دراسات نقدية

عادل رؤوف .. ظاهرة ثقافية وفكرية مميزة وفريدة .. قراءة أولية في كتابه الأخير  «أنبياء وأصنام» .. الحلقة السادسة

«المثقفين العلمانيين» .. أزمة تشخيص أم قراءة «أميّة»

 

رعد الجبوري

بين طيات كتابه يقوم الكاتب والمفكر عادل رؤوف بالتعرض لمسألة هامة جداً، لا تخص فقط الشؤون الحوزوية ومقارنتها في الموقعين الجغرافيين الأبرز (حوزوياً) في العالم، ونقصد بهما هنا النجف وقم. فحوزة (قم) تقع في ايران التي يحكمها الآن نظام سياسي هو نظام (الجمهورية الإسلامية)، في الوقت الذي نجد فيه (النجف) كحاضنة جغرافية ترزح (وادعة) تحت حراب الاحتلال. فعادل رؤوف ككاتب وباحث إسلامي، ينظر بعين الخبير الى الحوزة من داخل بنيانها الفكري والعقائدي، اضافة الى تأسيسها المعرفي-الفقهي بأعتبار انه كان أحد ابناء هذه الحوزة في وقتٍ ما، فهو لذلك يعلم بكل تضاريسها، متسلقاً مرتفعاتها هابط في وديانها، ويعلم بشكل تفصيلي بطرقها و(أزقتها) حتى (الضيقة) منها، ويستطيع توقع اين هي مطباتها وماهي إشكاليتها ومنعطفاتها الحادة. وهو يمتلك اضافة لكل ذلك من الافق الفكري ما يؤهله لإصدار احكامه وتحليلاته بشكل أكثر واقعية ومنطقية.

وهنا يتعرض عادل رؤوف إلى إشكالية تصدي بعض المثقفين إلى امور لا تقع ضمن اختصاصهم أو مجالهم المعرفي ومن دون الإطلاع تفصيلياً عما كتبه الآخرون عنها، أو على الأقل إستشارة ذوي العلم والاختصاص والمعرفة، مما يتسبب في وقوعهم بأخطاء فادحة لا يمكن تجاوزها أو غض النظر عنها والسكوت عليها ناهيك انها تسبب التشويش لدى المتلقي، وترسل اليه بمعلومات خاطئة وضبابية حول هذا الموضوع، ويتأسس عليه لاحقاً بناء معرفي مشوه.

وسوف نستعرض حالة من هذا النوع أشار اليها عادل رؤوف وهو الكاتب (فاضل الربيعي).  فعلى الصفحات (63 – 74) من كتابه أنبياء وأصنام يتصدى عادل رؤوف لتصحيح بعض المعلومات والاستنتاجات التي اوردها الكاتب (فاضل الربيعي) بخصوص المسألة المالية في الحوزة، ولنقرأ معاً بعض ما كتبه عادل رؤوف في هذا الصدد حيث يستهل هذه القضية بقوله:- (إقتباس)    

"نقول نظراً لخطورة المسألة المالية «الحوزوية» بشكل عام وتداخلها مع البنى المعرفية الإسلامية البشرية الموروثة، لابد لنا أن نقف على نموذج من نماذج التعاطي النقدي معها، ولا سيما من الكتّاب «العلمانيين»، إذ أن الباحث «العلماني» عندما يكتب عن «الأمور الدينية» بما فيها «الحوزة العلمية» يقع في أكثر الأحيان في أزمة تشخيص، حتى وهو يكتب كتابة نقدية «تجديدية» فواحدة من أزمات القراءة لديه تتمثل بقراءته للدين، انطلاقاً من فهم الغرب وتدخله فيه وفي بلدانه، وإذا كان هذا يعبر عن شيء في بعض الأحيان، فإنما هو يعبر عن «تبعية المنهج» المخبوء، التي تبقى ماسكة بعقله وقلمه، حتى في لحظة إعلان «تمرده» على افكاره ذات المنشأ الغربي،"

وهنا يشير عادل رؤوف الى موضوع حساس ومهم جداً فهو يلاحظ انه توجد هناك لدى الكاتب «أزمة تشخيص»، ويذهب الى أكثر من ذلك فيشير الى أن واحدة من أزمات القراءة لدى السيد (الربيعي) تتمثل بقراءة الدين من خلال الفهم الغربي أو بمعنى آخر انه يحاكم (الحوزة) بمفهوم الغرب عن (الكنيسة)، مما يعبر عن (تبعية المنهج) حسب تشخيص رؤوف. ونحن نظن ان ذلك صحيحاً إلى حدٍ كبير خصوصاً إذا ما تذكرنا بان السيد الربيعي يقدم نفسه كمتخصص في دراسات (الكتاب المقدس) من هولندة، إضافة لكونه متخصص ايضاً في (علم الأساطير)، ولديه كتب ودراسات في هذا المجال حسب ما ورد في سيرته الذاتية على موقع الجزيرة نت رغم اننا نجهل أسم الجامعة أو المؤسسة الأكاديمية التي منحته هذا التخصص المثير للإهتمام. مضافاً الى ذلك خلفية التأسيس المعرفي (العلماني) والفكري-العقائدي والثقافي للكاتب (فاضل الربيعي)، وربما أيضاً لوجود حاجة اخرى ضاغطة على الكاتب (معاشية مثلاً) ترغمه على الإستمرار في الكتابة عن أي موضوع، والتي قد تكون جميعها أسباباً وعوامل إضافية في إنحراف بوصلة «التشخيص» في قراءته المجتزءة لكتاب (عراق بلا قيادة) ولرسالة السيد أحمد الحسني البغدادي فيه، وهو الذي قال عنه رؤوف ما نصه: (إقتباس)

"ففي الأونة الأخيرة، بدأ بعض العلمانيين يكتبون عن المسألة الدينية في العراق بحكم «نفوذ الحالة الإسلامية فيه»، وكمثال في ما يرتبط بالمسألة المالية، جاء كتاب الباحث «فاضل الربيعي» ما أثرناه حولها في كتابنا «عراق بلا قيادة»، مختاراً نصاً من رسالة للسيد أحمد الحسني البغدادي وجهها إلينا، آخذاً من هذا النص مادة لإسقاط العمل الإستشراقي عليها، وموحياً للقاريء بأن «المرسل والمرسل اليه» هم في حالة من «الحيرة المعرفية» !! و«الحزن المعرفي» !!، و«الجهل» بجذور أزمة المال في «الحوزة» !!! وبالتالي فهم لم يطلعوا على «المعرفة الإستشراقية» !!! ولو اطلعوا عليها لما «احتاروا أو حزنوا» !!! فوضع نفسه في موقع «حلال» المشاكل، والألغاز الكاشفة لما «احتار» به «الآخرون» من خلال تدخل شركة أودة الانكليزية !!!"

والغريب ان الكاتب فاضل الربيعي سمح لنفسه (حسب عبارة عادل رؤوف) بأن يقول ما نصه: (إقتباس)

"هذا الحوار الحزين الذي يدور بين رجلين حائرين، أحدهما يتمتع بمنزلة دينية كبيرة فهو مجتهد معروف من كبار آيات الله في النجف، والآخر مفكر إسلامي شاب هجر العمل السياسي، وتفرغ كلية للفكر، يتخطى حدود الفساد المالي بكل تأكيد ويتجاوز مسألة التصرف فيه، أو توارثه."

وفي فقرة اخرى على الصفحة 106 يقول الربيعي في كتابه ما نصه:

"بينما لم يتورع آخرون من رجال الدين عن تحويل الأمور، بما فيه الدين نفسه، إلى مسألة مكسب مادي، كما ارتأى آية الله البغدادي، أكثر النقاد الراديكاليين على الإطلاق لسلوك رجال الحوزة اليوم، وليمثل - أي البغدادي - بحق أهم ظاهرة ثورية شيعية عراقية."

وفي ما قاله الكاتب فاضل الربيعي أعلاه، نجد أنه من الغريب ان يقوم بمدح السيد أحمد الحسني البغدادي ويصفه بأنه «أهم ظاهرة ثورية شيعية عراقية» ويصفه ايضاً بـ «المجتهد المعروف ومن كبار آيات النجف»، ويقول عن  «الآخر»، ويقصد هنا الكاتب عادل رؤوف، بالمفكر الإسلامي الذي تفرغ كلياً للفكر. لكنه من جهة اخرى يقوم بقراءة الرسائل المتبادلة بينهما على أساس أنه (حوار حزين يتم بين رجلين حائرين). حتى اننا انفسنا قد اصبحنا في حيرة من تناقض ما يكتبه السيد الربيعي، هل انه يذمهما أم يمدحهما؟ وهل ان سبب «حيرتهما» وفق قراءتنا لما هو مكتوب بين سطور نصوص السيد الربيعي هو (جهلهما) (أي البغدادي و رؤوف) بمفهوم «الإستشراق» الذي يبدو أن الربيعي يعتبره «المفتاح» الأهم الذي يستطيع ان يفتح «مغاليق» فهمنا لما خفي من موضوع «المال الشيعي».

وعلى العكس من ذلك فإن رؤوف يقترح على الربيعي بأن يأخذ رسالة (حسن الكشميري) والتي كانت موضوع رسالة السيد البغدادي إلى رؤوف، كمصدر كي ينطلق من خلالها الى فهم صحيح لعمر الأزمة الذي يسبق تاريخ الإستشراق بقرون، وهنا نقرأ لعادل رؤوف النص التالي: (إقتباس)

  "و لا أعرف مالذي دفع الباحث إلى اختيار نص رسالة البغدادي – رغم وضوحها وعدم صلاحيتها كمادة يؤسس عليها موقعية الكاشف للغز - ولم يأت بنص السيد حسن الكشميري- الذي هو على علاقة بالمسألة المالية وعلاقتها بالنظام المعرفي الإسلامي البشري الموروث، بما فيه مبنى «التقليد» الفقهي، فالباحث أشار إلى هذه الرسالة -رسالة الكشميري- التي تكشف عن أزمة «الحوزة»  في مصادر المال، لكنه لم يعتمدها كمصدر، ولو اعتمدها كمصدر لـ «اكتشف» أن عمر هذه الأزمة يرجع إلى ما قبل العمل الاستشراقي بمراحله كلها... فضلاً عن أننا عالجنا دور شركة «أودة» الانكليزية في كتبنا الأخرى، لاسيما كتاب «العمل الإسلامي في العراق بين المرجعية والحزبية» وكتابنا «محمد باقر الصدر بين ديكتاتوريتين»، فقد اقتطع الباحث نصاً من رسالة البغدادي الموجهة الينا، والمنشورة في كتابنا «عراق بلا قيادة»،"

ثم يقوم المفكر عادل رؤوف باستعراض بعض ما جاء حول هذا الموضوع في كتاب السيد فاضل الربيعي والموسوم (ما بعد الإستشراق، الغزو الأمريكي للعراق، وعودة الكولونيات البيضاء)، ويردف ذلك بسؤال جوهري مهم وهو: (إقتباس)

"... ويبقى السؤال إذا كان الباحث بصدد التأسيس المتماسك للادوات .. وليس التأسيس الإنتقائي للأدوات، لماذا تجاهل رسالة الكشميري، وجاء بنصوص من رسالة البغدادي؟... والجواب مع ذلك –كما نعتقد- هو مزيج من التبعية المنهجية للغرب المخبؤة لدى «العلماني»، حتى عندما يطلّق «انتماءه الأيدلوجي» ويمارس الخطاب النقدي... وما يقتضيه  «عنوان البحث» الذي يعمل عليه الباحث، فقد كتب الربيعي تحت «العنوان الإستشراقي» ... ولاحظ ان نص البغدادي هو النص «المنسجم» مع العنوان، الأمر الذي أوقعه في تأسيس إنتقائي للأدوات."

إذاً فان عادل رؤوف يرى أن الكاتب بدل التأسيس المتماسك للأدوات ودون ان يعي (أو يقصد ربما) اعتمد على التأسيس «المفكك» للادوات، أو ما سماه رؤوف «تأسيس إنتقائي للأدوات»، ولذلك فقد وقع في «أزمة تشخيص» لماهية النص «المنسجم» مع الحالة التي يبحثها. لذا فإن  قراءته للدين الإسلامي اتت وفق «المفهوم الغربي»، لذا يضيف عادل رؤوف ما نصه: (إقتباس)

"وبالإضافة إلى «التبعية المنهجية» والحاجة العنوانية يبرز الهروب من نص الكشميري عبر ثقافة الباحث «العلمانية»الذاتية."

ولم يكتفي عادل رؤوف بذلك بل نجده يعزي ذلك إلى أن: (اقتباس)

"ومثل هذا العجز المعرفي للباحث العلماني في فهم تشوهات الإسلام هي التي دفعته الى الهروب بالإتجاه الأسهل والذي لا يؤسس معرفة مؤسسة علمياً بقدر ما يستعير «لبوس التأسيس العلمي»"

وبعد عدة سطور يورد عادل رؤوف نص لاحدى الفقرات في الصفحة 105 من كتاب فاضل الربيعي المشار اليه اعلاه وقد جاء فيها: (إقتباس)

"وكانت «النجف» بالطبع، أهم ركن بعد النفط اتجهت اليه أبصار المستشرقين البريطانيين. بينما انشغل الفرنسيون والروس عنها وتجاهلها العثمانيون،"

وهنا يسمح لنا الكاتب عادل رؤوف بأن نضيف إلى ما كتبه، ملاحظة جوهرية تقع ضمن مجال اهتمامنا، وهي اننا لا نعتقد بوجود أي علاقة بين النفط والإستشراق كي نقول عندها إن «النجف» تأتي بعد النفط كركن مهم تتجه اليه ابصار المستشرقين البريطانيين، فالإستشراق كان قد بدأ قبل قرنين (وفق ما يذهب اليه الربيعي نفسه)، اما النفط فإنه موضوع حديث نسبياً لا يتعدى عمره في اراضي الدولة العثمانية (وبضمنها العراق) ثمانون سنة بدءاً من إتفاقية «الخط الاحمر» وهو الخط الذي رسمه على خارطة للدولة العثمانية جيولوجي شاب حاد الذكاء، وهو شخصية ستغدو شهيرة في تاريخ النفط بالمنطقة واسمه كالوست س. غولبنكيان، رجال الأعمال الأميركي الأصل، والذي اشتهر لاحقاً بأسم «السيد 5%» بعد ان حصل لنفسه على هذه النسبة من شركات النفط التي أسست لاحقاً في بلدان الشرق الأوسط. وبهذا الصدد نتمنى على السيد الربيعي، مع كل الإحترام، أن يعود إلى قصة النفط التفصيلية في المنطقة العربية وتحديداً من خلال مطالعة أهم اربعة مراجع أساسية بحثت في هذا الموضوع (من وجهة نظرنا المتواضعة) والتي سنوردها في نهاية هذه الفقرة، وسوف يكتشف السيد الربيعي بنفسه أنه لا توجد علاقة مباشرة بين النفط والإستشراق من جهة البدايات التاريخية إبتداءاً، كما وأن النفط كان قد اكتسب أهميته المعروفة، أثناء ارتفاع مد الإستعمار العسكري المباشر لبلدان العالم الثالث ومنها بلدان الشرق الأوسط، وهذا الاستعمار انهى عملياً من وجهة نظرنا مرحلة الاستشراق التي كانت في بدايتها مليئة بالخيال والقصص الإسطورية عن (سحر) وغموض بلدان الشرق. وانتقل بها الى طور جديد يغلب عليه الطابع الإستخباري والذي استفاد بالتأكيد مما جمع من كتابات ومشاهدات (إستشراقية) قبل ذلك التاريخ. بل ان بعض الباحثين يؤكد على إن إحتلال البصرة من قبل البريطانيين (على سبيل المثال) قد جاء أصلاً لتأمين الحماية العسكرية لمصالح بريطانيا النفطية في عربستان، وليس لنية مسبقة في الإستعمار، أو كنتيجة مباشرة للاستشراق، ثم عرفنا بعد ذلك بقية القصة المعروفة عن المصالح النفطية. ويمكن أن نؤكد دونما مبالغة بأن النفط بحد ذاته، لم يكن بتلك الدرجة من الأهمية كمادة إستراتيجية، بل أنه لم يصبح من (أولويات) الأمن القومي (خصوصاً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية) الا في العقود المتأخرة، وتحديداً أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية. وربما اكتسب بعض هذه الأهمية كنتيجة ثانوية وكدرس من الدروس المستفادة من الحرب الكونية الثانية خاصةً بعد أن استمات (هتلر) في محاولاته الفاشلة لإحتلال حقول النفط في باكو لتأمين الوقود الكافي لتأمين اشتغال الماكنة الصناعية والجهد العسكري في ميادين القتال. وفيما يلي اسماء بعض المصادر التي نقترح على السيد الربيعي العودة اليها:

1. دانيال يرغن: (الجائزة- ملحمة البحث عن النفط،المال والقوة.) 1990،

 Daniel Yergin,  The Prize: The Epic Quest for Oil,  Money,  and Power.

2. ميخائيل ب. أورين: القوة، المال، والخيال- أمريكا في الشرق الاوسط 1776 حتى الوقت الحاضر).

 Michael B. Oren, Power, Faith, and Fantasy: AMERICA in the MIDDEL EAST,1776 to the PRESENT.

3. الكسندر بريماكوف: )نفط الشرق الأوسط والاحتكارات الدولية)، ترجمة بسام خليل، بيروت 1984، الطبعة الأولى.

4. عبد الحي يحيى زلوم : (حروب البترول الصليبية والقرن الأمريكي الجديد).

وإذا ضاق وقت السيد (فاضل الربيعي) عن قراءتها جميعاً، وشاء الحصول على بعض المعلومات الأساسية المركزة والمكثفة بهذا الصدد، يمكنه العودة الى محاضرتنا الموسومة (العصف المأكول: ما تبقى من مشروع الإحتلال الأمريكي للعراق) والتي القيناها في 15-5-2007 في المنتدى الإجتماعي السوري، وتوجد منها نسخة عن نصها على الموقع الرسمي لسماحة السيد احمد الحسني البغدادي على شبكة الإنترنت www.alsaed-albaghdadi.com. انظر الرابط:

http://www.alsaed-albaghdadi.com/all%20page/al3asfalmakool.html

وبالعودة مجدداً الى موضوع حلقتنا، هذه نجد ان السيد عادل رؤوف يستعرض على الصفحة 68 من كتابه نص ما جاء في الصفحة 105 من كتاب (فاضل الربيعي) والذي يعلق فيه على ما اقتطعه بشكل انتقائي من رسالة السيد البغدادي الى عادل رؤوف والتي تضمنها كتاب (عراق بلا قيادة). فيقول عادل رؤوف عن ذلك متهكماً بما نصه: (إقتباس)

"ومضافاً إلى تراجيديا الحزن، التي تحمل في ظلالها تمايزاً «اكتشافياُ» مفتعلاً على حساب «الضحايا الحائرين» ... تبرز لدينا عبر النصوص المارة ما يؤكد الهروب من النظام المعرفي البشري الإسلامي الموروث ببناء وطلاسمية خطابه، عندما تقرر تلك النصوص الرجوع إلى 200 عام كتاريخ لـ «العمر الفعلي لنشوء وتطور الحوزة وظهورها كمؤسسة فاعلة في المجتمع العراقي».... وإزاء هذا «التقرير» يتلاشى «التسامح» إزاء علمانية الباحث بشكل قطعي... فالباحث هنا يقتل «تسامح» الأخر، قبل ان يقتله هذا الآخر، وهو يناقش هكذا نصوص... إذ عندما يفرحه هذا «التقرير الأمي» حول تاريخ الحوزة الفاعل والمؤثر والخطير قبل الـ 200 عام، ماذا بإمكان الآخر أن يناقش سوى أن يواجه «تقرير الباحث» بـ «تقرير أمية هذا الباحث» في الموضوع، الذي يبحث فيه؟ إذ هو لم يترك أية «وسطية» للحوار والنقاش عندما تذهب عباراته إلى «قطعيات تقريرية» بالصورة، التي تقدمت،"

ونعلق على ذلك بأنه تشخيص خطير قام به عادل رؤوف، وقد لا يجرؤ كاتب سواه أن يقوم به، وذلك بالتأكيد جاء نتيجةً لثقته العالية بنفسه وبما يمتلكه من معلومات وخزين معرفي-فقهي، يمكنه بالتأكيد من إعطاء أحكام صحيحة ودقيقة في هذا المجال. ولا يسعنا هنا إلا أن نستعرضه كما هو ولن نتمكن (و لا يحق لنا أصلاً) من أن نضيف عليه شيئاً.

وبالعودة مجدداً الى ما كتبه عادل رؤوف في الفقرة اعلاه وهو: (اقتباس)

"فلو كان الباحث قد اطلع على تاريخ هذه «الحوزة» الفعال في العراق وعلى مناهجها ونظمها المعرفية، لاكتشف ببساطة أن المسألة المالية لـ «المرجع» لم تكن وليدة «العنوان الإستشراقي» ولا وليدة ما قبل لـ 200 عام... إنها وليدة لنظام «معرفي فكري» موروث، غائر في بطن التاريخ راجعاً إلى الشيخ الطوسي ومن جاء بعده وإلى المحقق الحلي ومن جاء بعده وإلى العهد الصفوي، ومن جاء بعده من رموز وصولاً إلى العهد القاجاري.... إن تاريخ الحوزة يمتد مع تاريخ ما بعد الإسلام بعقود، ومع بروز «رجل الدين»، و«المؤسسة الدينية»، و«طائفيتها ومذهبيتها» وتجليسها على نظم قسرية «فكرية-مالية»، وعلى علاقة «فقهية-سلطانية مالية»، ويرجع إلى مئات الأعوام الأخرى المضافة الى الـ 200 عام، التي إفترضها «تقرير» الباحث كعمر فعال لـ «الحوزة» في العراق. كما تكرر نصوصه الأخرى ذلك فهو يقول: «يمكن أن نحدد منتصف القرن الثامن ونهاية التاسع عشر، كبداية حقيقية لتاريخ المشكلة التي يثيرها البغدادي كما يثيرها عادل رؤوف،» "

وبنهاية هذا الإقتباس نودع القاريء الكريم على أمل ان ننقله في الحلقة التالية إلى إضاءة جديدة لزاوية أخرى من كتاب "أنبياء وأصنام" للمفكر والكاتب الإسلامي عادل رؤوف.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com