عن بعض محطات الجواهري
اللبنانية
رواء الجصاني
قد يحق لنا أن نجتهد،
فنصيب، حين نقول ان الجواهري قد أوجز حبه للبنان وبيروته وجمال طبيعته،
وحسانه اللواتي يفضن رقةً ودلالاً وغنجاً، وذلك في آخر قصائده ذات الصلة،
عام 1961 حين قال:
لبنانُ يا خمري وطيبي، لا
- لامستكَ يدُ الخطوب ِ
لبنانُ يا غرفَ الجنان ِ
الناضحات ِ بكل طيب ِ
لبنانُ يا وطني اذا
حُلئتُ عن وطني الحبيب
... وتعود اولى قصائد
الجواهري عن تلك البلاد التي عشقها بكل عنف، إلى مطالع الشباب، وإلى عام
1922 تحديداً حينما نظم نونيته "لبنان في العراق" لتليها كثيرات أخريات ومن
بينها في الثلاثينات الماضية: "وادي العرائش" و"شاغور حمانا"... وفي
الأربعينات "بنت بيروت" و"اخي الياس"...
ومن بين قصائد الحصة
اللبنانية في شعر الجواهري، تبرز بائية "ناغيت لبناناً" التي نظمت عام 1947
بمناسبة الزيارة التي قام بها الرئيس بشارة الخوري إلى العراق... وقد
تشابكت فيها، وكما هي الحال شبه الدائمة في خوالد الشاعر الكبير، شؤونٌ
وشجون عديدة، خاصة وعامة، مما جاء فيها:
ناغيتُ لبناناً بشعري
جيلا، وظفرته لجبينه اكليلا
وحسان لبنان منحت قصائدي،
فسحبنهنّ كدلهنَّ ذيولا
أهديتهن عيونهنّ نوافذاً،
كعيونهن اذا رميّن قتيلا
ورجعت ادراجي اجر غنيمة
من بنت بيروت جوى وغليلا
لُعن القصيدُ فأي مثر
شامخ سرعان ما استجدى الحسان، ذليلا
... ثم يعود الشاعر، وكما
اسلفنا، ليجول في محاور متداخلة ومنها، وطنية هذه المرة، فراح يخاطب الضيف
المحتفى، الرئيس بشارةالخوري:
يا شيخ لبنانَ الاشم
فوارعاً، وشمائلاً، ومناعة، وقبيلا
مثلته في كلهنَّ فلم يرد،
بسواك عنكَ، ولن يريد بديلا
ان العراق وقد نزلت
ربوعه، ليعد ساكنه لديك نزيلا
قف في ضفاف الرافدين
وناجها، وتفيّ صفصافاً بها ونخيلا
واسمع غناء الحاصدين
حقولها، للحاصدات من القلوب حقولا
وتلمس الآهات في نبراتهم،
يشعلن من حدق العيون فتيلا
وعلى الرغم من هذه
العجالة في الكتابة عن لبنانيات الجواهري، لا يمكن الا ان نتوقف، ولو
سريعا، عند رائيته الشهيرة عام 1950 والتي القيت في بيروت خلال حفل تأبيني
مهيب وحاشد للشخصية الوطنية البارزة عبد الحميد كرامي، وقد كان من عواقب
القصيدة، وتداعياتها، ان طلبت السلطات اللبنانية الرسمية من الشاعر الكبير،
الخروج من البلاد خلال ثمان ٍ وأربعين ساعة لخطورته "الشعرية" على أمن
البلاد...... ومن أبيات تلكم القصيدة الباهرة:
باق ٍ وأعمارُ الطغاة ِ
قصارُ، من سفر ِ مجدكِ عاطرٌ موارُ
عبدَ الحميد ِ وكلُ مجد ٍ
كاذب، ان لم يُصن للشعب فيه ذمارُ
المجد ان يحميكَ مجدك
وحده في الناس، لا شُرَط ٌ ولا انصارُ
ولأن الشيء بالشيء يذكر
كما يقال، نشير هنا الى ان ثمة ثلاث طبعات لديوان الجواهري قد صدرت في
لبنان خلال الأعوام 1967 و1982 و2000 على التوالي... كما ونضيف ان حفلاً
تأبينياً مهيباً قد احتضنته بيروت خريف العام 1997 في اربعينية الشاعر
الخالد، وشارك فيه جمع بارز من شعراء ومفكري وأدباء البلاد، وفي مقدمتهم :
سعيد عقل ومحمد دكروب ومحمد حسن الامين وجوزيف حرب وحبيب صادق إلى جانب
مبدعين عراقيين وعرب آخرين عديدين.