في ديوانه الجديد (افيفان) اعاد بدل رفو الدفء الى قصائد المزوري من جديد
قراءة:اسماعيل طاهر/ دهوك
ربما للكاتب والمترجم المخضرم وصاحب
القلم الرصين بدل رفو الذي غيبه الاغتراب منذ عقدين من الزمن حيث يقيم في
بلدة غراتس بالنمسا يعشق افيفان الى ابعد الحدود.
فهو قد سمى فلذة كبده بأفيفان وسمى احدى
اهم نتاجاته الابداعية “ديوان الشعر الكردي المترجم الى العربية بـ “وطن
اسمه افيفان ” وربما له قصة مع هذه اللفظة البديعة التي تعني في اللغة
الكردية “الساقية ” او التي تقوم بالسقي وتروي العطشى كما اسلفه في العقد
الثمانيني المنصرم الشاعر الكبير عبدالرحمن المزوري والذي سرد افيفان
لااكثر من مرَة في اشعاره وقد سمى هو الاخر احدى بناته بأسم افيفان لكن رفو
بعدد من السنين.
الوليد الجديد لبدل رفو وهي قيد البحث
عبارة عن ديوان شعري للشاعر الكردي الاشهر عبدالرحمن المزوري ترجم من اللغة
الكردية يضم باقة من اجمل اشعار المزوري التي لاقت رواجاً لامثيل لها خلال
العقد الثمانيني الماضي نشرت فرادا هنا وهناك في عدد من الصحف والمطبوعات
والمواقع الالكترونية الادبية بين الحين والاخر الى ان بادرت مؤسسة “سردم -
العصر ” في السليمانية الى طبعها وتوزيعها مؤخراً لتحتفي بها المكتبة
العربية وتضيف اليها باقة اخرى من اجمل القصائد الكردية.
بدل رفو الذي يعشق الشعر ومعها الترجمة
الى لغة الظاد بكل جوارحه اختار نخبة من اجمل وابهى اشعار المزوري المتعددة
والكثيرة لتكون ثمرة من انتاجه الوفير لكونه يمتلك نتاجات رصينة اخرى
باللغتين العربية والكردية طبعت قبل الان منها حيث يقول في مقدمة الديوان
قيد البحث : التجربة الشعرية عند الكثير من الشعراء تماثل تجربة الحياة بل
هي عصارتها والشاعر في هذا النمط من الشعرية يصب جام شعوره الحسي والروحي
المنضوج اما بفعل تدافع السنين او بدونها كحراك باطني، على الوحدات
والقوالب الشعرية المسماة “ابياتاً وقصائد “.
ويقول بحق الشاعر المزوري : حاول جاهداً
تقديم نموذج للحياة الاجتماعية السائدة عليها المساواة والعيش المشابه دون
فوارق واعاد ذاكرته القومية الى تأريخ امته الى بلاط الامراء والدواوين
والالحان العسكرية الفدائية دون ان ينسى الالحان الغرامية التي لاتكون الاً
سلاماً وسلماً وجاب كل بقاع كردستان مجتازاً كل الحدود المصطنعة من قبل
الاستعمار وبحث منقباً عن كل ذرة او شذرة او شرذمة تحمل نفساً بمقدورها
بناء اللبنات التي كان طامحاً في انشاءها وبناء صرحها الا وهو تحقيق الحلم
الكردي وهذه مقطوعة من شعره الحماسي من قصيدة “ميهربان البروارية ” حيث
يقول :
اليوم . . . صباحاً
مات يتيم بلا اهل
من الجوع
في قريتنا
الناس كلهم ذهبوا في حال سبيلهم فقط بقيت انا
وختمت رسالة
بدمعتين من مقلتي
كتبتها وارسلتها له.
ايا ميهربان
منذ القدم
انت المرج وانا الريم
كطائر سمان بلا اجنحة
اتمرغ في بحرهواك
هؤلاء الرقباء
لصوص الليل
مسخوا
زينتك
لذا ارغب
ان اسرق لقامتك الرشيقة
نجوم السماء
من رأى منكم قطعة حبل او سرج فرس
حزنت منذ يومين.
اليوم عند المساء
نادى :
ان فؤاد هذه “المهربان ”
البائسة والمليلة
في قاع نهر العشق قد ضاع
فمن رأه ….!؟
من رأه ….!؟
رفو حاول خلال هذا المشروع اعادة الشاعر
المزوري الى الحياة مجدداً لانه كانمن اشهر الغائبين عن الساحة وان لم
تنساه عقول محبيه القدامى وقلوبهم ، الزمن غدار واهله اكثر غدراً فما اسهل
نسيان طود شامخ قدم لشعبه وقضيته كل ما يملك لكونه غاب عن الانظار لفترة
وان كانت غير مديدة وطواه النسيان وغياهب الغربة في البلاد البعيدة وغيبه
فترة من الزمن ولم يتم ذكره لا في المحافل الرسمية ولا في غيرها ولم يجد
لاسمه في اية لائحة للتكريم في وطنه ، لكنه عاد والعود احمد والاجيال
القادمة ستذكر رفو ومعه المزوري بشغف على عظيم فعله وحسن مقالته وجمال
كلامه.يضم الديوان الذي اهداه المترجم الى ابجدية النرجس وروح الشعر وقصيدة
القبوج وافيفان والى شاعر ارتشف هو وعشاق الشعر من مناهله العشق والشعر
والانسانية اشعاراً عظيمة للمزروي منها : اربع صور مكشوفة والامطار وحكم
عيسا دلا والمجد ورسائل الى حبيبتي ولو انا ويوميات ميهربان البروارية
والقمر ونهاية قلم التي نظمت بالكاتب الاشهر صادق بهاءالدين الاميدي وفي
عشق المصابيح القديمة وهم الخاني والجزيري وتيران والحريري والنبي ايوب
واحزان بنت كردية وغيرها كثير كثير اعادت الدفء والروح الى الشعر الذي اعلن
البعض موته وفنائه قبل ردح من الزمن كما اعاد المزوري واشعاره الى ساحة
الادب مرة اخرى بعد ان ظن البعض اختفاءه الى الابد.الجلي لدى قراء ومحبي
وعشاق الشعر لاسيما الذين يتبحرون في العربية والكردية على حد سواء براعة
الترجمة وحضور الالفاظ وترتيبها وتنظيمها لكون شعر المزوري اقرب الى
التعقيد من السهولة لكونه شاعراً مخضرماً خاض تجربة نظم الشعر مع اجيال
متعددة وواكب شعراء من مختلف العصور والتوجهات فكان ينبغي لهذه القصائد
وجود مترجم كبدل رفو او من شابهه متعمقاً في الفهم والصورة والدلالة والنظم
الشعري متبحراً في اللغة المترجم البهاء كما هو في اللغة التي نظمت بها
القصائد الاصلية ، لكن لايخفى بأن المترجم رجل الترجمة وفارس الكلمة وبارع
البناء مطرزاً للقصيدة ، فترجمته للقصيدة لاتعد ترجمة بل بناء قصيدة اخرى
بمكانها دون افتقادها للروح والدف اللذين يملآنها كما في هذه الابيات :
لااحب القمر
لانه يأتي كل يوم ويخضً قربة
دين جديد
احياناً يحيل نفسه
قرصة خبز حارة ومقلية
احياناً يصبح رفيعاَ
طويلاَ
كسوط ومرَة اخرى يغدوا سيفاً ومنجلاً
في يد الطغاة والجواسيس
فقمر بارد ذو مكر
كالجرو يتمرغ يوميا في
طين مغاير
لا احبه
وان غدت الى فتاة ساحرة البسمة
في ربيعها الرابع عشر
وتطرق باب قلبي
فلن افتح لها
فلتحرد وتغضب
فأنا لا احبها
وحول الشاعر عبدالرحمن المزوري الذي ولد
العام 1948 في قرية ايتوت بمحافظة دهوك وتخرج من جامعة الموصل العام 1969
ونشر اولى دواوينه الشعرية العام 1980 بأسم “في عشق المصابيح القديمة يقول
المترجم : قدرته الشعرية بلغت مستوى لايرقى اليها شك وقادرة على الالقاء
ومقتدرة على الابداع ، فهو قبل ان يقتحم عالم الاحاسيس والاشعار كان
اكاديمياً ومشتبعاً بتعليمها الى جانب تشربه الثقافة الادبية والشعرية
الواسعة والتي تجسدها هذه المجموعة المترجمة الى العربية وهذه فقرات منها :
في تلك السنة لم تهاجر القبوج بل شيدوا
السواتر
وشمروا عن السواعد
فداسوا كل ثلج
قد هطل
وكسروا
كل سيف قد اقبل
واداروا السنة
فجعلوها ربيعاً
اما الصيادون
فعادوا خائبين
بخفي حنين
وبوجوه سود باهتة
يقال بأنه :
منذ تلك السنة
الصيادون خائبون
سود الوجوه
والقبوج
في وسط الثلج
يغمرها الدفء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
آفيفان ـ ديوان شعري للشاعر عبدالرحمن
مزوري ومن ترجمة بدل رفو صدر عن مؤسسة سبيريز في السليمانية 2009