دراسات نقدية

من تراث الراحل علي محمد الشبيبي .. (أنا والعذاب/1)

 

محمد علي الشبيبي

هذا هو عنوان الديوان الشعري لوالدي –علي محمد الشبيبي- طيب الله ثراه، والذي سأنشره تباعاً على المواقع والصحافة الصديقة، وفي نفس الوقت أعمل من أجل طباعته وأخراجه بالشكل اللائق. ويشمل الديوان أربعة أقسام أو أبواب. 

القسم الأول: (الهوى والشباب) يشمل قصائده الأولى أي بداية نظمه، فبعض قصائده كتبها قبل أن يبلغ العشرين عاماً. ويشير في هوامشه أنه لم يدون قصائده الأولى بسبب ركتها. وهذه المجموعة سبقت أرتباطه السياسي والفكري. وفي هذه القصائد تعبير صادق عن حبه لحبيبته (ليلى) –زوجة المستقبل- ومناجاته لها، وخاصة بعد أبتعاده عنها –قبل زواجه- بسبب العمل الوظيفي. وقد بقي الوالد وفياً لهذا الحب طول حياته. وسوف يلاحظ القارئ من خلال هذا القسم والأقسام الأخرى تطور أمكانيات الوالد الشعرية وتحوله الفكري وتاثيره على صياغة أفكاره وقناعاته. وجميعها ستنشر حسب تأريخ نظمها.  

القسم الثاني: (في زحمة الخطوب) قصائد هذه المجموعة تتناول معاناته ومعاناة العائلة بسبب أنخراطه في العمل السياسي منذ عام 1940. وهي تشمل قصائد نظمها في عهود مختلفة، أبتداء من العهد الملكي، والعهد الجمهوري الأول –أيام الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم-، والعهود التي تلته وحتى وفاته في حزيران 1997. وحسب رأيي المتواضع ففي هذه القصائد يرسم الوالد بصدق من خلال معاناته صورة للأوضاع السياسية. كما إنه ورغم أنفكاكه -عام 1947- من أي أرتباط تنظيمي حزبي، بقى يعاني من الأعتقال والفصل وتوقف الترقية الوظيفية وحتى الأبعاد والسجن. كل هذا لأنه بقي وطنياً يرفض المهادنة والخنوع، وقد أشار إلى ذلك في أكثر من قصيدة، لا بل يؤكد على قناعاته وإيمانه بالنصر ونهاية المستبدين.

 والقسم الثالث: (رنين على الأجداث) هذا هو عنوان المجموعة الشعرية التي خصها الوالد لرثاء من أحبهم وتركوا أثراً في حياته. ومعظم قصائد هذا القسم هي رثاء لأخيه الشهيد حسين محمد الشبيبي (صارم)، ولأخيه الأصغر -محمد علي-، وللشيخ الجليل العلامة محمد رضا الشبيبي، ولأبنه همام وصهره –أبو زينب-. وأعتذر عن تكرار النشر، فقد سبق ونشرت بعضها، ولكن أجد أهمية نشرها الآن كي يتسنى للقراء الأطلاع على مجموعته كاملة، وقد تفيد من يفكر بإبداء الملاحظة والنقد في تناولها متكاملة.  

أما القسم الرابع والأخير: (أشتات) فهي أبيات شعرية وقصائد قصيرة، فيها المراسلات، والعتاب، والمزاح، وطلب المساعدة ... ولا تخلو من حكم وعبر استخلصها الوالد من تجاربه وتجارب الاخرين الحياتية. وكذلك احتوت –أشتات- على ابوذية باللهجة العراقية كان الوالد بصوته الشجي ينشدها في خلواته أو إذا تالم أو ضويق لسبب ما. وهي تغطي فترة زمنية لكل العهود.

 في بعض هوامش الوالد ذكر بعض الأسماء، وربما أسباب الخلاف مع بعض أصدقائه، أو حتى بعض قصائد العتاب العائلية، تجنبت نشرها مع المحافضة على الفكرة أو القصيدة.

هذا وأرجو المعذرة أن وجدت بعض الأخطاء والنواقص راجياً للمهتمين أبداء ملاحظاتهم، وسأكون شاكراً.

 

ألقسم الأول (الهوى والشباب) 

ألقصائد الأولى (خواطر عاشق، نفثة الألم، تعالي وأغنية الوداع) في هذا القسم لم يسجل والدي تأريخ نظمها. وبالتأكيد أن نظمها قبل عام 1934 بسنة وربما أكثر من سنة. وأول قصيدة مؤرخة له هي (تركتك) وسجل تحتها التأريخ الهجري وقد أضفت لها مايقابلها من تأريخ ميلادي. كما أن جميع التوضيحات والتعليقات حول القصائد هي من توضيحات الوالد إلا بعض الأشارات من قبلي وقد أشرت إلى ذلك بكلمة (الناشر).

 

 خواطر عاشق*

 يا منية النفس أطـلعي وانظـري ........... ورحبي بالـعـاشـق الـمكمـد

أنحله الـحـب وها قـد أتـى ........... إليـك في ثـوب الضنى مـرتد

 إذ كان منك الـهجـر ألـوانا

 * * *

لِمْ تهجريني والهـوى قاتـل ........... جردّ لي في الكف سيف الـجمال

أصبحتُ من هجـرك في سـكـرة ........... لـم أصـح إلا بلـذيذ الـوصـال

 رُحماك جـودي فيه إحسـانا

 * * *

هذي زهـور الروض لم تحتجب ........... قـد فتحت فاهـا لـقطر النـدى

يتلـو عليها الطيـر في لحـنه ........... بنيّة الـحب وآي الهـوى

 وأنتِ عني تحت ستر الخفاء

 * * *

وهـذه الشمـس تبـدت لنـا ........... سافـرة لم تختـش النـاظـرين

قد مزقت بالـنـور ثوب الـدجى ........... ضـاحكة تهـزأ بالـراقـديـن

 فلمَ تحجبتِ وزدت الـجفـاء

 * * *

فان دجى الليل انظري في السما ........... وكيف فيه يشـرف الفـرقـدان

صـار عيـونا للسـما في الدجـى ........... تشـجيه نجـواي إذا ينظـران

 ونحن عشـنا دهرنا في بعـاد

 * * *

وهذه الأطـيـارُ عنـد الـمساء ........... طـارت زرافـاتٍ لأوكانـهـا

واستسـلمت للنـوم من بـعدمـا ........... قـد رددت في الروض ألحـانها

 فما لنـا نحن هجـرنا الرقـاد

 * * *

أسقمني الـهجر فماذا الجفـاء ........... أهكـذا اقـرَّ شـرعُ الغـرام

لا تـعجبي أن جئت يـا منـيتي ........... أجـر ذيلي عـاثراً بالسقـام

 فـجـاذبي إليـك أشـواقي

 * * *

إن غاب عني البدر ليلى اهتديت ........... إليـك في نـور محـيـاك

وأن أكن يا ليـلُ ظامي الـحشـا ........... فـان رِيي فـي ثنـاياك

 يا ليـلُ أنت السـحـرُ الـراقي

 * * *

لا تضجـري يا ليـلُ أو تحسـبي ........... إن سُجنت بالجسم منا الـنفوس

يا ليـلُ مثل الخمـر أرواحـنـا ........... والخمـر لابـد لها من كـؤوس

 تغـنِِّ بالحبِ وخـلِّ الشجـن 

 ـ

*- كانت هذه القصيدة الثالثة من بداية نظمي الشعر. فقدتُ الأولى وكانت أكثر ركة من هذه، وكانت في تهنئة شاب لاصلة لي به لكن صديقاً ألتمس مني أن أقدمها كمهنئ ورغبتي في الظهور ِدّعتني للمجازفة. والثانية القيت في تهنئة بزواج أستاذي الشيخ محمد طاهر عصفور. أما هذه فقد ألقيت في حفل زواج الشيخ حسن شيخ علي الخوجه. لم أثبت السابقتين لشدة ركتهما.

 

 نـفـثـة الألـم*  

اُلقيت في الحفل الذي أقمته تكريماً بمناسبة زواج الشاعر السيد نوري شمس الدين. ولكني حين سجلت شعري حذفت منه المديح والتهاني. القاها المرحوم السيد خضر القزويني بصوته الرائع الجميل (كانت العادة في المجالس الأدبية النجفية في سنوات الثلاثينات وما قبلها ان يختار الشاعر من يلقي قصيدته من مجيدي الألقاء وأصحاب الأصوات الجيدة/الناشر). كان بيت منها قد أستعصى عليّ شطره الثاني. حيث قلت واصفاً شعره:

شعرك اليقظة لكن ظل من صار يرنوه بطرف الساهر

قـل لمن يجحده ما حط من ......... ؟؟

المعنى في ذهني دون أن أقوى على –صيده- عرضت على أساتذتي الشعراء الذين حضروا وليمة الغداء التي أعددتها للمهنأ. وكانوا هم الأستاذ جعفر الخليلي والشيخ صالح الجعفري، والشيخ عبد الرزاق محي الدين وعبد الوهاب الصافي، واجاب الصافي: معنى يجول بذهنك كيف نعلمه ونصوغه. وتركت عجز البيت فارغاً، واخذ القزويني يردد بصوته العذب، ويشير اليّ متسائلاً بنظرة: هل أنجزت؟!

وقبيل أن يصل إلى المقطع الذي يتضمن هذا، وكأن وحياً قد هبط عليّ، أخذت القصيدة من يده وكتبت:

قـل لمن يجحده ما حط من.............شرف القرآن جحد الكافر

فلما تلاه ضج السامعون بالاستحسان واعيد عشر مرات.

ونشرت في جريدة ـ بغـداد ـ العراقية.  

حُلُمـاً بالأمسِ أبصـرت ألهـنـا ........... ولـقـد راح وولـى حُـلـمي

أنا بعـد الأمـسِ رافقت الـعـنـا ........... وارتديتُ الـيوم ثـوب السـقـم

أرسل الأنغـام لكـن عن شـجىً ........... وابتسامي ناتـج عـن ألـمـي

أن فـي الـنـفـس لآلامـاً وأن ........... مانـعـتـهـا كبـرا عـن قـلمـي

 * * * *

هجعـت نفـسي في ظـلـمـائـهـا ........... مثلما تهجـع في اللـيـل الـطيـور

طلبـت نـورا ولـكـن لـم تـجـد ........... فـذوت في ليلـهـا مثل الـزهـور

فـمـتى يـأتي صـبـاحي ومتـى ........... تـؤذن الشـمس بتمزيـق الستـور

ومتى تـرفـع تيجـان الـورود ........... نحو نور الشمس في جنب السرور

 * * * *

ليت شعـري ما الـذي قـيـدنـي ........... ورمـاني بيـن آلام الـحـيـاة

كيف أمسـيت سـجينـا بـعـدمـا ........... كنت روحـا خـافـقـا كالنسـمـات

يا ابنة الشـعـر إذا لاح الـصـبـاح ........... ومحى مـا أوجـدته الـظـلمـات

فكـري ثم اصـرخي قـائـلـة ........... حـبـيـبي أم ظـلام اللـيـل مـات

 * * * *

رددي إذ ذاك أنـغـام ألـهـنـا ........... وافرحي لا ترتدي ثـوب الـحـزيـن

وانشـدي الشعر وأطـوار ألـغنـا ........... واحذري أن تـذرفي الدمع الهتـون

وابسمي فالـفجـر وافي بـاسمـا ........... عنـدما أقـبلـت ألاُم الـحنـون

فلقـد أصبحت حـرا مطلـقـا ........... بعـدما عـانيت تعـذيب السـجـون

 * * * *

لا تخـل يـا صـاح إني عـاجـز ........... وضعيف الصـوت في هذا الوجـود

وباني لـم أكـن ذا هـمّـةٍ ........... ولـذا أرغـب في هـذا الـركـود

قـد تصفحـتُ وجـوهـا جـمـةٍ ........... وبهـا لـم ألـق لي خـلاً ودود

ثـم فـضـلـت انعـزالي حيـث لـم ........... اسـتفـد من صحبتي غير الصـدود

 * * * *

ربـمـا اضـحـك للـبـعـض وأن ........... كان في نفـسـي بعـادا ونـفـور

ولـزمت الـصمـت ما صـارحته ........... خـشيةً منه ومـن نـار الـشرور

ولـزمـت الـهـديَ حـتـى لا اُرى ........... لابسـاً ما بينكم ثـوب الـغـرور

 * * * * * * * * * * * * * * *

 

تـعالي*

 أتهتـاج مثلي لـذكر الحبيـب ........... عين تجـودُ ونفس تـذوب

وتهتـز للـريح أما جـرت ........... فتغدو الضحوك لها والطـروب

وتبكي لأيامـك السـالـفـات ........... هيهـات ما قـد تقضى يـؤوب

 * * * *

حبيبي آهٍ ومـاذا تـفـيـد........... إذا قلتها الصبح أو في الغروب

هـو البعـد لـوعته في الـفؤاد ........... فمنه الـدموع ومنه الشـحـوب

ومنه الـزفـيـر ومنه الأنيـن ........... فـوا رحمتـاه لهذي القـلوب

 * * * *

كـرهـت من الليـل أن ينـقـضي ........... وارجو من البـدر أن لا يغـيب

لأسكب في الليـل دمع الـغـرام ........... واشرح للبدر جور الـخـطـوب

 * * * *

تعـالي اليّ وبـُثي الشـكاة ........... وعند التلاق تهـون الـكـروب

فأنك مثلي بهـذي الـحيـاة ........... لقيت العذاب ضـروبا ضـروب

وقـد سـاء أهلوكِ فيك الظنـون ........... وفيك وما الـظن فينـا يـصيـب

تجـلببتِ أنت بثـوب الـعـفـاف ........... ولم تهـو نفسي فـعال الـمريب

تساوي لـدي ابتسام الـحيـاة ........... إذا ما اكتأبت معـا والـقطـوب

حـيـاتي أنت فان تـفـرحي ........... فـرحـت وإلا فأمـري عـجيـب

ولـولا هـواك بهـا لـم اعـش ........... أديب وبالـحـب يحيـا الأديـب!

 * * * *

عشـقتـك طفـلا وهـا إنـني ........... سـأبقى حـبيبك حتى الـمشـيب

ويصـحبني الـحب في حفـرتي ........... فآنس في ذا المـكان الـرهيب

فـؤاد الـخليَ كمثل الشـتـاء ........... وقلب الـمحب ربيـع خـصيـب

 * * * *

رجـوت زماني ويـا خـيبتي ........... ومـا كنت احسـب إني أخـيـب

زمـان تقضّى ولا حـاسـد ........... ولا من عـذول ولا من رقـيب

تـبسـم ثـم بـدا عـابسـاً ........... فتبـاً لذاك الـزمان الـكذوب

 * * * *

متى تقبـل الـعين كحل الـكرى ........... متى يتـرك القلب هذا الـوجيب

متى أمس حـراً طليـق الـجناح ........... متى ينطفي من ظلوعي اللهيب

 ـ 

*- نشرت في جريدة الكحلاء العمارية

  أغنية ألوداع*

 باسم من شئت في الهوى غنيني ........... فـعسى إن تخففي من شـجـوني

افتحي لي الـحـديث عند سـكون ........... الليل حسنُ الحديث عند السكونِ

بالحديث استعنت في سهر الليـل ........... أطيلي الـحديث لا تـوحشـيني

وذا لـم يكن لـديك حـديث ........... فجميـل عنـدي بان تشـتـميني

 * * * *

قـربيني إليـك صـدراً لـصدر ...........ِ وبكفيـك رحمةً فـاجـذبيني

طـوقـيني بمعصـم هـو كالـتبر ........... مذاب بقـالـب من لـجين

اسـأليني عـمـا تـحبين إني ........... حـاضر أن أجيب ما تسـألـيني

ولـقـد اكـتـم الـحـقـيقـة حـتى ........... تكشـفي لي عن سـرك الـمكنون

قـد شربت الدموع دهرا طـويلا ........... فـاسـمحي الان من لماك اسقني

وانظمي من دموع عيني عـقـداً ........... وخـذي السلك من عزيز الجفونِ

 * * * *

منعوني بان أحب ولـو هـم ........... عـرفـوا الـحب عنه ما مـنعوني

زعمـوا الـحب من جنون ولـكن ........... عقلهم كان دون هذا الـجنون

إن بيني وبين هـجـرك يـوميـن ........... فيـا لـيت قبل يوم هجـرك حـيني

ما لعيد اليهـود عاد على الـعـا شـق يوم النوى ويوم الشجـون

 * * * *

أزفـت سـاعة الـوداع فـهيـا ........... لـوداعي فسـوف لـن تجـديني

أرسـلـوني إلى الأنام بـشـيـرا ........... داعيـا للصـلاح دعـوى أمـيـن

أنت عقلي لـو يهتدي الناس فـيه ........... أنت ديني لـو ينفـع النـاس ديـني

فـارفعي للـدعـا يديـك وقـولي ........... رَبُ عُـد لي بصـاحبي وخـديني

ربُّ إني ضـعيفة الـقلب فارأفْ ........... بي لـطفـا وقـوِّ فيـك يقـيني

نحـن جـاران لا نطـيق فـراقا ........... من قـديم كالـروح في جسـدين

ــ

*- أرسلت جمعية الرابطة الأدبية في النجف مجموعة من القصائد لأبرز شعرائها مع رسالة إلى مجلة –ابولو- المصرية، الخاصة بالشعر، يشيرون فيها إلى إن الجمعية ترجو أن يخصص باب بأسم ـ حقل الرابطة العلمية الأدبية في النجف الأشرف ـ. وجاءت المجلة بعد فترة، فيها مقطع من قصيدتي هذه فقط دون أي تعليق على رسالة الجمعية ولم ينشر غير هذا المقطع من القصائد مطلقاً بعد ذلك. أما شعراء الجمعية الذين لم تنشر قصائدهم فهم الشيخ صالح الجعفري، عبد الرزاق محي الدين، محمود الحبوبي، مرتضى فرج الله، خضر القزويني، وآخرين لا أتذكر ـ الآن ـ أسماءهم وهم من الشعراء النخبة. 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com