نقد شعري للسلوك العدواني
مستقى من الركام الشعري والتراث النقدي القديم .. مساهمة شعرية في التربية
والتعليم
محمود
الربيعي
السلوك السبابي والشتائمي في أوساط السياسيين والإعلاميين
سبق
أن نشر لي مقالا بعنوان "إذا أردت أن تكون سياسيا عليك أن تكون مهذبا"
والمشكلة لازالت قائمة في عصرنا السياسي التي نعيشه، فسياسيوا اليوم ليسوا
كسياسيوا الأمس، فقد كان السياسي يتمتع بثقافة إجتماعية ووعي خاص وحالة
نضال حقيقي عنوانه التضحية من أجل الآخرين، أما اليوم فنحن نشهد جيلا من
السياسيين لايحسن إلا لغة السباب والشتام خلافا لما دعت اليه الأديان
والشرائع ومادعت اليه القوانين والمجتمعات الانسانية من التحلي بالأخلاق
الكريمة والسماحة والالتزام بخطوط الإخلاص والنزاهة والعمل الجاد لخدمة
المجتمع، ومن المؤسف أن نجد في أوساط السياسيين بعض النماذج المتهورة التي
لاتخجل من نفسها ومن سخط المجتمع عليها ولاتحترم هيبة الحكماء ولاالعلماء.
قال
الشافعي النووي
إذا
سبني أحدا تنازلت رفعة وماألعيب إلا
أن أكون مساببا
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره
أن أرد له جوابا
يزيد
سفاهة وأزيد حلما كعود زاده
الإحراق طيبا
إن
السلوك االمنضبط دليل على رقي الانسان، وإن ثبات صاحبه عليه دليل على سمو
أخلاقه، إذ ليس من السهل الحفاظ على ثبات النفس .. قال الشاعر:
لو كل
كلب عوى القمته حجرا لاصبح مثقال الحجر
بدينار
ومن
الطبيعي أن لاتتوقف الموازين عن رصد حركات الانسان لحظات الفرح والسرور أو
لحظات الهم والحزن، ففي اللحظات المهمة التي يمر بها الانسان يجد من ينغص
عليه سعادته، لكن صبره على المكروه يعتبر من شيم الرجال، وفي الوقت الذي
يمر الانسان في حالات من الإبتلاء يرتفع رصيده بين العقلاء، وقد عبر عن ذلك
الشاعر حين قال:
إذا
اراد الله نشر فضيلة طويت أتاح
لها لسانَ حسود
ولولا
إشتعال النار فيما جاورت ماكان يعرف طيبُ
عَرفِ العود
ولولا
التخوف للعواقب لم تزل للحاسد
النُّعْمى على المحسود
ولقد
أبتلي العالم اليوم بصراعات ونزاعات الألسن فظهرت موجات السباب والشتائم
وغطت الكثير منال بلدان بما تنقله الفضائيات من لقاءات وبرامج على الهواء
مباشرة تظهر فيها المعارك الكلامية بلا ضوابط أو حدود وغير خاضعة لرقابات
الدول بل قد تكون تلك الدول نفسها هي التي تحتضنها لإداء ادوار تعمق من
خلالها النزاعات بين الاطراف المختلفة وفق الامزجة والمصالح.
والإنسان المتحضر في مثل هذه الظروف يعيا عن إجابة النفوس المريضة التي
تأخذ أجورها بعدما تدق أسفين العداء بين الدول والأحزاب ومعتنقي الاديان
والمذاهب.. ويندر أن تجد فضائيات معتدلة بين الفضائيات العربية التي أتسمت
بطابع تحريك الدمى من على شاشات التلفاز وقد صدق من قال:
إذا
نطق السفيه فلاتُجِبهْ فخير من
إجابته السكوت
سكتُ
عن السفيه فظّنَّ أني عييت عن
الجواب ماعييت
شرار
الناس لو كانوا جميعا قذىً في جوف
عيني ماقذيت
فلست
مجاوبا ابدا سفيها خزيت لمن
يجافيه خزيتُ
إن
التوازن في السلوك ضرورة ملزمة على طول الخط ولايصح لمرحلة قصيرة لذلك فإن
مظاهر الصبر والحفاظ على الثبات مهم في العلاقات الانسانية، ومن اُولى
مراحله تقبل الفكرة نظريا ليتم تطبيقها في السلوك، ومن البديهي أن يكون
المتوازن في حدود إنسانيته المتحضرة دون المضطرب الذي يفقد التوازن لانه لم
يتلق التربية الجيدة، وفي حالات النزاع بين المسلكين لابد أن يتغلب العنصر
الحضاري على السلوك الفوضوي المدان.
ولابد
للمتوازن أن يبرهن على توازنه من خلال ترفعه الدائم عما يجري حوله من
السلوك المدان وهو أمر مهم في العلاقات الاجتماعية التي من مظاهرها طبيعة
السلوك بين السياسيين، ولابد للسياسي المهذب أن يتحلى بالصبر وحسن الخلق
ليكون وجهاً لامعاً ومضيئاً بين صفوف القادة.
قال
الشاعر:
فلا
تعجل على احد بظلم فإن الظلم
مرتعُهُ وخيم
ولاتفحش وإن مُلّيت غيظا على أحد
فإن الفحش لوم
ولاتقطع أخا لك عند ذنب وإن
الذنب يغفره الكريم
ولكن
عوراهُ برفق كما قد
يُرْقَعُ الخَلَق القديم
ولاتجزع لريب الدهر وأصبر فإن الصبر
في العقبى سليم
فما
جَزَعٌ بمُغْنٍ عنك شيئا ولولا
مافات تَرْجِعُه الهموم
وعلى
كل حال فإن الإنسان المتوازن لابد أن يجد في طريقه عقبات تعيقه لكنه وبفعل
توازنه السلوكي يتحمل عبء مايلاقيه من صعوبات، ومن البديهي أن يكون الحسد
أحد أكبر العوامل التي تقف في طريق قادة االمجتمع، ولابد في الحالة التحلي
بالحكمة والصبر ليكون ناجحا في عمله بين أوساط محبيه.
قال
الشاعر:
وإذا
اراد الله نشر فضيلة طويت أتاح
لها لسانَ حسود
لولا
اشتعال النار فيما جاورت ماكان يعرف طيب
عَرْفِ العود
أتمنى
أن تكون هذه المحاولة نافعة في نشر المفاهيم الخلقية في الوقت الذي نشعر ان
الناس بحاجة ماسة للتذكير لإن الذكرى تنفع المؤمنين.