"أكرية السفـن من أهل القرن الرابع الهجري" لمؤلفه أبي القاسم خلف بن
أبي فراس القروي
جديد الدكتور عبد السلام الجعماطي
تحقيق ودراسة لكتاب
أنس الفيــــلالي
شاعر وباحث من المغرب
ضمن"سلسلة تراث (14)"
لمنشورات جمعية تطاون أسمير، التي تعنى بالبحث والتحقيق في التراثين
الأندلسي والمغربي، طبع مؤخرا كتاب بعنوان "أكرية السفن من أهل القرن
الرابع الهجري"، لمؤلفه أبي القاسم خلف بن أبي فراس القروي ، وهوفقيه مالكي
عاش بالقيروان في القرن الرابع للهجرة ، في ظل حكم بني زيري، القائمين
بدعوة الفاطميين في بلاد إفريقية والمغرب الأدنى.
وقد قام بدراسة هذا
الكتاب القيم من نوعه وتحقيقه الدكتور عبد السلام الجعماطي، الأستاذ
الباحث في تاريخ الغرب الإسلامي وحضارته؛ والمحاضر في العديد من الجامعات
المغربية .
وتولى التقديم له الدكتور
جعفر ابن الحاج السلمي، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم
الإنسانية بتطوان، والكاتب العام لمنشورات جمعية تطاون ـ أسمير.
يتألف الكتاب من 137 صفحة
ويشمل الدراسة والمتن، والملاحق والفهارس. وقد قام الجعماطي بدراسة الكتاب
والتحقيق فيه معتمدا على مخطوطتين مختلفتين ، إحداهما بمكتبة دير
الإسكوريال بإسبانيا، والأخرى بمكتبة خاصة بالرباط ، حيث استعرض الباحث في
الباب الأول السياق التاريخي العام الذي أحاط بتأليف الكتاب، مبينا
التطورات الكبرى التي شهدها تاريخ الملاحة البحرية ببلاد إفريقية، وكذلك
النشاط التجاري البحري لهذا القطر خلال عصر التأليف.وقد نوه الباحث بالدور
الطلائعي الذي أدّاه الفقه المالكي في تقنين المعاملات التعاقدية بين أرباب
السفن والتجار؛ وأشار إلى المحنة التي تعرض لها فقهاء المالكية بإفريقية،
دون أن تفتّ في عضدهم، وتبعدهم عن الارتباط بالحياة الاقتصادية، وتقنين
العلاقات التي تجمع المتعاقدين بقطاعاتها.
بينما تناول في الباب
الثاني من قسم الدراسة هوية المؤلف، التي ظلت مجهولة لدى القدامى
والمحدثين، بحيث كان للباحث سبق في صنع أول ترجمة مفصلة لابن أبي فراس، وقد
تأتى له ذلك بعد جرد معظم كتب التراجم والطبقات التي يحتمل أن تترجم
للمؤلف،وبعد استنطاق للإشارات الشحيحة في هذه المصادر خلص إلى استنتاجات
وقرائن انطلاقا منها ومن متن الكتاب نفسه عن هوية المؤلف، التي بينت أن
الرجل كان أحد أهل الفتوى والاجتهاد في فقه إمام دار الهجرة بالغرب
الإسلامي.
أما في الباب الثالث من
الدراسة فركز فيها على أهمية الكتاب المحقق، من الناحية الفقهية، بوصفه
أحد أقدم المتون الموضوعة في فقه كراء السفن؛ ومن الناحية التاريخية،
باعتباره وثيقة تاريخية فريدة وغنية بالمعطيات الاقتصادية والاجتماعية،
المتصلة بكراء السفن والمعاملات التعاقدية بهذا المضمار، في ظل الأحكام
الشرعية والاجتهادات التي تستدعيها التطورات الطارئة، على قطاع الملاحة
البحرية، وما يرتبط به من تبعات.
أما القسم الثاني من الكتاب فقد خصصه الجعماطي لمتن الكتاب ،وهوالعمل
الذي يتألف من مقدمة وتسعة أبواب، خصص كل باب لموضوع فقهي محدد، بحيث
تتكامل الأبواب جميعها في تبيان فقه الملاحة التجارية في المذهب المالكي،
وهي مرتبة كالتالي:
1 .باب أكرية النواتية في
السفن.
2 .باب أكرية السفن:
مضمونها ومعينها، وكرائها على شيء بعينه، وليس بعينه، وبجزء مما يكترى على
حمله، وما يجوز في ذلك، وما لا يجوز، والربح في ذلك.
3 .باب ما يحدث بعد عقد
كراء السفينة، فيمنعهم من نفوذها، ويصدهم عن بلوغها إلى الموضع الذي
اكتروها إليه، وذكروا النقد في الكراء.
4 .باب ما جاء في السفينة
تعطب في بعض مسافتها، وبعد بلوغها إلى آخر غايتها، والحكم فيما خرج من
حمولتها، مجهولا ومعلوما، سالما ومبلولا، والدعوى في نقد الكراء.
5 .ما جاء فيما طرح من
السفن في البحر، لخوف هوله، والحكم في قيمته، والتداعي فيه بين أهله،
والصلح في ذلك، وما يحسب من ذلك، وما لا يحسب.
6 .ما جاء في تضمين أرباب
السفن لما استحملوه، وما لا يضمنونه.
7 .ما جاء في السفينة
يشحن فيها نفر طعاما وغيره، فيريد أحدهم بيع حصته وأخذه، وشحن فيها حملها،
فتبين لهم ذلك عند إقلاعها، فيخففونها، فيأخذ ذلك بعضهم.
8 .ما جاء في السفينة بين
الشريكين، يجد أحدهما ما يشحن في حصته، ولا يجد الآخر، ويصلحها أحدهما بغير
أمر الآخر.
9 .ما جاء في السفينة
يدفعها ربها إلى من يعمل عليها، ويدفعها ودنانير معها إلى من يعمل بذلك،
على جزء مما يربح فيه، ودفع إليه رجل مالا يشتري به ما يشحنه في سفينته،
على كراء له، وله جزء من الربح.
كما تم إلحاق مجموعة من
النصوص الفقهية المتصلة بكراء السفن في بلاد الغرب الإسلامي، تغطي وتكاد
معظم فترات العطاء الحضاري العربي الإسلامي في مضمار الملاحة البحرية،
استكمالا للفائدة المرجوة من دراسة الكتاب، والتنويه بمساهمة الأمة العربية
في الملاحة التجارية بالبحر المتوسط؛ وفي الأخير ذيّل الكتاب بفهارس
موضوعية، تيسّر استعماله والاطلاع على مضامينه.
ولا بد في الختام من
الإشارة إلى أن الأستاذ المحقق عبد الســلام الجعماطي يستحق التهنئة
والتنويه بهذا العمل الجدير بالقراءة والمتابعة والنقد .على جهده المتميز
الذي بذله في تحقيق هذا المخطوط النادر لمؤلف بهذا الحجم .وتحقيق ودراسة
علمية أكاديمية بهذا المستوى العالي. حيث خلص لمعلومات جديدة تخص المتن
والحقبة السالفة .وكذا ترجمة تعد الأولى في حقل التراث التاريخي لابن أبي
فراس.
وهذا ليس غريبا على مثل
هذا الباحث ،المشهود له بالكفاءة العلمية الرصينة، وبالبحث المتميز في كتب
المصادر والتراجم والطبقات...فهوغالبا ما يخرج منها بمعلومات وأفكار جديدة
خاصة فيها يتعلق بمبحث الغرب الإسلامي.