة الى احزاب سياسية لكي تحظى بالدعم الخاص من مجلس الوزراء، وعليه نرى ان يحذف هذا البند ويرفع من المسودة .

12- ورد في ( المادة 18/ رابعا") (( لمجلس الوزراء منح المنظمة ذات النفع العام حقوق وامتيازات غير ما نص عليه في هذا القانون بما يساعدها في تحقيق اهدافها، وله في مقابل ذلك ان يتخذ اجراءات خاصة للرقابة والاشراف عليها ))

هذا البند يكاد يتفق مع ماذكرناه في المادة ( 18/ ثالثا") المشار اليه اعلاه، ولعل هذه المنظمات تكون تابعة الى الاحزاب السياسية، أما اذا كانت احد منظمات المجتمع المدني المفروض ان ترفع عنها الرقابة الحكومية الا في حالات معينة منها انتهاك الدستور والقوانين والانظمة فلها اجراءات خاصة، كذلك التجاوز على الامن والنظام العام كما ذكرنا ذلك سلفا" وهذه الحالات لا تخلوا من الرقابة سواء" كانت منظمات حكومية او غير حكومية حيث ان القانون يسري على الجميع .

علاوة على ذلك ان الذي يمنح امتيازات ويساهم بدعم المنظمة ماليا" يكون بمثابة جهة مانحة ومن حق الجهة المانحة ان تطمئن وتراقب باي اتجاه صرف مبلغ المنحة، وتفريعا" على ذلك فان من يمنح المال له حق المراقبة أما بخلاف ذلك فليس له الحق واذا كانت الرقابة لغرض المراقبة فقط عند ذلك نخرج من مدلول المجتمع المدني الذي يراد له ان يتحول من المفهوم الى المصداق ومن القوة الى الفعل، وكيف يتسنى له ذلك وهو مقيد، وعليه نتطلع الى  مفهوم مجتمع مدني حقيقي وليس مجتمع الشعارات والشكليات اي ان على الجهات المعنية ان تنظر الى المجتمع المدني بعين الرعاية لا بعين الوصاية .

وفي ختام هذه الملاحظات البسيطة يتعين على واضعي مشروع قانون المنظمات غير الحكومية في العراق ان يعيدوا النظر فيه مع ذكر الحقوق والامتيازات وتجنب الوصاية المشددة للحكومة على المنظمات مع التأكيد على الدور الرقابي لمنظمات المجتمع المدني الذي يعد من صميم التزاماتها .

ونرى ايضا" ان يتم تشريع قانون مفوضية حقوق الانسان المنصوص عليها في الدستور لتحل محل وزارة حقوق الانسان، ووزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني لانها صاحبة الحق في ذلك دستوريا".

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com