دراسات نقدية

الجواهري عن حسناوات التشيك

 

رواء الجصاني

بعيداً عن المبالغات التي تروى هنا، أو تصدق دون تأنٍ هناك، ولرب بعضها بلؤم أحياناً، لم يخف ِ الجواهري عشقه لبلاد التشيك وعاصمتها براغ، التي أطالت الشوط من عمره، كما يثبت ذلك في قصيدة ذائعة الشهرة عام 1969... ولم يقتصر ذلك العشق المعلن لجمال المدينة، ومجتمعها، وطبيعتها، بل تعداه إلى التغزل بجميلات التشيك اللواتي لا يدعن أحداً، ومهما كان صبوراً، إلا أن يبوح معترفاً بما لديهنّ من سحر وفتنة وغنج لا يضاهى .. ونحن هنا، على ما نزعم، شهود عيان، موضوعيون كما ندّعي...

وعشق الجواهري هذا، المديد والعريق، يجده المتابع موثقاً في ديوان الشاعر الكبير، بعشر قصائد أو مقطوعات نظمت على امتداد ربع قرن تقريباً، وفي الأعوام 1961، 1985 تحديداً... ومن بين ما يقع تحت ايدينا مسجلاً بصوته، مقاطع من قصيدة "آهات" المنظومة عام  1973  ومما جاء فيها:

قف على براها وجب أرباضها وسل المصطاف والمرتبعا

أعلى الحسن ازدهاء وقعت، أم عليها الحسن زهواً وقعا

وسل الخلاق هل في وسعه، فوق ما أبدعه أن يبدعا

جاءت الأسراب تترى مقطع من نشيد الصيف يتلو المقطعا

ثم يواصل الجواهري العاشق والمحب، الوصف والإعجاب والتمني فيقول عن حسناوات وناعسات التشيك:

وتفتحن على رأد الضحى حلماً أشهى ... وصيفاً أمتعا

وتخففن فما زدن على ما ارتدت حواء إلا اصبعا

ايه يا عهد الصبا لو طلل سمع الشكوى ولو ميت وعى

وفي قصيدة أسبق، بائية هذه المرة، يسرد الجواهري شعراً عام 1961 حكاية انبهاره بجمال احدى حسناوات براغ، التي صادفها في احدى الحافلات فانسحر شاعراً وانساناً، وحاول االتقرب منها، بسؤالها عن الوقت، كما هو شائع في تحرش الشباب، فإذا بها تصدّه بذكاء النساء المعهود، وبطريقة ابعدت العاشق الطاريء عن طريقها... ولكنه اصطادها حرفاً وموسيقى ولوحة فنية، صنع حاذق ماهـر، ويا ليتها تعرف كيف دخلت التاريخ في قصيدة جواهرية خالدة:

حسناء رجلك في الركاب ويداك تعبث في الكتاب

وانا الضميء الى شرابك كان من ريقي شرابي

حسناء ساعتك التي دورت كانت من طلابي

حاولت اجعلها الذريعة لاحتكاكي واقترابي

عبثاً فقد ادركت ما تبغي القشور من اللباب

وتستمر القصيدة لتبرر للحسناء صدودها عن شيخ مفتون – ما برح عنفوان الشباب يغلي عنده، برغم أعوامه التي جاوزت الستين آنذاك:

حسناء لم يعسر طلابي، ان كان ما بك مثل ما بي

لكن بك المرح اللعوب، وسحره، ودم الشباب

وبي الذي لا شيء يعدل قبحه، إلا التصابي

كنت العليمة بابن آوى، إذ تحلق للغراب

ترى هل يحدثنا التاريخ عن شبيه للجواهري بمثل ذلك البوح في العشق، والصراحة والجرأة والتوثيق بالقصيد المتفرّد؟... 

 

 

Google

 في بنت الرافدينفي الويب

 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 © حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين

Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.

info@bentalrafedain.com