أشتات /2
محمد علي الشبيبي
هذه
الرباعيات نظمها والدي في ظل حكم البعث الثاني وحتى نهاية عام 1988، حيث
عاش بعدها محتجباً في البيت لا يزوره من الأصدقاء والمعارف إلا صديق واحد
(الراحل مهدي جاسم الگرعاوي طيب الله ثراه). وفي انتفاضة الشعب في 2 آذار
1991، حيث أشتد القصف على كربلاء وسقط المئات من الشهداء والجرحى، اضطرت
العوائل إلى النزوح من بيوتها واللجوء إلى القرى المجاورة هرباً من القصف
العشوائي للقوات الصدامية. حينها طلب الوالد بإصرار من الوالدة (طيب الله
ثراها) وشقيقتي أم زينب وأطفالها (دون الخمس سنوات) مغادرة المدينة وتركه
وحيداً في البيت حفاظاً على حياتهم!. حينها كان قد شارف على بلوغ الثمانين
عاماً، وقد أنهكه المرض وأنهكته قسوة الحياة، وهو يرى العراق وقد تحكم
بمقدراته منذ عقود أوغاد وقتلة، بينما الوطنيون الشرفاء احتجزوا في السجون
وتتم تصفيتهم بالتعذيب أو مغتربين وموزعين في أصقاع العالم. أخبر عائلته
أنه لا يبالي أن يعيش أو يموت بعد كل هذه الحياة القاسية حياة يتحكم بها
أشرار، المهم أن تنزحوا حفاظا على حياتكم وحياة الأطفال فهي الأهم! وبعد
فشل الانتفاضة وما تبعها من اعتقالات وحصار وترهيب لسكان المدينة، أنعكس
ذلك الفشل بشدة على حالته الصحية، وازدادت تدهورا حتى أصبح عاجزا عن مواصلة
القراءة والكتابة وساءت ذاكرته، إلى أن فارق الحياة في 26 حزيران 1997.
والرباعيات هي خلاصة مركزة لتجاربه ولما جرى عليه وعلى العراق وشعبه من
مصائب بسبب طبيعة النظام الدكتاتوري الصدامي والأنظمة التي سبقته. ففيها
شكوى من قسوة الحياة ومن طبيعة الصراع على مدى الزمن. وفيها الألم بسبب
جسامة التضحيات (ناطح صخرة) دون أي تقدم، وكأن شعبنا يراوح في مكانه لا بل
تراجعنا لعقود من التخلف. ورباعياته في السنوات الأخيرة قبل أن يوقفه المرض
عن النظم، تتحدث عن اعتزازه بكرامته وصمود وإصراره وتحديه، كما في
الرباعيات (دعنا، كرامتي، أنا أقوى وحرب الدهر).
بالتأكيد كان الوالد حذرا في تدوين أشعاره خوفاً من المداهمات أو وقوعها
بيد الأحفاد وهم لا يقدرون خطورة وقوعها بأيدي الأجهزة الأمنية. فكانت
والدتي وهي الأمية تراقب كتاباته وتحفظ مخطوطاته بعيدا عن الأعين، ولولا
مراقبتها وإخفائها للمخطوطات لتتسلمها من بعدها شقيقتي أم زينب وتحافظ
عليها بكل أمانة، لما وصلتني بعد سقوط الطاغية.
من
ضمن هذه الرباعيات شعر شعبي –أبوذية- وأعتقد أن بعض شعره الشعبي من
–الأبوذية- مفقود أو ربما موجود في بعض مخطوطاته التي لم تصلني. وتعودنا
في البيت نسمع صوته الشجي ينشد أبوذيته وهي تحكي حبه ووفاءه لزوجته
وأبنائه وللقيم التي آمن بها وأخلص لها، أو عتابه للزمن لما أصابه وأصاب
العائلة، أو فيها من العتاب العائلي مصحوبا بمرارة الأب المضحي الصبور.
ألناشر
محمد
علي الشبيبي
رُ
باعيـات
للراحل علي محمد الشبيبي
الحياة سراب
يا
صديقي قل لي هدى وصوابا ........... أنـا ضـام وما وجـدت شــرابــا
ما
وجــدت الحـيــاة إلا سـرابـا ...........وعـنــــاءً وذلــةً
وعـــــــذابـــا
01/08/1969
* * * *
بغي
وحرب
أهي
هذي الحياة بغي وحرب ........... ومـريــض مـالـه قـــط طـب
وجواد
يجري إلى حيث يكبو ........... وفــؤاد كجمـرة سوف يخبـو
02/08/1969
* * * *
تـرشفت كأسي إذا ما بها ........... شــرابي أمر من الـعلقــم
وقلت
لنفسي أهذي الحياة ........... فقالت غرورا اجل وأقـدم
07/08/1969
* * * *
ناطح صخرة
كم
جهدنا من أجل رأي وفكرة ........... وعملنا من أجل تحصيل خبره
وعثـرنا في دربـنا ألف عثـرة ........... ثم عـدنا كمن يناطـح صخــره
23/08/1969
* * * *
هزأة
ويك
قلبي تخــل عن ........... حبك العيش والحيـاه
إنهـــا هـــزوءةً وان .......... صدرت عن فم ألآله
16/11/1969
* * *
*
أجلت
بهذا الوجود النـظـر ........... وطالعت شتى وجوه البشر
فأيقنت في أن هذا الوجـود ........... كبحــر يعـج بخيــر وشـــر
15/10/1972
* * * *
لِمَ
ابكي؟
قرب
دائرة الكهرباء –علوي- من النجف استوطن كربلاء أقف للسلام عليه فيروح
يحدثني عن ذكرياته عن الطفولة والشباب، والكدح والنصب، والتقاليد التي دفنت
بحسرة وألم، ثم يرثي نفسه إذ قرب الأجل، حيث كثرت علله وتقدمت به السن وحين
ودعته وتابعت سيري عائدا خطرت لي هذه الرباعية.
لم
أبـكي على الــحيــاة وأني ........... شبت يا نفس من هموم الحياة
ولماذا أخشى الممات وأهلي ........... قبلنا قد سُقوا كؤوس الممــات
الأربعاء 30/06/1982
* * * *
يا
مرحبا
عللي
عليّ تكاثرت........... ولربما تقضي عليـا
يا
مـرحبـا بمنيتي ...........و إنها جـاءت أليــا
03/08/1982
* * *
*
ما
سوف نصير
لستُ
بالغرّ فامضي في متاهات الغرور ........... يـا نقاطــاً فرقت بين ســرور
وشــرورِ
كلنــا نـحـيـا عـلى ارض تــدور ........... فلمـاذا لـم نكــن نعلــم ما
سوف نصيـر
الجمعة 19/11/1982
* * * *
عبئ
ثقيل
آه من
ليل يطولُ ........... انـه عبئ ثـقـيــلُ
فمتى
يبـزغ فجر ...........فيُرى فيه السبيل
الجمعة 19/11/1982
* * *
*
الدمع
والميت
هبني
أمـوت ومالي ........... من يذكـرني ويبكي
هل
ينفع الميت دمع ........... كلا ومن دون شـك
السبت
27/03/1984
* * *
*
بلبــل
بلبــل حــط على شــرفتنــــا ........... وغـدا يشـدو بلحن مطــرب
قلـت:
يا بلبـل هــذي أيكـتي ........... قال:أخشى منك أن تغدر بي
الأحد
06/11/1984
* * * *
لا
تمــروا
مروا
على أي قبر ........... ولا تمــروا عليّــا
أتذكروني و انتم ........... جفــوتموني حيــا
09/04/1985
* * *
*
صراحة؟
كم
يثير الضحــك مني عمـل ........... طائش سميته ويحي صراحة
وجنيت
الشــوك في أعقــابه ........... وتحملت مع الصبر جـراحه
الجمعة 09/08/1985
* * * *
دعــنا
أطلت
مُكثا يا دجى فارتحل ........... دعنا نـرى النهـار يا كافــرُ
جرّعتني المرّ ولا ذنب لي ........... إلا لأني رجــل صـــابــــرُ
الثلاثاء 25/02/1986
* * * *
أصـــغِ
أصـغ
لي صاح واستمع ما أقول ........... كلُ زهـــر سيعتــريه ذُبــــولُ
كل
قــد يـمـيـس دّلا وزهـــــــوا ........... هــو للــدود والـتــراب
يــؤول
الخميس 08/10/1987
* * * *
كــرامتي
ما
كنت بالخــانـع يــوما إلى ........... من يُقسِرُ الناس على طاعته
كرامتي أفضـل من عيشـتي ........... لــذاك لــم ارجُ نــــدى راحَتهِ
09/05/1987
* * * *
مع
الأحــلام
قد
أرى حـلما جميـلا ........... أو أرى أسـوأ حلــــم
أنا
في الــيقظة أنسى ........... كيف لا أنسى بنومي
الاثنين 10/08/1988
* * * *
أنا أقــوى
أنا
أقــــوى يا دهـر منك لأني ........... لست أخش ما قــد لقيت وألقى
قد
تجرعت مُرّ صبري مرارا ........... حين هـــاجمتني بعنف لأشــقى
الثلاثاء 19/11/1988
* * * *
حرب
الدهر
حاربتني يا دهر حتى لقد ........... أبعـدت عني كل أحبابي
فلم
أقل رفقا وما هـالني ........... إن استبدتْ بي أوصابي
الأربعاء
18/12/1988
* * * *
خطى الأيام
أرى
الأيام تسرع في خطاهـا ........... وعمــري بين كفيهــا أسيــر
سترميني متى شــاءت بلحـد........... ويطــويني مع الظلم الحفيـر
* * * *
شعر
شعبي- ابوذية-
عتاب
إلى ابني كفاح:
جثيرة
دروب خايب فِتنا بيهَ
ولگينه من هـواكم فِتنه بيه
ما
هـو الدهـر آذه وفَتْ نبيه (نبيه: أسم والدتي/ الناشر)
رباكـم عم عَليهه وعم عليَ
* * *
إلى
أبني همام*
اصــابيع الـدهـر يبني لـــوني
آون
ولا احــد يصغي لــــوني
يبـو
عمار آنه اقبل لَــوني
اصيرن
فدوه لك عن كل اذية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*-
اشتد على ولدي همام مرض ارتفاع الضغط ولم تجد مراجعات الأطباء شيئا فشكا
إلي متألما كيف يحس بالموت يدنو منه وهو بعد لم يرتشف من لذة الحياة
شيئا.
* * *
ليـــل!
مَتَى
ينــزاح ليـل الهم ويخلـص
شبت
وابتعد من يشفق ويخلص
عاجــز گال فليــرحل ويخلــص
اجـل.
عنــد البشر هـذي سجية
12/11/1985
* * *
أنا
والزمان
الزمان شـلــون عذبنه وهدنه
شـدْ
لَــجـتافنه ايدينه وهـــدنه
ورفض
ما يقبل مفاهم وهدنه
ورضينه لــو يعجـــل بالمنيه
* * *
تضحية
انا
الـمــا دَوَرت ونســـه ومَلهَه
سعيت
وضيعت روحي واملهه
كلبي
رفـض هـالــدنيه وملـهه
وثباتي على العهد دين وسجيه
الاثنين 08/11/1988