دراسات نقدية

صورة "العدو" البشع في الدراما التلفزيونية العربية ـ "رجال الحسم " أنموذجا!

 

  يوسف أبو الفوز

haddad.yousif@yahoo.com

عند كل الشعوب والامم، يوما بعد اخر تزداد تعقيدا مهمة معرفة "العدو"، خصوصا من الداخل، فهي وان كانت مهمة قديمة، الا انها ومع التطور الحضاري والتكنولوجي الحاصل، اخذت ابعادا اكثر علمية وشمولية، فالنجاح والانتصار والمواجهة مع اي "عدو" صارت تتطلب فهمه بشكل عميق وشامل قبل الاقدام على اتخاذ أي قرار في مواجهته . لم يعد ممكنا الحديث عن "العدو" بصيغ مكررة وسطحية استهلكت كثيرا في وسائل الاعلام والاعمال الادبية والفنية . الامر هنا ينطبق تماما على قضية الصراع العربي الاسرائيلي، إذ لم تعد مقنعة ابدا تلك الصيغ الاعلامية الجاهزة والمدفوعة بشحنات عاطفية وتعصبية عند الحديث عن العدو الاسرائيلي الغاصب الذي يواصل سياساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني . ان دراسة "العدو" ومعرفته، صارت عند شعوب العالم مهمة منوطة بمراكز البحوث والدراسات المتخصصة التي تدعم بشكل مباشر وتغذي خطط العمل وترسم المفاهيم للمؤسسات التربوية والاعلامية والسياسية، وان مهمة الغوص في المجتمع الاسرائيلي وفهم عمل مؤسساته والتفاعلات الاجتماعية والسياسية داخله لا يكفيه التسلح بالنوايا الطيبة في انجاز أي عمل أكاديمي او ادبي او فني عنه، خصوصا الاعمال الفنية الدرامية التلفزيونية .

في السينما الهوليودية ظهرت شخصية "جيمس بوند" كبطل معادل للتوجه السياسي، للعقلية التي أدارت الصراع في سنوات " الحرب الباردة "، وهدفها تبشيع صورة العدو الشيوعي السوفياتي وحلفائه، واظهار غباء وتدني امكانيات الاجهزة المخابراتية لما عرف ايامها بدول "المعكسر الاشتراكي"، امام القدرات الفذة لأجهزة المخابرات الغربية، ومثل ذلك ظهرت شخصية "رامبو" كمعادل سينمائي لتمرير وتجميل افكار تصدير العنف الامريكي الى كل مكان وضرورة ان تتدخل امريكا بجيوشها لحل مشاكل العالم بالعنف والقوة، ومثل ذلك ظهر على شاشات هوليود عشرات الابطال الذين يقدمون حلولا فردية لمشاكل العالم، ويروجون لصورة المنقذ الفرد الذي لا يهزم، ويبدو ان الدراما التلفزيونية العربية، سريعة الوقوع في فخ نمط الانتاج الهوليودي، خصوصا في انتاج البطل الرامبوي، الجيمسبوندي، الذي يقف بمفرده، اعزلا، الا من وسامته وعضلاته  وذكاءه الخارق، في مواجهة مؤسسات العدو البشع بكل قوتها وجبروتها ويتمكن من خداعها والانتصار عليها. هذا ما يمكن تلمسه بسهولة في حلقات مسلسل "رجال الحسم "من اخراج السوري "نجدة اسماعيل انزور"، وسيناريو وحوار الكاتب السوري "فواز بشير"، وانتاج  شركة الهاني وتلفزيون ابو ظبي، والذي عرض في شهر رمضان المنصرم .

يعد المخرج المتمرس "نجدة اسماعيل انزور" واحدا من اعمدة نجاح الدراما السورية، وعرف عنه أخراجه لاعمال تلفزيونية متميزة مثل " نهاية رجل شجاع" في عام 1993 عن رواية للكاتب السوري المبدع حنا مينا . يمكن القول ان أنزور بالعديد من أعماله التلفزيونية ساهم في قلب الموازين الفنية في سعي ناجح لكسر الشكل التقليدي في عملية الاخراج التلفزيوني، وذلك بتوظيف حرفيات السينما في العمل التلفزيوني وأعتماده على كاميرا واحدة في التصوير وما يعني ذلك من أهتمام ببناء اللقطة الواحدة في المشهد الواحد، وما يتطلبه ذلك من جهد من كل الكادر الفني لبناء كل لقطة وكل مشهد . هكذا قدم انزور للمشاهد العربي، في العديد من اعماله، رؤى بصرية جعلته في مقدمة المخرجين السوريين والعرب، الذين تمردوا على الاشكال التقليدية التي كرستها استديوهات القاهرة الفنية، والتي احتكرت مسلسلاتها شاشات التلفزيون في العالم العربي لسنين طويلة، الا ان انزور وللاسف في المسلسل التلفزيوني "رجال الحسم " لم يوفق في تقديم عمل فني يرتقي الى مصاف اعماله السابقة، رغم الاموال المبذولة المعلن عنها، والجهود الانتاجية في التدقيق في تفاصيل الديكورات والاكسسوارات والملابس والسيارات، واخراج المعارك بمساعدة خبراء اجانب، وحشد كوكبة متميزة من الممثلين السوريين والعرب. ورغم بعض الومضات الاخراجية التي حملها المسلسل، بحكم الخبرة والمهارة المتراكمة، الا ان المسلسل لم ينجح في ابراز امكانيات المخرج انزور الاخراجية التي عرفت عنه. فمن أجل شد الجمهور وخلق حالة من التشويق لمتابعة الاحداث، اعتمد المسلسل حبكة ذات طابع  بوليسي، الا انها لم تنجح كثيرا، فالمسلسل الذي استمر لمدة ثلاثين ليلة، بثلاثين حلقة، كان بالامكان اختصاره الى عشر حلقات ان لم يكن اقل، اذ كان واضحا ان العاملين على المسلسل ارادوا الدخول في سوق المنافسة الدرامية الرمضانية، وليكون بثلاثين حلقة بأي صورة،  فعمدوا الى مط العمل واطالته من خلال مشاهد الاسترجاع "الفلاش باك "، التي اضجرت المشاهد لكثرة تكرارها، خصوصا حلقاته الاخيرة، حيث لم يخدم الاسترجاع البنية الدرامية للمسلسل الا في حالات معدودة، ومثل ذلك كانت الاطالة غير المبررة فنيا لمشاهد حفلات الزواج .

مسلسل "رجال الحسم" بمحصلته النهائية جاء نسخة سورية باردة من المسلسل المصري" رأفت الهجان" (إخراج : يحيى العلمي، إعداد وسيناريو وحوار: صالح مرسي، إنتاج : قطاع الإنتاج بإتخاد الإذاعة والتليفزيون المصري عام 1989 ) . واذا كان الظرف السياسي الذي انتج فيه مسلسل "رأفت الهجان" ساعد على نجاحه، حيث أيامها كانت هناك حالة احباط في الشارع العربي، ترافقت مع حاجة لتبيض صفحة المخابرات المصرية امام الاتهامات بتخاذلها والحكومات العربية امام العدو بعد رفع علم  أسرائيل في سماء القاهرة، اضافة الا ان احداث المسلسل بناها الكاتب المصري "صالح مرسي " استنادا الى قصة حقيقية لعميل مخابرات مصري عمل داخل اسرائيل (ثبت أن اسمه الحقيقي رفعت علي سليمان الجمّال 1927 - 1982) واعترفت بوجوده حتى المخابرات الاسرائيلية، وان حاولت التقليل من نشاطه ونتائج عمله، وقد بذلت المخابرات المصرية ـ في حقيقة الاحداث وفي المسلسل التلفزيوني ـ جهودا متواصلة في تدريب العميل الجمّال ومتابعته وتزويده بالمعلومات واسناده بمختلف الطرق، فأن مسلسل "رجال الحسم" جاء ليقدم لنا قصة مدرس لغة عربية من اهالي القنيطرة، أسمه "فارس محمد صوفان"، وادى دوره الممثل السوري " باسل خياط "، اقتحم اسرائيل وزرع نفسه هناك بجهوده الشخصية، دون اي دعم مخابراتي مؤسساتي، واعتمادا فقط على شعوره القومي وغضبه وذكائه الأخاذ ووسامته حيث تنجذب اليها النساء على غرار جيمس بوند ورأفت الهجان، وايضا خبراته الجسدية والقتالية كونه خدم في سلك المغاوير في الجيش السوري واشترك في حرب حزيران 1976، وشهد احتلال الجولان وضياعها، فنذر ان يقوم بعمل وطني ما، وامام رفض القيادة السورية السماح له بالقيام بعمل فدائي داخل اسرائيل، بسبب الحاجة له كمعلم، يقرر السفر الى اوربا بمفرده للتفكير من هناك بعمل ما نوعي  ضد العدو الاسرائيلي .

من بداية احداث مسلسل "رجال الحسم" ونحن نرى البطل المعلم فارس غاضبا من تردي الاوضاع السياسية في سوريا والبلدان العربية، وهو يتنبأ لنا بالهزيمة امام العدو، ففي حوار له مع زميل معلم وهما يتفرجان على تلاميذ المدرسة يلهون بكرة قدم، يتسائل فارس : " ما حدا عرفان شو ينتظر هذا الجيل، خايف على وقتهم يكون لعب "، ويضيف : " الحياة بحاجة الى عمل اكثر من حاجة للعب خصوصا في ظروفنا "، وطوال حلقات المسلسل يشارك العديد من شخصيات المسلسل بطل المسلسل فارس في تذمره، ويطلقون الافكار عاليا : "بدنا واحد مثل صلاح الدين حتى يرجع فلسطين "، أو بشكل محدد وواضح كما جاء في الحلقة الثانية عشر: " الحاجة الى قيادة قوية تمسك الامور بحزم وتضع النقط على الحروف "، وعندها نفهم ان المسلسل يمهد لحدوث الانقلاب العسكري الذي قام به الرئيس السوري السابق حافظ الاسد في عام 1970 والذي عرف بأسم " الحركة التصحيحية"، ومادام المسلسل أنتهى بنهاية مفتوحة دون حسم نهاية احداث القصة ولم نشهد فيها قيام "الحركة التصحيحية"، فنحن يبدو سنكون بأنتظار جزء ثان، ان لم يكن عدة اجزاء على غرار موجة ومودة المسلسلات الرمضانية في السنوات الاخيرة، وفيها اتوقع اننا سنرى قيام "الحركة التصحيحية " ونرى بالطبع احداث حرب تشرين . وارتباطا بهذا التمهيد السياسي الذي قدمه المسلسل لحدث مثل "الحركة التصحيحية" يرتبط قيامه بحزب البعث السوري، فأن المسلسل الغى نضال ومعاناة كل الاحزاب السياسية والقوى الوطنية السورية، وسلط لنا الضوء فقط على نضال البعثيين السوريين فقط، الذين لم يقدمهم بالاسم مباشرة، ولكن كان واضحا في الاشارة اليهم من منطلقات احاديث ونقاشات شخصيات المسلسل ذات الفكر القومي، وبذلك يكون المسلسل هنا، قد ابتعد عن الحيادية والموضوعية في رواية التاريخ، بل ويمكن القول وقع في مطب يمكن أن يسمى تزوير التاريخ، وتجييره لصالح فئات سياسية محددة، فالبعثيون في مسلسل "رجال الحسم" وحدهم هم من لوحقوا وطوردوا واختفوا عن الانظار، وتحملوا مع عوائلهم كل هذه المعاناة بانتظار قدوم "المخلص" الذي سيضع النقاط على الحروف !!

في كل عمل فني، سينمائي او تلفزيوني ناجح، تكون منطقية الاحداث هي ما يشد البناء الفني، وما يجذب المشاهد للمتابعة، فأين نحن من هذا في حلقات مسلسل" رجال الحسم" مع  المعلم فارس ـ الذي في  الاعلانات واللقاءات الاولى مع الكاتب عن قصة المسلسل كان أسمه " شحادة " ولا يخفى سبب تغيير اسمه الى "فارس" فيما بعد، الذي قدمه لنا المسلسل في الحلقات الاولى مقنعا في اجادته للغة العبرية، حيث رأيناه مرارا يقرأ كتبا وروايات بالعبرية، بل ورأيناه يقدم خدمات للجيش في الجولان في قراءة الكتابة العبرية على نصل حربة عسكرية اسرائيلية تعود لاحد جواسيس اسرائيل في مدينة القنيطرة عثر عليها افراد الجيش السوري، وهكذا حين اختلط باليهود خارج وداخل اسرائيل، لم يستغرب المشاهد من اجادته للغة العبرية،  ولكن فارس حين انتقل من سوريا الى المانيا بحثا عن فرصة للقيام بعمل وطني ضد اسرائيل، وانتحل هوية " ايشاك " اليهودي البولوني المفقود، بمساعدة الالمانية " كروس "صاحبة الفندق المغرمة والمفتونة به، لم يكن هناك اي تمهيد لاجادته أكثر من لغة أجنبية، واذا تسامح المشاهد ولم يعترض على أجادة فارس المفاجئة للغة الالمانية، فأننا لابد ان نلاحظ انه لم يكن ثمة قلق عند الكاتب او المخرج من توجس المشاهد من ان يلتقي البطل فارس بمن يجيد اللغة البولونية سواء في الفندق او في محل عمله في البار، بل وان المخابرات الاسرائيلية، التي عرفت بشدتها في تقصي المعلومات عن عملائها، لم تبذل جهدا في هذا الامر، وظل فارس طول المسلسل يزور الكنيس اليهودي في برلين دون اي خوف من اللقاء بمن يجيد اللغة البولونية، ولم يكن متوجسا من امكانية ان يوجه له سؤال باللغة البولونية خلال امتحان جهاز كشف الكذب، الذي اجري له في تل ابيب، من قبل خبراء الموساد، أما مشهد الاختبار بجهاز كشف الكذب فقد كان من اضعف المشاهد في المسلسل، بل ويمكن القول انه كان كاريكاتيريا في تنفيذه ودرجة اقناعه للمشاهد، حيث نرى فارس مدرس اللغة العربية ودون اي اعداد وتدريب ـ سوى  كونه من المغاوير ـ يتجاوز امتحان جهاز كشف الكذب بالجواب على اسئلة تؤثر على ادق الشعيرات العصبية في جسده، بل جلس الممثل "باسل خياط" عاري الصدر، مثل رامبو أو المدمّر، امام جهاز كشف الكذب، وكأن ذلك يكفي ليطيح بخبراء الموساد سؤالا بعد اخر وكأنه في امتحان التربية القومية في بلده سوريا .  

أن مسؤولية مواجهة العدو بكل وسيلة، ومنها الاعمال الدرامية الفنية، لكشف عدوانيته ووحشيته، لا تكفي لتكون سببا للوقوع في ذات المطب الذي تميزت به اعمال هوليودية طالما انتقدت من قبل نقاد الفن الجادين، حيث نرى صورة العدو سلبية وبشعة على طول الخط فقط من اجل ان نقول انه سيء . في مسلسل " رجال الحسم " رأينا كل ضباط جهاز الموساد، الذين ومن اجل غاياتهم  الشخصية، او من اجل خدمة دولتهم اسرائيل، يعيشون ويعملون في جو كامل من الفساد الاخلاقي والخيانات المتبادلة، ويمارسون اعمال القسوة والغدر، مع بعضهم البعض، بدون اي عاطفة او احترام وثقة لبعضهم البعض، فضابط الموساد "ايفال" (لعب دوره الممثل الاردني ياسر المصري ) تطلب منه زوجته سارة أو ميراج (لعبت دورها الفنانة اللبنانية مايا نصري )، ان يقيم علاقة مع زميلتها المنافسة لها " آن "، لابعادها عن طريقها، وتطلب منه مباشرة ان ينام معها لو تطلب الامر، وتذكره كيف انه سبق وبنفسه قدمها لفراش الجنرال من اجل ان يصل الى ما يريد، وهكذا بقية ضباط الموساد، الذين لا يمكن ان نتلمس فيهم اي جانب اخلاقي انساني، فكل واحد منهم رأيناه يراود زميلة له عن نفسها او يشتهيها لنفسه ويخطط للاستحواذ عليها، ليقودنا المسلسل، الى ذات الحالة التي طالما ضجرنا منها في الاعمال الهوليودية، حالة تقديم صورة العدو البشع السئ الغبي على طول الخط .  من جانب اخر، يقع المسلسل في مفارقة تناقض واضحة للمشاهد، اذ نرى بطل المسلسل،  فارس، المعلم السوري، يخوض علاقات الحب المتعددة، ويجمع فيها عدة نساء في آن واحد، وبكل ثقة نراه يوزع قلبه وكلمة حبيبتي على اكثر من أمراة، وذلك من اجل قضيته السامية التي نذر نفسه لها، فهو يقيم علاقة عاطفية مع الالمانية "كروس " صاحبة الفندق، ويكتب من فندقها رسائل حب مترعة بالروح الوطنية والهيام الى حبيبته سلمى في دمشق، وينتحل أيضا دور العاشق مع ميراج ضابطة الموساد التي من اجل تجنيده تزوره الى غرفة نومه، لكن كل ما يفعله فارس مباح اخلاقيا ما دام يخدم قضيته الوطنية ! وفي الوقت الذي الصق المسلسل كل الصفات السيئة الاخرى بالشخصيات الاسرائيلية ـ التي لا نعرف لماذا اغلبية لقاءاتها كانت في البارات والمراقص ـ  كنا نتابع المشاهد والمواقف التي تعكس لنا فرادة وتميز البطل فارس، عن ثقافته ووعيه القومي، عدم ثقته بالاذاعات الاجنبية، شجاعته في القتال، شهامته في انقاذ زملاءه الجرحى، حذره الشديد، سرعة المبادرة، اجادة التعامل مع النساء، ذكاءه المفرط في حبك علاقته بضباط الموساد وتأجيج الصراع فيما بينهم، الهدوء وبرودة الاعصاب والقدرة على السيطرة على مشاعره عند قتله الجاسوس اسحاق أو أبو عروج (أدى دوره الفنان السوري أيمن رضا) وعميل الموساد زيفاي (ادى دوره الفنان السوري محمد الأحمد)، وليس أخيرا اعجاب النساء وهيامهن به اينما ذهب ! أننا نرى صورة مسطحة للشخصيات، اما سيئة جدا او طيبة جدا، دون ان تملك عمقا يفرضه الواقع والمنطق .

وفي الوقت الذي بنى المسلسل احد عقد تطورات الاحداث على خطأ ضابط الموساد "أيفال" المتمرس وذو الخبرة الطويلة، وذلك عند افشاءه سر طبيعة مهمته باغتيال شخصيات مناضلة فلسطينية خلال وجودها في اوربا الى احد العاملات معه في الموساد، مما سبب غضب مرؤسيه عليه، وكلفه هذا الخطأ القاتل ـ من وجهة نظرمرؤسيه ـ كل تأريخه وخدماته العديدة المتميزة، بل وبالتالي تسبب في مطاردته ومحاولة قتله، الذي يحصل في المسلسل أن "ايفال " ذاته وبكل بساطة، وثم ميراج الكولونيل في الموساد، ذاتها التي تطارد زوجها لمعاقبته على خيانته وافشاء اسرار الموساد، بكل سهولة يخبرون أيشاك البولوني ( فارس) بأنهم ضباط في جهاز الموساد لمجرد انه قدم لهم بعض الخدمات، وهو يعرض نفسه لهم بأنه مجرد يهودي باحث عن فرصة عمل !! وقدم المسلسل مشهد اعتراف ضابطة الموساد ميراج لفارس بأنها كولونيل في جهاز الموساد، بغاية الغنج والدلع وكأنها تخبره بأنها من البرج الفلاني . ايضا ترددت كلمة "الموساد " كثيرا على لسان الشخصيات الاسرائيلية، داخل وخارج اسرائيل، والمعروف جيدا من اعترافات وسيرة حياة منشقين عن هذا الجهازالجهنمي، انه من تقاليد جهاز الموساد الصارمة انهم لا يستخدمون كلمة "الموساد" في احاديثهم وحتى في المراسلات الرسمية، وتوجد هناك عدة بدائل لهذه الكلمة يتم اختراعها، ويتم تدريبهم على عدم استخدام هذه الكلمة .

ولم تنفع حبكة المسلسل استخدام احداث واقعية، تم ذكرها عرضا خلال الاحداث، مثل خبر تجنيد الطيار العراق منير روفا، الذي هرب الى اسرائيل قبيل حرب حزيران 1967 بطائرته المقاتلة الميغ السوفياتية الصنع، ولا حكاية  خطف السفينة شيرزبرغ في 12 اذار 1968، وعلى متنها 200 طن من اوكسيد اليورانيوم من ميناء هامبورغ عبر المياه الاقليمية لهولندا وبلجيكيا، وعبر مضيق جبل طارق وعبر البحر الابيض المتوسط وصولا الى ميناء حيفا، اذ لم تكن هناك حبكة درامية منطقية مقنعة يمكن توظيف هذه الحكايات لاسنادها، فجاءت مجرد اخبار بدون اي فعل درامي، بل ان المسلسل وقع في مطب الخلط في استخدام الاسماء المتعددة لبعض شخصيات المسلسل، فضابطة الموساد سارة او ميراج، راح فارس وعدة مرات يناديها بالاسمين امام من يفترض معرفتها بالاسم الثاني فقط، وكذا الامر مع ضابط الموساد ايفال الذي انتحل في المانيا اسم وليم هارفي . وهناك العديد من الملاحظات التي يمكن الاشارة اليها وتفصيلها تتعلق بأحداث وردت في المسلسل، علما اننا توقفنا في ملاحظاتنا فقط عند الحكايات التي تتعلق بجهاز الموساد الاسرائيلي، ولم نتناول بقية الحكايات التي وردت في المسلسل وجرت في الجولان او دمشق والتي تحرك فيها شخصيات سورية لها علاقة بالبطل فارس .

ان النوايا الطيبة لا يمكن ان تقود دائما الى نتائج طيبة، هكذا رأينا ان تناول جهاز الموساد الاسرائيلي، الذي يعتبر واحدا من اهم وانشط اجهزة المخابرات في الشرق الاوسط، ان لم نقل في العالم، والذي  نفذ بنجاح كذا من العمليات المخابراتية الغادرة والمجرمة في اطار الصراع العربي الاسرائيلي، لا يمكن  الغوص في اعماقه لفهم اليات عمله بهذا الشكل السطحي . ان  السعي لفضح الموساد وبيان جرائمه كأداة حرب، وتبشيع صورته امام المشاهد العربي  تحت باب " اعرف عدوك"، جعلت صناع مسلسل "رجال الحسم "، يقعون في مطبات عدم منطقية الكثير من احداث المسلسل التي جاءت خاضعة لمجريات الصدفة وعدم اقناع المشاهد بواقعيتتها ومنطقيتها، ان السعي لتحقيق انتصارات تلفزيونية على العدو الاسرائيلي، بهذا الشكل تبدو  ليس اكثر من اسلوب تعويضي عن الشعور بالهزيمة المدمر الذي يخيم على الشارع العربي،  ولكن تقديم رؤية فكرية وفنية تناسب رؤية هذا الطرف الحزبي والحكومي، لا يمكن ان تخدم عملية استنهاض الوعي القومي ولا النضال من اجل حقوق الشعب الفلسطيني والعربي، بل تدفع بالمشاهد الواعي الذي مل سياسات الحكومات العربية، ويلجأ لاطفاء جهاز التلفزيون عند عرض خطابات حكامه، الى غلق جهاز التلفزيون ايضا عند عرض هكذا اعمال فنية لا تلامس العمق .

 

 

Google

 في بنت الرافدينفي الويب

 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 © حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين

Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.

info@bentalrafedain.com