|
دراسات نقدية من تراث الراحل علي محمد الشبيبي/ في زحمة الخطوب2
محمد علي الشبيبي
في زحمة الخطوب قصائد هذه المجموعة (في زحمة الخطوب) لا يمكن فصلها عن المجموعة السابقة (رنين على الأجداث) فهي مكملة لها وتتحدث عن معاناة الشاعر وعائلته. وتغطي هذه القصائد فترة أربعة عقود، تسلطت فيها أنظمة استبدادية على رقاب أبناء الشعب ولكنها اختلفت بشدة وقسوة وأساليب استبدادها فمن المشانق في ظل الحكم الملكي إلى المقابر الجماعية في ظل النظام الصدامي المقبور. دشن النظام الملكي قدرته على الطغيان والترهيب من خلال أقدامه على جريمة لم يسبق لنظام عربي أو أي نظام استبدادي في المنطقة أن أقدم عليها، وذلك بإعدام قادة الحزب الشيوعي لا لجريمة سوى لأنهم يحملون فكرا وطنياً يهدد مصالح عملاء الاستعمار. فرد الشعب يوم 14 تموز 1958 بثورة جماهيرية منتفضا على استهتار وبطش أذناب الاستعمار البريطاني وعملائه. ثورة لقنت من يستهتر بمقدرات وكرامة الشعوب درسا قاسيا. لكن لم تدم فرحة الشعب طويلا بسقوط النظام الملكي، حتى انحرفت ثورة تموز عن مسارها وعادت أجهزة الأمن الجمهورية المستورثة من النظام الملكي البائد لممارسة أسلوبها في محاربة القوى الوطنية المخلصة، وبعلم وموافقة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم. فجاء انقلاب البعث الدموي في 8 شباط 1963 وتحول العراق إلى سجن كبير. وهتكت الأعراض، وتم تصفية قادة الحزب الشيوعي والكثير من المناضلين الشجعان في أقبية التعذيب. حتى ضاقت مراكز التعذيب، فأكتشف الفاشيون أماكن جديدة لتصبح مراكز للتعذيب. وتحولت الملاعب الرياضية والمكتبات العامة وغيرها من مؤسسات ثقافية إلى مراكز يمارس فيها أبشع أنواع التعذيب الهمجي. وتمت في هذه المراكز تصفية مئات المناضلين وفي مقدمتهم الشهيد الخالد سلام عادل سكرتير الحزب الشيوعي ورفاقه. وعاش والدي أحداث الانقلاب الدموي أثناء اعتقاله في مركز التعذيب في كربلاء وراقب عن كثب ما يعانيه المناضلون من تعذيب وأساليب همجية في التحقيق من قبل أوباش الحرس القومي . حيث تم تحويل المكتبة المركزية في كربلاء إلى مقر للتحقيق وتصفية المناضلين بالتعذيب، كما حدث للشهيد عبد ألآله الرماحي حيث تمت تصفيته في نفس يوم اعتقاله وغيب جسده الطاهر . ومن المكتبة كتب والدي في آذار 1963 أحدى قصائده (قولي لأمك) التي تصف تعذيب المناضلين وكيف تحولت المكتبة من رمز للعلم إلى رمز للقتل والحقد والتعذيب الوحشي. للأسف لم أجد هذه القصيدة بين مخطوطات الوالد الشعرية فقد بعث بها لوالدتي من المكتبة العامة عندما أستدعي للتحقيق عدة مرات وقضى فيها أسابيع وهو يراقب ويتألم للمشاهد القاسية. وسبب ضياعها كما أعتقد إن الوالدة لم تحتفظ بها خوفا من وقوعها في أيدي الأجهزة الأمنية كما أن الوالد نسيها أو تجنب تدوينها في مخطوطاته أو أنها اختفت مثلما أختف بعض كتبه من المكتبة. وأدناه أسجل بعض ما أسعفتني به الذاكرة من أبيات متفرقة لهذه القصيدة.
قـــولي لأمك قـــــولـي لأمـــــــك أنـني أقضي الليالي في عـذاب ويحوطني حـرس غــلاظ في بنـــادقـهـم حــــــراب وإذا سـجى الليـل الثقيـل كأنــه يــــــوم الحســـاب هوت العصي على جلود الأبــرياء من الشـــبــاب فيعـــلقــون ويعــــــذبون مجــــرديـن من الثيـــاب أســــفاً لـــدار العلم بعــد العـــلم تغــــدو للعــــذاب غرفاتها تحوي السلاسل لا الـمطــــالع والــكتــاب نيرون عــاد بك الــزمان لكي تشــيع بنـا الخــراب والحــق أكبــر أن يـداس وأن يـمـــرغ بالتـــــراب
واستمرت معاناة الوالد والعائلة في العهود التالية، وسجن في أيام العهد العارفي الأول، وبقي مفصولا طوال حكم الأخوين العارفين رغم محاولاته للعودة للوظيفة. بل أن أجهزة ألأمن العارفي أتهمته اتهامات باطلة، وكانت تراقبه وتستدعيه للتحقيق وتهدده وتعتقله من حين لآخر. وعاد النظام البعثي مجددا عام 1968 لابسا جلبابا وطنيا وتقدميا لخداع السذج من أبناء الشعب ليبدأ مرحلة جديدة.ولكن سرعان ما يكشف عن حقيقته، فالقتل والتصفيات الجسدية والتفنن بالتعذيب هي خلايا دمه التي تروي شرايين البعث العراقي وتمده بالحياة. وعاني والدي من اضطرار أبنائه وأصهاره للهرب من الإرهاب الصدامي بعد الهجمة الشرسة على الحزب الشيوعي وأنصاره عام 1979 بينما هو وبناته تعرض للاستجواب والتهديد لعدم الكشف عن بقية أبنائه الهاربين. وكتب خاطرته الشعرية (أطياف بغداد) يوم الجمعة المصادف 06/08/1982: أطياف بغـــداد
بـغــداد. أيـــــن أحـبتي أشْــمَّتِ فـيـي عُـواذلي شـطَّ المــزارُ فليـتَ لي بـغـــداد جنحَيْ أجــــدَلِ أطوي بها تلك المسافا تِ الـبعيـــدةَ لـيـــتَ لي لا تعــذلـوني وافهمــوا أينَ الشـجيَّ من الخلي * * * أينَ الليــالي الزاهـراتُ وأين زهـــو الـمحفـــل نتناوب السمــرَ اللــذيذَ مع الحــديث المــرسَـلِ ما بين (فاروق) الوفي وبينَ لطف (أبي علي)(1) قـلب الـــزمــانُ مِجنــهُ وعــدا عليَّ بمعــــــولِ وآهــارَ آمالي العـــذابَ وصفــــو عيشي الأولِ والليـــل طــال مقــامه فمتى بصبــحٍ ينجلـــي
وعاني من الوحدة بسبب شراسة النظام الصدامي، وقضى أيام حياته الأخيرة محتجبا في داره احتجاجا على شراسة النظام وأساليبه المخابراتية. فيكتب خاطرة شعرية في 01/05/1986 لأبنته الكبرى يبثها ألم الفراق والوحدة ويوصيها فيكتب:
إليك يا أم علي(2) تجاوزتهــا سبعــين كل سهـــامهــــا نفــذن إلى صـدري فادمين لي قـلـبي ولــم أجـــد الآسي ولــم أجــد الــــذي يــواسي إذا أصبحت في مأزق صعب عــديني يا أحــلام إن حــان موعــدي بأن تـجـلـسي يا لـُب قـلبي إلى جـنبي ولا تتـــركــيني بـين أيـدٍ غــريـبـة فـقــد عـافـني من قـد حـببت بلا ذنبي وقــد أنــكـروا حــبي وكل متـــاعــبي فصرت غريب الدار والأهل والصحب أنا الـوالــد الــمحـروم من كل متعــةٍ بأبنائه في حــالة الـجـــدب والخصب بـنــية إني عــشت الــعـمـر مـعــذبـا وصبـري أراني الـمـر كالمنهل العذب
ورغم كل هذه المعاناة نجد أن والدي يتحدى وسائل النظام الصدامي وإرهابه فيرفض الخنوع والأسلوب الصدامي في أخذ صك الإذلال والطاعة من الشرفاء ويؤكد إصراره على الحفاظ على كرامته مهما كان الثمن، ويتحمل كل هذه الضغوط بالرغم من شيخوخته وما جلبته له من أمراض. ويدون في مخطوطاته مجموعة رباعيات عبارة عن خواطر شعرية تلخص تجربته ومواقفه ومعاناته أختار منها ما يناسب لهذه المقدمة. فيكتب في 09/05/1987: ما كنت بالخــانع يـوما إلى ...... من يُقسِرُ الناس على طاعته كرامتي أفضـل من عيشتي ...... لـذاك لم ارجُ نـدى راحَتـــــهِ أو يتحدى الدهر وهو يرمز بذلك إلى سطوة النظام الصدامي، فيكتب في يوم الثلاثاء 19/11/1988: أنا أقـوى يا دهــــر منك لأني ...... لست أخش ما قد لقيت وألقى قد تجرعت مُرّ صبري مرارا ...... حين هـاجمتني بعنف لأشــقى ويعود مجددا ليؤكد إصراره وقناعاته بالمثل والأفكار التي آمن بها، فينشد مخاطبا الدهر الذي سلط طاغية على رقاب الشعب، فيدون في يوم الأربعاء 18/12/1988: حاربتني يا دهر حتى لقد ...... أبعـدت عني كل أحبــابي فلم أقل رفقـا وما هالني ...... إن استبدتْ بي أوصابي ------------------ الهوامش 1- فاروق هو فاروق العزاوي زوج شقيقتي نوال، أضطر إلى مغادرة العراق بعد أن نقل من التدريس في ثنويات بغداد إلى أحد معامل الطابوق في نواحي العمارة لرفضه التعهد خلال حملة تبعيث التعليم السيئة الصيت. أبو علي هو المهندس حسين عبود زوج شقيقتي الكبرى أحلام، وقد أضطر لترك عمله وأشغاله في الوطن بسبب مضايقات أجهزة السلطة الصدامية. 2- أم علي هي شقيقتي الكبرى أحلام وكانت مقيمة مع زوجها في الكويت وتتردد من حين لآخر لزيارة والديها وشقيقاتها، وتميزت بحنانها وعطفها منذ الصغر. * * * * * * * * * * إلى أبي صبيح (جعفر الشبيبي)* إلـيـك عمّ شــكاتي فـاسـتمـع وأجب ولا تـكن معـرضا عني وكن سنـدي وان تقـل جـئتمـوا ما ليـس يـعـجبنا فـالحــر لابــد أن يـشـقى بـمـعـتـقـد (وان ســر الـحـيــاة المســتـكن بنـا صفية من صفايا الـواحد الأحـد)(1) (فـمـن جــدودي لآبـائي الألى لأبي الــيّ ذاهــبـــة مني إلـى ولــــــدي) إن لم تكن لـــعـظيمـات بنـا نــزلـت فـذلـكم لـم يكـن في مستطاع يــدِ(2) أراد فــرعـون والــخـلاق ســاعــده كيما يرى صبر موسى وهو ذو جلد فـكـان مـا كان مـما لســت اذكــره إلا لــظى حــرق تــزداد في كبــــدي 29/12/1949 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *- في 29/12/1949 هيأت أبياتا ضمنتها رسالة إليه عن أمر يخصني. ولكني تذكرت كم كان يلوّح لي بما يدور من إشاعات حول نهجنا السياسي، ويبدي شيئا من اللوم والتذمر. فعدلت عن تقديم الرسالة. 1- الأبيات المقوسة للشيخ محمد رضا الشبيبي 2- إشارة إلى حادث إعدام شقيقي حسين وعدم تدخلهم في أمر إعدامه! * * * * * * * * * * * **
خـاتـم الذكرى* يـا طلــعة الــبــدر وبسـمة الـفجــــر يا نغــم الشـــادي وسـجعة القمـري يـا بهجــة العـمـر يـا أرج الـــزهـــر يا حـلـم الـعــذراء وحبهــا الـعــذري و قـيت مـن شـــر نعمـت في خيــــر وعشــت في أمـن من كل ذي غـــدر للحســن الـــزاكي والأنجـم الزهـري قلـوبـهــا حـــامت تـرف كالــطيـــــر علـيك يـا عنــوان آمـالـهـا الغـــــــر * * * خذ خـاتم الذكـرى يـا طــيب الـذكـــر قد صيغ من شعر وليـس من تبــــر تــزري مـعــــانيه بـالمـاس والــــدر وكلـــمـا أرجـــــو أن تقبلـوا عـذري فأن تـقــصيــــري من نكـد الـدهــــر أني في دنـيـــــاي يا عـم لـو تــدري أنـــوء من حمـلي بـوطـأة الـعســــر مجــتـمــــع الآلام مشـتت الفـكــــــر الشـوك في دربي والهم في صدري أن أوهنت جسمي قـاصمة الظهـــــر وأوجـعـــت قـلبي حـــوادث الغــــدر فسوف لـن أغفـو يـوما عن الثــــأر
09/01/1950 ــــــــــــــــ *- بمناسبة عيد ميلاد الطفل (الطبيب اليوم) علي حسن الحيدري. وقد كنت جارا له في الناصرية أنذاك. ** * * * * * * * * * * ** حســرات
إلى آي أحــيـــاني يــلاحقني دهــري فيدفـع في صـدري ويطعن في ظهــري تـقـاذفـني أمـواجــه دون رحمـة ولكنهــا مـا أوهنت قـط من صبـــري فــوا حســرتي ولى شـبابي ولـم أنــل من الـعيش إلا ما يضـاعف في عسـري ولسـت الـذي يـشــكـو إذا مـسـه أذىً ولست الـذي يبكي من البـؤس والفقــر ولـسـت الـذي يخشى الـحيـاة لمـا بهـا من الموجعات القلب أو قاصم الظهــــر ولســت الــذي لـم يـدري ماذا يحــوطه من الناس ممن فـاق ذا النــاب والظفـر ولسـت الـذي لـم يـدري إن مـصابه مصـاب ملايين تلــوى على جــمـــر(1) مشـاكلـها بعض ببـعـض تـداخـلت وضـاعفها أهــل المطـامع والغـــــــدر وطـبقـت الآفاق سـود غـيـومـهم ومنهـا هـزيم الرعـد ينـذر بالشــــــر أجل لسـت من هـذا فـأني على هـدىً بان مصيـر العـالميــن إلى خيـر(2) وان أخـــا الاطـمــــاع أقـلــق بالـه تيقظ هــذي الناس من مطلـع الفجــر فـهـاج هـيــاج الوحــش أدرك أنـه سيسحب رغمــا من نواصيه للثـــأر ويـتـلـى عـليه مــا احـتــواه كـتـابه من المــوبقات المخــزيات ومن نكـر وتـــحـصى لـه آثــامه وذنـــوبه فيفهـم مـا يـــوم القيــامة والحشــر ويـعـرف أن الأرض يــورثـهـا الـذي يراهـا لمن ذاقوا أذى الظلم والضــرِّ(3) وداعــا شــبابي فيــك لــم ألـق راحـة عسى أن أراها في الذي ظل من عمري 14/01/1951 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- تتلوى حذفت منها التاء الأولى وهذا جائز. 2- هذه عقيدتي في مسيرة الحياة. وهي ليست عقيدتي وحدي إنها عقيدة كل الذين يدركون إن الحياة في حركة دائبة وتغير مستمر وتبدل دائم من حسن إلى أحسن أو من سيء إلى حسن. ومخدوع غبي من اعتقد إن دولاب الحياة يمكن يوقفه جبار مثل فرعون أو نيرون أو هتلر، أو أي حقير تأخذه نشوة الحكم فيحيد عن جادة لصواب ليسير بالناس وفق أطماعه وشهواته. لقد تحقق شطر ما توقعت وهوى عرش فيصل وعبد الإله ونوري السعيد ومثل خدم الاستعمار أمام محكمة الشعب للحساب وهم أذلاء واعترفوا بما ارتكبوا وطلبوا العفو صاغرين فهل يتعظ الباقون!؟. 3- إشارة إلى مضمون الآية الكريمة : (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في لأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين). سورة القصص آية5.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |