دراسات نقدية

من تراث الراحل علي محمد الشبيبي/ رنين على الأجداث 5 .. 1913 – 1997

 

محمد علي الشبيبي/ السويد

(رنين على الأجداث) هذا هو عنوان القسم الثاني من ديوان الوالد (أنا والعذاب). وهي مجموعة قصائد في رثاء الأهل والأحبة، ما عدا القصيدة الأولى والتي كانت في رثاء الملك غازي وقد وضح والدي ظروف وأسباب ودوافع الرثاء.

بعد رثاء الملك غازي أنقطع والدي عن كتابة الشعر عقداً كاملا! وهذا الانقطاع أثر سلبا (وهذا ما يؤكده والدي في أحد هوامشه) على أسلوبه  وإمكاناته الشعرية بعد مزاولة النظم مجدداً، وخاصة في قصائده الأولى في رثاء أخيه الشهيد. وبعد هذا الانقطاع عاود النظم مجدداً (عام 1949) في ظرف مؤلم وقاسي وذلك بعد إعدام شقيقه حسين الشبيبي (صارم). فنظم مجموعة قصائد في رثاء شقيقه الشهيد تناولت وصفا دقيقا، لمشاعره وأحاسيسه وما تركته هذه المأساة من ألم ولوعة في نفوس عائلته (ألأم والأب والشقيق)، كما يصف معاناة العائلة بسبب مضايقات الأجهزة الأمنية. 

كما نجده يؤكد في جميع قصائده في هذه المجموعة أو في غيرها من الديوان على إيمانه الشديد والمطلق بانتصار إرادة الشعب على كل المستبدين في مختلف العهود. ويؤكد تعهده، المرة تلوى الأخرى بالتزامه بالمبادئ التي أستشهد من أجلها شقيقه. ومنذ أن وعيت كواحد من أبنائه عرفت الوالد أنساناً مخلصاً ومدافعا صلباً عما يحمله من فكر وطني تقدمي، وهو أول من زرع في قلوبنا حب الشعب والوطن والإخلاص لمبادئنا. ولم تكسر شوكته أساليب الأنظمة المستبدة لذلك عانى من الفصل، والأعتقال والتعذيب والسجن في مختلف العهود (منذ العهد الملكي وحتى وفاته عام 1997).

ارتأيت أن أنشر قصيدة (ننعاك غازي) في (رنين على الأجداث 1) منفصلة لأنها تمثل مرحلة زمنية من تفكير الوالد أولا، وثانياً أنها آخر قصيدة له تلتها فترة انقطاع دامت عقدا كاملاً. حيث يبدأ حياته الشعرية بمرحلة جديدة فكراً ومضمونا وأسلوباً. أما القصائد التي في الحلقات (رنين على الأجداث 2 و 3 و4) جميعها في رثاء أخيه الشهيد حسين محمد الشبيبي (صارم). وفي الحلقات (رنين على الأجداث 5 و 6) رثاء للعلامة الجليل الشيخ محمد رضا الشبيبي، وشقيقه الأصغر محمد علي، وأبنه همام، وصهره علي عبد الحسين جعفر الكاظمي (أبو زينب). / ألناشر 

لي بالشيخ محمد رضا الشبيبي علاقة غير علاقة النسب. فهو القدوة التي فتحت عيني عليها. حين كنت أسمع النجفيين يتحدثون عنه، عن أدبه، وجهاده الوطني، وخلقه الرصين، وحبه للناس واحترامه لهم. وحين صرت مؤهلا للتلقي كنت أقوم بخدمة جدي، والده الشيخ جواد، ومجلسه العامر بمختلف وجوه النجف من أدباء ورجال دين، ووجهاء البلد. وعني الشيخ بي فكان يوصي أبي بإطلاقي نحو الدرس والتحصيل، ويرشدني إلى الكتب التي يجب أن ابدأ بها. وبعد هذا كنت الجأ إليه في الشدائد التي تنتابني، ورغم إني كنت اعتقد انه لم يندفع الاندفاع اللازم إلا انه على أي حال كان هو العمد الوحيد للأسرة ولم أجد منه إلا الاهتمام خاصة في السنين الأخيرة. لقد رثيته بهذه ولم ارث أبي....

انه عميد الأسرة البارز وبحق، فقد أحتل مكاناً مرموقاً في نفوس العراقيين بجهاده، فهو أحد البارزين في أمر الثورة العراقية –ثورة العشرين- وهو رسول العراق إلى الشريف حسين، لاختيار أحد أنجاله.

وديوانه الذي خلفه عبارة عن سجل لجهاد الثوار. ويوم أجتمع الإنكليز مع بعض العراقيين في النجف لاختيار نوع الحكم، أجاب هو: جمهوري! ونقل لي أحد الذين كانوا إذ ذاك من المتابعين إن الحاج عبد الواحد سكر قد عارض بشدة، لأن استقلالنا بداية جديدة علينا وهذا الحكم يسبب لنا تشتت في الآراء وانشقاقات!

ناسياً إن الملك قد هيأه الإنكليز يوم طرده الفرنسيون من سورية. وان الملكية هي طاقية الإخفاء التي يختفي الإنكليز وراءها ويصرفون الأمور كما يشتهون.

وقد توفى الشيخ حين عودته من –حج العمرة- الذي قصده بعد خلاف مع –عبد السلام عارف- وقدم قبل سفره مذكرة واسعة شرح فيها السياسة القائمة وما ينتظر من نتائجها السيئة، ووزعت شبه علانية على الشعب وأذيعت أيضاً من الأردن. وأستقبل يوم عاد استقبالاً رائعاً في المطار. وأشيع أن سبب وفاته –القهوة- التي سقيت له في المطار، والله أعلم!

لم أشارك في إلقاء قصيدة الرثاء هذه لأن فئة معينة سيطرت على المأتم شاركها أبناء أخيه، وعزل أبنه الأديب أسعد. حتى رفضوا أن يلقي قصيدة رثاء والده!؟ فكيف يقفون مني؟ ولكني نظمت وقدمتها لنجله ليضمها إلى مجموعة المراثي للطبع. واليوم أقول:وا حسرتاه عليك يا أسعد*! ومصيرك مجهول!

 علي محمد الشبيبي/ كربلاء

                                   يا أبا الجيـل

 

لـمـن اليـوم تسـتجـد مـآتـم . . . . . . ولمن جمعنـا من الحـزن واجـم

افـأقَـوَتْ ربـوعـنـا والـمـلاحـم . . . . . . أخبـا وَقْـدُهـا؟ وقـد كان جـاحـم

كيف طـاح اللـوا وخـرّ شـهـاب . . . . . . واختفى ومضه وذا الليـل فـاحـم

وهـوى الصقـر من سـماءِ عـلاه . . . . . . سـاكنـا منه قـلبـه والـقـوادم

وعلى ثـغـره ابتسـامة هــزءٍ . . . . . . بِـدُنـا لـم تـعـدْ دُنـا للقـشـاعـم

ومع الصـبـح كحلـت جفنه الانـدا . . . . . . ءُ ومسـته عـاطـرات النسـائـم

ومضى طاهـر الخطى لـم يُدنـس . . . . . . كَسِـواه وجـدانـه بـالـمـآثـم

ومـشى الشـعـب خلفه مسـتغيثـا . . . . . . نـاديـا داعـيـا سـليل الاكــارم

يـا جـليـلا بـالـمـوت زاد جــلالا . . . . . . وعـظيمـا هـانت لـديه العظـائـم

قـد فـقـدنـاك حـين أوشـك نـصـر . . . . . . وتبـدت خـيـوط فـجـر بـاســم

واسـتبـدت مخـاوف بظـلـوم . . . . . . واسـتعـدت فـلـوله للهـزائـم

                                                *                 *                 *

يـا أبـا الجيـل خـيـر جيـل تبنيت . . . . . . ومنك أغتـذى بأسْـمى المكـارم

جـاء يوفي دين الأبـوة والأسـتـاذ . . . . . . وينعى للـعـلـم أجـود عـالـم

ما أضاع الصواب في عمل الحق . . . . . . لـم يـراء ولـم يَحُـد أو يسـاوم(1)

عشـق العلـم منـذ كان صبيـا . . . . . . وبحب الأوطـان أصبـح هـائـم

كم عـليه ضـاقـت بـلاد فـبـات اللـيــل قلق الـوسـاد والثغر باسـم(2)

هـازئا بالـخطـوب تتـرى تبـاعـا . . . . . . ولـديه الـيـراع خـل منــادم

                                                *                 *                 *

يـا أبـا الجيـل والليـالي عجـاف . . . . . . زدن في حـدة الـعـدو الـغـاشـم

أيـرى الـخيّـر الأميـن طـريـدا . . . . . . والطـريد العمـيـل بـالأمـر قـائـم

والـخـؤونـون نـاعـميـن بـخـيـر . . . . . . وعلى الناس أن يـؤدوا المغـارم

وتـمـنـيـهـمـوا نفـوس صـغـار . . . . . . إن مـا هـم فيه من الـعيـش دائـم

خَـسئ الـقـــوم لا يـدوم بــأرض الله  حكـم لـفـاجــر أو لـظـالـم

فليجـولـوا ويعبثـوا كيـف شـاؤا . . . . . . وليصولوا مثل الأسـود الضراغـم

فـإذا هـبـت الـشعـوب وثـارت . . . . . . فـر شـجعـانهـم فـرار الـبهـائـم

                                                *                 *                 *

طـيب الـذكـر لـم يـغيبـك لحـد . . . . . . أنت حي بخــرّد وكـرائـــم

وبمـا ضمت الـمجـامـع من دُرٍّ . . . . . . مـنـضـدٍ ومـاسِ مـنـاجـــم

وبـوقـفـاتك الـتي قـد أقـضّـت . . . . . . مضجعـا للطغـاة كالليـل جـاثـم

وبـنـشء خـلفـه خـيـر نـشء . . . . . . طيب الغرس والجني في المواسم

سيقـولـون حين تـدعـو الـدواعي . . . . . . نحن أبـنـاء صالـحيـن أعـاظـم

نحن إن جـلـت الخطـوب شموس . . . . . . يسـتبين الضـلال فيهـا المعـالـم

طبت مثـوى أبا سـنـان وعاشـت . . . . . . بـاسـمـك الـطيبات كالغيث سـاجـم

وعـلـيـك من الإله ســـلامـا . . . . . . وليعش مجدنا مدى الدهـر سالـم

 الثلاثاء 14/12/1965

 

ـــــــــ

*- اُعتقل المهندس الشهيد أسعد من قبل النظام الدكتاتوري، مع نشوب الحرب العراقية الإيرانية. وتمت تصفيته في أقبية التعذيب الصدامية.(أالناشر)

1– إشارة إلى قوله في قصيدته لامية العرب الجديدة:

أضاع صوابي عامل غير عالم ...... سيسأل عنه عالم غير عامل

2– إشارة إلى قوله في قصيدته ( دمشق وبغداد )

لولا التـفكر في مصير بلادكم ...... تا الله ماضـاقت عليّ بـلادُ

إني أبيت لأجـلهـا متململا ...... قلق الوساد وما لدي وسادُ

ألقشاعم: المسن من الرجال والنسور.

خُرَد: طال سكوته، فهو خارد، جمعها خُرَّد 

 ************** 

 

           أبـا حسين*

          يا رحـلا ورحيـق الشـوق في فـمه . . . . . . عـذبا يسـيـل تـرانيمـا وألـحـانـا

يـردد الـنغمـة الـمثلى لـمبـدئه . . . . . . منـاه أضحيـةً يمـسي وقـربـانـا

يقـول: لي أسـرة تأريخهـا عـبق . . . . . . مسـتافه يـغتـدي بالـفخـر نشوانـا

خطَ الأوائـل دستـور الكفـاح لهـم . . . . . . فـمـارسـوه افـانـيـنـا وألـوانـا

*                 *                 *                          

بيت به نكبـات الـدهـر جـائـلة . . . . . . كالـخيـل اتخـذت للـركـض مـيدانـا

فمـن سـجـون وتشـريـد ومعتـنق . . . . . . حبـل المشـانق لـم يـرهبْ ولا لانـا

مشى إلى الموت مشي الضاريات له . . . . . . أقـوى من المـوت أعلا رفعة شـانـا

ألـقى على رأس جـلاديه قـولـتـه . . . . . . (المـوت صـار لقولي الحق برهـانا)

فالمـدعـون وقد ضاق الـخناق بـهـم . . . . . . تراجعـوا يعـلـنون الـتـوب إعـلانـا

أبـا حسـيـن ومـا تجـديـك نـدبـتـنـا . . . . . . قـد ابـتـلـينـا وللتـأريـخ بـلـوانـا

اليـومَ جـددت ذكرى صـارم فغدت . . . . . . تثير لي في طـوايا القلب أشـجانـا

*                 *                 *                          

يـا راقـديـنَ ومـازالت مـآثـرهـم . . . . . . تـروي على مسـمـع الأيـام تبيـانـا

جنى أنـاس ثمـار الـعـيـش سـائغةً . . . . . . بـاسـم النضـال وعشـنا في رزايانـا

 الأحد 26/12/1970

 ـــــــــــــ

*- هو أخي الأصغر (محمد علي) وقد توفى عام 1970 وكان جسمه عليلا بسبب ما لقي في سجون العهد الملكي وأيام البعث بعد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي. 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com