دراسات نقدية

 مفهوم الاندهاش المفاجيء في وصايا اله الماء .. دراسة نقدية في شعرية عبد الله عباس خضير

 

الدكتور صدام فهد الاسدي

لا اريد أن أكون مملا في نقدية شعرية خالصة لوجه الله وهي همي الأول ولااريد ان اقرأ الشاعر بل أريد ان اقرأ الشعرية ولا ابحث عن أيدلوجية معقدة للشاعر ولم التق به اللهم وقد أهداني مجموعته وصايا اله الماء وعدني شاعرا لأقرا لا ناقدا أتفحص مجموعته التي بزغت من السكون ألطباعي الى فضاء القراءة وأسقطت من بين يديه فهي من حق القراء ليقولوا قولهم حسب درجات ثقافتهم ومعرفتهم وربما لاتعجب دراستي أعداءه وتبهر أحبته فالغاية الكمال بعيدة عنا وما علينا أن نلعن الظلام أبدا بل نشعل شمعة للطريق وكلنا نتفق بان النص الشعري كتلة وتشكيلة لغوية يتركها المبدع كما يشاء دون أن يخطط لها والناقد يقوم بتأويلها دون تقويلها ما لم تضعه في حدود مغلقة والشاعر عبدا لله لاينتمي إلى مدرسة النثر على حد فهمي حيث أن هذا النمط من الكتابة الشعرية يعتمد على جمال الصور ورشاقة اللفظ وتصوير العواطف بنسق متنوع بل تنتمي قصائده إلى شعر التفعيلة لخضوعها إلى الوزن قبالة الانفلات من القافية فقد اعتنى الشاعر بالمعاني ورقصت قصائده بالكثير من الدلالات ولي الحق أن أضع مستهلا لرفدها النصي واسميه كي أسهل القراءة على المتلقي مفهوم الاندهاش وأريد به أن الشاعر يفاجئك بالدهشة تلو الدهشة في وصايا مرمزة إلى اله الماء

وقد نعود قليلا إلى اله الماء رمز الخصب والدعوات الاسطورية في رفد البشر من الحرمان ربما هو اله الخصب حيث يعشوشب الزرع وترعى الحياة وتبزغ ,انه يستخدم رمزا ينطلق منه إليك ليقول ماعنده ولكن ماذا يقول

وكم اود أن أجد قارئا مبتعدا عن الانطباع الذي يرفضه النقد الحديث ونصف النص بأنه جميل أو متوسط أو قبيح فالانطباع كما نعلم يحتاج إلى برهنة فالنص الشعري على حد تعبير الدكتور عز الدين المناصرة يشبه جسد الإنسان فهناك مجموعة من العناصر لابد من توفرها فلا يوجد نص يلعب في الهواء بل يقول شيئا ترى ماذا يول اله الماء ضمن جانبين أساسين هما الانسجام والاتساق شرطان لضمان جمالية النص الشعري

هل أقول أن النص هذا احتمل نجاحا أم فشلا لست معنيا بهذا بوصفي شاعرا يعنون همومه كما يشاء ولكني حق لي البحث في استراتيجيا النص يعني حركة الحياة في القصيدة وكيف جاءت مدهشة أظن القلق أول محطات الإدهاش ودافعا كبيرا للحافز الشعري عند عبدا لله وهو قلق بشري يشمل وعيه إنسانا في هذا الكون المزدحم بالتناقضات وهي اختياراته اليومية التي خزنها في ذاكرته

البداية من الجذر قاع النهيرات وهذه دالة الانتماء فثمة شعور نفسي يقلق الشاعر قائلا:

بين ضفائر السعف

في مفرق القرية كنا فرحة نقف مستبشرين والنواعير تغني6

مادلالة ذلك الإشارة الى مستهل الشعرية من هنا كانت البداية حين أترعت بيادر الحنطة والماء ضاجع كل نخلة وتأتي الإشارة المدهشة في قوله:

دولاب الدنيا دار

مات الاصحاب

والاحباب ارتحلوا

والدار باكية الاحجار7

لا يحتاج الإدهاش الى مكتشف بل يفهم من السياق

ثم تأتي ادلة أخرى في استرجاعات الذاكرة الجد عطار ,وشاي المساء والعم صيهود شخوصا مشرعة بالذكريات ومعها الطبيعة (الخص والكوخ والأبقار والماء) كلها تتحدث بلغة شعرية طافحة بالوجدان حيث السمك في النهيرات يقز فرحا والرطب اللامع يتلاليء من النخلة وتأتي حالة الإدهاش الثالثة في النص قوله:

واها لنا

واها أما يكفي قد ذبحتنا

واحدا واحدا بالناب9

من هي التي ذبحتهم الدنيا التناقضات القلق الزمني من السلطة استخدمت كل الوسائل(الناب والمخلب والظلف ) إنها حيوانية الزمن القاسي ثم ينهي تساؤلاته

من صب عليها عسلا تلك الأيام 10

أقولها معترفا شاعرا وناقدا لقد أعادتني تلك القصيدة إلى القرنة شجرة ادم ضفاف الشط وتذكرت ايام الستينات كيف كنت تلميذا أرى بأم عيني شط القرنة

الدهشة الثانية

قصيدة تنويه فيها شعر كبير وفيها رؤى متنوعة حيث تنطلق من الاخبارالرجعي الذي لم يقله الرواة قاله الجائعون11

ثم يتعلق الإرهاص الفكري بمسائل رفض أولها الطفل يحكي في ومضات العيون ثم النخل الذي يمثل رصيد البصرة ثم الهور دالة الخير للفقراء ثم العاشقون

بعد هذا التأصيل الزمني ماذا ترك لنا عبدا لله من رؤيا قال كل شيء ورحل إلى نص اخرواقولها جازما والمعرفة عند الله اكبر مني أن الشاعر يحلم في الليل ويقول شعرا ويحكي هذيانه لكن لم يجد من يفهمه ويقدره

الدهشة الثالثة

حبل طرفة يبدأ بعودته للشاعر طرفة بن العبد كلنا نعرف قصته وهو يحمل مشنقته (حبله بين يديه مرنحا بكأسه الدائم تائها في ملذاته بعد خسارته بعد ان تجنبته عشيرته كما يتجنب البعير المطلي بالقطران وأفردته لانه لا يكف عن إتلاف ماله ولذاته

الى ان تحامتني العشيرة كلها وافردت افراد البعير المعبد

ولكن ذاك طرفة الجاهلي لماذا يلبس ثوبه عبدا لله يغوص خلفه يهتبل لذاته ولكنه يعترف لحبل طرفة بانه ذئب أليف يمنح الكؤوس بهجتها فحتى الذئب يلهم النفوس نشوة الحياة وهذه مفرقة شعرية رائعة يتوقف بها عبدا لله مدهشا والأفضل عنده لا يحب الاطالة وهذا ماسحرني في قصائده انه يختصر جدا ويقول بهذا الاختصار ما يقوله غيره بصفحات وهذا هو الشاعر الخلاق حقا

الدهشة الرابعة

وصفه هذا الرجل الفقير الذي استقبل العيد مفلسا لاشيء في يديه لأطفاله الخمسة في سرد موجز ورائع حقا لا يريد ان يصف أرملة الزهاوي

لقيتها ليتني ما كنت القاها تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها

يريد ان يقول قصيدته المدهشة وقالها

ادخل في جيب سترته يده

كان في السوق

والعيد يعلن عن نفسه22

اخرج يده ليتها لم تكن يده تخرج بيضاء من غير سوء وهنا يتناص ويقتبس من القران سورة مشهورة تتحدث عن النبي موسى عليه السلام وهنا مفارقة مدهشة بين تلك اليد وبين اليد الأولى أي الشبهين بينهما

ولكن ماذا يفعل :

أزاح بيده قطرات الدموع واندس بين الجموع 23

هنا شعر مدهش وخلاق واسمح لي أيها المتلقي بكلمة خلاق لأني صدام الاسدي كم أوجزت لطلابي المئات من الصفحات في سطور ولكن بمثل هذا الإيجاز أقولها أبدا لااستطيع لأنه شاهر دهشة حقا

الدهشة الخامسة

صورة الوليد الطفل في المشفى لا مخدر مع قلوب أحبته المنتظرين امه وأبيه وأخته باحثا عن مخدر لا يجده ولا كيس دم ولا دواء ينقل حديثا للطبيب كل شيء لا يوجد ولكن :

الطفل هبط في الظلام يفتح عينيه للسماء

هذا الوصف القاتل لتلك المدينة الجائعة الخربة على أبواب التاريخ من المسؤول عنها من يتحمل خطيئة الناس المحرومين إلا الحاكم المتسلط على الرقاب أن الجلاد قد راح والآن لمن يوجه اللوم للسلطة ليس إلا

الدهشة السادسة

وصايا اله الماء

هذه قصيدة اعد الشاعر باني سوف ادرسها لطلبة الدراسات العليا هذا العام لما فيها من رؤى وصور سوف أتوقف عندها كثيرا في هذه المجريات النصية

خان التوابل والبهارات العتيقة

الإشارة إلى المكان فضاءادلاليا

ثم تأتي الصورة الأخرى بدون لف ودوران

الضرير يبيع حلوى نهر خوز ببابه

ثم الوصف الثالث للطبيعة الجامدة

الصفصافة الفيحاء مدرسة الطيور

أجمل وصف قرأته للشجرة بأنها مدرسة الطيور ولم أجد شاعرا سبقه أبدا طوال الخمسين عاما من القراءة والكتابة

الصورة الرابعة

ورحبة العجلات والمقهى

يؤرجح في مياه الشط رجليه

هنا شخصنة ثانية بيعثها الشاعر ضمن رموز قصيدته ثم المستوى الانتقالي من المفرد الى الجمع مهيمنا شعريا متماهيا

الصبايا فوق سن الصخر يغسلن القدور

والنخل يحط رجلا في المياه فقد شخصن النخلة إنسانا وهو يمد ذراعيه سعفه في الماء دالة الاستقرار والراحة والبراءة

والصورة تكبر بوصف الجسر القديم هو الآخر يمد ساقه مطمئنا في فضاء مفتوح

وتكبر الوليمة وماذا فيها موائد الخريط هذا النتاج من الهور الذي تبيعه النسوة في السوق نتاجا ذا طعم مميز والآن أصبح نادرا في زمننا لقلة مصادره والسمك والجاموس كلها تنسى نفسها عند الشواطيء الجميلة والمفارقة العجيبة يتخذ من انليل رمزا أسطوريا ليحاكي الهور رمز البساطة والتخلف الاجتماعي والفكري والبراءة الصادقة والشجاعة الحقيقية ولكن انليل تقايض فاتنات الهور باللبن اللذيذ مااجمل الصورة ياعبدالله ولكن المقايضة بالمجان لا نقود ولا عقود هذه صفة الهور وأهله لا يبحثون عن ثمن هكذا كانت وصية اله الماء

نعم لقد قلت شعرا وأجدت وصفا كيف وصانا اله الماء قال كل شيء مجانا للرائح والغادي والهور ماعون كبير للطيور وللنسور ماهذا الرصف الجمعي الرائع في مختلف التناقضات طير ونسر لاياكله بل يتناول معه الطعام في هذا الهور ويحتم اللعنة على من بيع الماء وما قولنا للشاعر أن العراقي يشتري الماء ليشربه وهو في القرن الثالث والعشرين ولم يعتاد على الماء الحلو وهو يملك نهرين كبيرين وااسفاه ايها الزمن ماذا لعبت الدنيا بنا وماذا صار بنا

كم كنت مندهشا في قراءة هذه المجموعة وأتمنى على الشاعر ألا يستعجل في الكتابة فلديه قدرة شعرية لافتة للنظر وعليه أن يقرا الأسطورة ليرفدنا بالكثير من الرؤى مما لمسناه منه في وصايا الماء

أقف عند هذه الدهشة ولي لقاء مرتقب بأفكار جديدة في منهل عذب اسمه وصايا اله الماء
 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com