حينما يصبحُ الأرقُ وحده، نديمَ الشاعر ِ ورفيقـَه الخلوص
رواء الجصاني
يَعدُّ المتابعون ملحمة
"يا نديمي" الجواهرية الثرية بامتياز إحدى أبرز القصائد المليئة بمشاعر
وأحاسيس الهضيمة من البلاد، والأهل، ونخبة اللدات، والأعراف الاجتماعية
االعجفاء ... وقد نظمت في مطلع الستينات الماضية، ببراغ، حيث بدايات
الاغتراب، ووحشته المتفردة... والنديم المخاطب هنا، هو ذلك الأرق الذي عايش
الشاعر – الشاعر على مدى ليال ٍدجيّات طوال:
يا نديمي ان الدجى وضحا ،
والهزار الغافي هناك .. صحا
يا نديمي وصبَ لي قدحا ، المسُ الحزن فيه والفرحا
وأرى من خلاله شبحا ، من نثار الهمّ الذي طفحا
في شباب مضيع ٍ هدّر ، مثل عود خاو ٍ بلا وتر
* * *
يا نديمي وكم يد ٍ ويد ِ ، للندامى مدّت فلم تعد ِ
غفلت عن خبيثة ٍ رَصَد ِ ، واستنامت رخية لغد ِ
يا نديمي فسقّني وزد ِ ، فيدي ما تزال في عضدي
وغدي ان يَغب ، وان يُزر ِ واجدٌ فيّ صبرَ منتظر ِ
... ومشاعر الهضيمة
والحرقة من انعدام المقاييس واختلاطاتها تبدأ، ولا تقف عند حدود لدى
الجواهري، وخاصة من النخب المثقفة التي تتحمل بحسب فلسفة الشاعر ورؤاه على
الأقل، المسؤولية الأولى عن مهام التنوير، وإشاعة الفكر الانساني، ومقومات
الارتقاء... وهكذا فقد راحت قصائده تترى، ومنذ بدايات انطلاقاته، في مطلع
القرن الماضي، وحتى أواخره، تعجّ، وبشكل شبه دائم على ما نزعم، بمواقف ورؤى
تسرد، وتوثق وتلوم، وتنتقد، وتعالج، وتشكو وتقسو، وبهدف سام ٍ بكل تأكيد،
من أجل الانهاض أولاً، وقبل كل شيء.
يا نديمي امس اقتنصت
طريداً، شاعراً كان يستضيف البيدا
كان هماً ، وكان صُلباً حديدا ، يملاً القفر موحشاً ، تغريدا
قلت من ؟ قال شرط أن لا تزيدا ، أنا أدعى : مسافراً ويزيدا
من بلاد ٍ أعدت على القرودا ، ونفتني ، وكنت فيها النشيدا
* * *
وتولى عني، فظلت مليا ، في قرود ٍ وفكر ٍ ، ونشيد
وعلى انه أجاد الرويا ، لم أجد في رويه ِ من جديدِ
كان قلباً غضاً ، وفكراً طريا ،شاءه الحظُ في مزاحف دود
كل طير "مسافرُ بنُ يزيدِ" ، حين يغدو فريسة لقرود
وللمعلومات، فان المقاطع
السابقة، هي بعض المتوفر صوتياً من تلكم الملحمة الفريدة اسلوباً وفلسفة
ومضامين، في أكثر من مئة مقطع، وقل "رباعية" متغيرة القافية حيناً ،
ومتشابهة أحايين أخرى، ولكن جميعها كما سبق القول، ينبض بالألم الطافح
والفضح المرير لمعاناة جواهرية شاملة، وان تبدت بصورة حال شخصية ،
مباشرة----