دراسات نقدية

الغربة والوطن لدى وليد ابراهيم وحسين الصالح

 

 د. زهير شليبة

الغربة والوطن لدى وليد ابراهيم وحسين الصالح

 ليست صورة الوطن اقل قتامة عند الشاعر العراقي وليد ابراهيم من زميله جواد جميل. نقرا في قصيدة "الارصفة" من ديوان "الجدار" 1995:

من لي باسم كلما احتضرا

الا تواريخي له تؤتى

يا صورة ممسوحة الامان يا وطني

ومحاجر محمومة الألوان  يا وطني

وماتم مشنوقة الاحزان يا وطني

ومقابر مسروقة الاكفان يا وطني

من لي بدرب لا تسيطر فوقه الموتى؟ ( ص 76)

والوطن هذا يتعدى مفاهيمه الجغرافية ومصالحه وارتباطاته الشخصية فيعبر الشاعر عن حنينه الى وطنه وغربته خارج حدوده، فيقول في " مرفأ أمس " :

يا شاطيء الكرخ يا مرفأ مشاويري

من بعدما حطموا لي زورقي ومشيت

بي للمرافيء محمولا اضابيري

هربت رملك في اشقى تصويري

وحملت موجك في قلبي اذا ارتطمت

بي صخرة القبر

ساحت في معاذيري (ص66)

حمله رماد

يا جدنا من علم الاحفاد؟

بانكم في سالف الازمان

كتبتم منشور

قد فضح المحظور

بأن خلف السور

تكشف عن سوءتها بغداد (ص 71)

وتتضح الصورة والفكرة اكثر في (تداعيات غريب):

غريب أنا

ليس لي أن اكون أحد

او ان يكون لدي بلد

تحت جلدي بلاد كريهة

لو انني اردت لامحو

ثقوب الرصاص الميتة

باشياء من قبله أوجرت نارها الام قبل انفلات الرصاصة

وسقوط الشهاب..

بماذا سأوحي نزف سحابي

ضمأت

ولا تحت جلدي أمنت

وكل الفصول خريف ورائي..

بماذا سأوحي

فلا المنجل الان يسأل عني ولا السنبلة (ص67)

وتحفل قصيدة "قنديل الغراف" باسماء عراقية يحن الشاعر اليها:

عم مساء

ايها الجد الذي يدخن

على شارع النهر

هل شنقوا الصهيل؟

في زمامة الجميل

وعلقوا جوادك القديم

فوق حائط الغسيل لتمشي الان على عكازك العاشر حاني الظهر

عم مساء(ص 69)

  

غربة حسين الصالح في مملكة الاخرين:

يبدا الشاعر حسين الصالح افتتاح (مملكة الاخرين) ديوانه الاول 1990 بحروف تتنفس بهاجس الغربة ضمن ايقاع رومانتيكي حزين:

أسافر الان على جديلة المساء

وأيما مدينة تضاء

أحمل في حقائبي بقية الوطن

وماءه وصيفه

ودفتر الزمن

وأحمل الدمع الذي يبلل الكفن

أقمت في سحابة مسافرة!

أقمت في الخيام ألف ليلة

أحاور القمر

وكلما يعاود المحاورة

أعاود السفر! ( مملكة الاخرين ص 8)

 انها تقاسيم جميلة مفعمة بالتفاؤل رغم الحزن والتشاؤمية بسبب هاجس الحنين الى الوطن والاحباط، وكان يمكن لهذه البداية ان تجمع لم شمل الشتات لولا سقوط الشاعر في بعض القصائد في محنة الخطاب السياسي ومزاحمته للشعر.

ويجيد الشاعر حسين الصالح استخدام الصورة الشعرية وتبدو التأثيرات التراثية والمعاصرة في الوقت نفسه، ويبادر الى الذهن محمود درويش وقصائده عن الوطن والغربة والرحيل:

عامان يا أمي

وسيفي نجمة معلقة

عامان يا أمي

وفي حقائبي وثائق ممزقة

وقبرك البعيد في طوفانه

ينهض مثل غيمة مطوقة.

وفي قصيدة "غربة" تنهض المدن وتمارس الذاكرة فعلها. الا ان الام تبقى اكثر تجسيدا في أغلب قصائد الديوان.

فتأخذ مدلولا اكثر شمولية ورحابة وتغدو الانتماء والاصالة والوطن:

آه أيتها المدن النائمة

فوق صدري احرسيني..

من الظلمة القادمة..

عندما عدت..

راودني طيف أمي

وبقايا طفولة

ذاكراتي التي أطفئت

رحت أفتح ابوابها

والليالي الطويلة ( مملكة الاخرين ص 17)

يمارس الحس القومي والوطني حضوره ، وتأخذ فلسطين مساحة واسعة من الديوان مرة في شكل الخطاب السياسي الصريح وفي قصائد مكرسة لها، ومرات اخرى تدخل ضمن السياق الشعري وفي صورة ادبية اجمل كثيرا من الاولى، حيث يحلق  القارئ مع النص وتداعيات الشاعر فيمتزج الحس بالسياسي:

عندما غادر القمر

كان شيء قد انكسر

ما الذي يا أحبتي

يجعل الليل في خطر!

بيننا .. ليس بيننا

غير خيط من الحجر

بلد بعضه دم..

وعلى سيفه مطر

صار في الليل نجمة

علقتها يد القدر

عندما غادر القمر.

لم نمت في حقيبة

لم نر البحر والسفر

لم نمت قرب خيمة

وعلى بابها حجر

مدن تحتسي دمي

وأنا أحتسي القمر

وفلسطين نجمة

علقتها يد القدر.

التجربة الاولى لحسين الصالح اثبتت بأنه يمتلك الموهبة وانه على صلة بالشعر القديم ونتاجات الشعراء المعاصرين حاول ان يجمع بين الاثنين في بعض القصائد، أصاب مرات وأخفق أحيانا، الا ان المملكة بقيت عالية الصرح.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com