"الاحتلال الأمريكي للعراق"
عرض: كاظم فنجان الحمامي
اسم الكتاب: الاحتلال
الأمريكي للعراق
المؤلف: سلام عودة
المالكي
الطبعة الأولى 2010
عدد الصفحات: 200
الناشر: العارف للمطبوعات
- بيروت - لبنان.
المؤلف من مواليد البصرة
عام 1973، وحصل على البكالوريوس في الآداب عام 1999، ونال درجة الدكتوراهفي
العلوم السياسية عام 2009، وكان عضوا في مجلس محافظة البصرة عام 2003،
ونائبا للمحافظ عام 2004، ثم عضوا في الجمعية الوطنية العراقية عام 2005،
ووزيرا للنقل في العام نفسه، وعضوا في مجلس النواب عام 2006، ورئيسا لهيئة
تحرير مجلة المراي، وله عدة دراسات سياسية، نذكر منها: عقدة النقص وجدلية
العقل الأمريكي، ونهاية فوكويام، وميكافيلية الساسة الجدد للعراق.
يضم الكتاب أربعة فصول
رئيسية، تناول في الفصل الأول التواجد الأمريكي في العراق والمنطقة
العربية، وأسهب في شرح المراحل المتعاقبة لذلك التواجد، الذي بدأ مع بداية
العقد الثاني من القرن الماضي، وتوسع في ظل المواجهات والتقلبات العسكرية
والسياسية التي رافقت الحربين العالميتين، ويستعرض الكاتب في نهاية هذا
الفصل الأسباب والحجج السياسية الواهية، التي تذرعت بها أمريكا لتنفيذ
مشروعها الاستباحي في العراق، وكيف ارتكبت هذه الحماقة التاريخية، وضربت كل
الأعراف والاتفاقيات الدولية في عرض الحائط، وكيف ركبت رأسه، وراحت تحشد
الجيوش، وتعد العدة لغزو العراق بمباركة أصدقائها من القادة العرب، ومعارضة
الرأي العام العالمي.
يرى المؤلف في صفحة (42):
إن أمريكا لم تأت لتحرير العراق من نظام صدام حسين كما زعمت، ولا للقضاء
على الإرهاب، ولا لتدمير أسلحة الدمار الشامل، ولم تأت لنشر الديمقراطية،
ولا لإشاعة الحريات الشخصية، وإنما جاءت لتنفيذ أهدافها التوسعية، وتحقيق
غاياتها الاستباحية الجديدة. واستكمالا لما ذهب إليه المؤلف في الفصل
الأول، ركز اهتمامه في الفصل الثاني على دراسة وتحليل المبررات الأمريكية
لغزو العراق واحتلاله، فتطرق في نهاية هذا الفصل إلى الحجج التي أطلقتها
أمريكا لغزو العراق، وسلط الضوء على تذرعها بنزع سلاح الدمار الشامل، وكيف
باشرت أفواج الجيش الأمريكي بحملاتها الواسعة للبحث عن تلك الأسلحة الفتاكة
المزعومة، فنبشت ارض العراق من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه بمرافقة
البروفسور (ديفيد كاي)، واستمرت في هذه المهمة المكثفة حتى الثاني من تشرين
الأول (أكتوبر) من عام 2003، لتعلن في تقريرها الرسمي عن بطلان الأكاذيب
التي كانت تطلقها الإدارة الأمريكية، وخلص تقرير (ديفيد كاي) إلى النتائج
التالية: (من المؤكد تقريبا إن صدام حسين لم يكن يمتلك عند اندلاع الحرب
آلاف الأطنان من الغازات السامة والرؤوس الحربية لإطلاقه، أو مئات
الكيلوغرامات من عوامل الحرب البيولوجية القاتلة، أو المنظومة الصناعية
والمواد الانشطارية اللازمة لإنتاج الأسلحة النووية، التي قالت أجهزة
استخبارات البلدان الغربية الكبرى انه يمتلكها).
ولكي تتضح أبعاد الصورة
التي رسمها المؤلف في الفصلين السابقين عن ملامح الدوافع والمبررات
الأمريكية لاحتلال العراق، تناول في الفصل الثالث من الكتاب زيف تلك
الادعاءات وبطلانه، وراح يستعرض الأهداف التوسعية الخفية والغايات
الإستراتيجية الدفينة، والتي لا تخدم بأي حال من الأحوال العراق والمنطقة،
وإنما تسعى لتحقيق المصالح الأمريكية والبلدان المؤيدة لها. وتنبع أهمية
هذا الفصل في تفنيده لمزاعم الإدارة الأمريكية من خلال كشف عدوانها السافر
على العراق، وما تلاه من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وإرهاب المدنيين من
خلال المداهمات العسكرية داخل المدن، واعتقال الأبرياء وقتلهم، والتدخل
السافر بالشأن العراقي سياسيا واقتصاديا وامنيا. وهكذا يستنتج المؤلف بان
أمريكا سعت نحو امتلاك القوة العظمى، وتحقيق رغباتها المحمومة للانفراد في
إدارة العالم، ما جعلها تستخدم كافة الوسائل غير المشروعة من اجل تحقيق
أهدافها الإستراتيجية، وبسط هيمنتها العالمية على الدول كافة، وظهر هذا
جليا من خلال سعيها بقيادة المحافظين الجدد لجعل القرن الحادي والعشرين
قرنا أمريكيا بامتياز ومن دون منازع، لذا فان أمريكا شنت حروبها في العراق
وأفغانستان من اجل فرض هيمنتها وسطوته، ومن اجل إخضاع الشعوب الفقيرة
لسيطرته، وعدم السماح لها بالتحرر من الهيمنة، التي أوصلتها إلى حد الجنون
المطلق لتحقيق حلم قادتها في التسيد على العالم، وسحق كل من يقف في وجههم.
ويذهب المؤلف في الفصل الرابع والأخير إلى إن الأهداف الحقيقية، التي دعت
الولايات المتحدة لاحتلال العراق هي أهداف تهم الولايات المتحدة وحلفائه،
وبعيدة كل البعد عن مصلحة الشعب العراقي، فالعراق في نظر المحافظين الجدد
من أهم الأهداف الإستراتيجية، ويمثل نقطة الانطلاق التوسعية للسيطرة على
المنطقة برمته، وإزالة التهديدات المتوقعة ضد إسرائيل، وجعلها قاعدة عسكرية
واقتصادية دائمة في الشرق الأوسط. لذا فان (المحافظين الجدد) مازالوا
يعلنون تفاخرهم بالحرب، التي جاءت من خلالهم ومن خلال الدعم الكامل التي
قدمته لهم الإدارة الأمريكية، وقدمه لهم المتواطئون معهم من القادة العرب،
ويتفق المؤلف مع ما ذهب إليه المفكر الكبير (نعوم تشومسكي) في إن الحرب على
العراق، هي حرب للسيطرة على العالم، ولفرض الهيمنة الأمريكية على المنطقة،
وتغيير الواقع السياسي بما ينسجم مع الطموحات الأمريكية، وإرغام شعوب
المنطقة على الخضوع لمنطق القوة، وفرض السيطرة الأمريكية المطلقة في
المنطقة، التي تمثل عمق المد الإسلامي، الذي يكن له المحافظون الجدد
الكراهية الشديدة.
ومن المتوقع أن تشن
أمريكا حروبا استباحية جديدة على دول عربية أو إسلامية بذريعة القضاء على
الإرهاب، وقد تستأنف حروبها المفتوحة ضد ما يسمى بالإسلام الأصولي المتطرف.
توصل الكاتب من خلال
تجاربه العملية في الميدان السياسي، ومواكبته للأحداث التي عصفت بالعراق
الى استنتاجات هامة، واستطاع أن يستدل في الصفحة (178) على إن الاحتلال
الأمريكي للعراق كان الوسيلة الاستباحية السافرة لتحقيق أهدافها في الشرق
الأوسط، والتي تمثلت في السيطرة على منابع النفط للتحكم بالاقتصاد العالمي،
والاستحواذ عليه، وضمان استقراره، واستمرار تفوقه، ونمو شركاته، وفرض
هيمنته، وضمان مصالحها الاقتصادية المستقبلية، وهي على الرغم من تجبرها
كانت تخشى منافسة الأقطاب الدولية الجديدة، مثل أوربا واليابان وروسيا
والصين. لهذا فان العراق باحتياطاته النفطية الهائلة، وثرواته المتعددة،
وموقعه الاستراتيجي هو الضمان الدائم لاستمرار تفوقها وزعامتها الدولية،
اما هدفها الاستراتيجي الآخر فهو حماية إسرائيل، وضمان أمنها وتفوقه، وهو
التزام (مقدس) لكل الإدارات الأمريكية، إلا إن هذا الالتزام مستمد في جوهره
من تبادل المصالح لكلا الطرفين، فإسرائيل تمثل حاملة الطائرات الجاثمة
بجوار منابع النفط والطاقة، وتمثل الترسانة العسكرية الأمريكية في قلب
الشرق الأوسط، وهي بذلك تستنزف طاقات وموارد الدول العربية والإسلامية،
وتهدد استقرار المنطقة، وتسعى لتمزيقها لضمان هيمنتها المستمرة، من هنا جاء
التحالف المصيري بين إسرائيل وأمريكا ليضع حدا للتهديدات العراقية
المتكررة، فقد كان العراق البلد العربي الأكثر امتلاكا لمقومات القوة
الاقتصادية والسياسية والعسكرية بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، ولا
مناص من تصفيته والقضاء عليه، فورطته بغزو الكويت، ثم دمرته بالحصار
الاقتصادي، ومن ثم سعت لإزالته كليا. ومضت أمريكا في تنفيذ مشاريعها
الاستعلائية، وكشرت أنيابها لتدمير وتصفية القوى الإقليمية المعارضة
لسياسته، والتي تهدد مصالحها الحيوية، وتعد من العوامل الاستفزازية للأمن
الإسرائيلي، وهي القوى المتمثلة بإيران وسوريا وحزب الله في لبنان
والمنظمات الفلسطينية الجهادية، ومنها حركة حماس ومنظمة الجهاد الإسلامي،
فقد كانت أمريكا تدرك تماما قدرة تلك الأطراف على تهديد حلفائها وأصدقائه،
وتهديد مصالحا في هذه المنطقة الحيوية من العالم، ولهذا وصفتها أمريكا
بعبارة (محور الشر)، وإنها راعية وداعمة للإرهاب، وإنها تسعى لامتلاك
الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل، لهذه الأسباب وجدت أمريكا في
العراق القاعدة الرئيسية لخنق هذه القوى المعارضة وضربها وتشتيته، وبالتالي
إعادة ترتيب الأوضاع بالشكل، الذي تراه أمريكا مناسبا لطموحاتها
الاستباحية، وخلق نظام شرق أوسطي جديد موالي لإسرائيل وخاضع لإرادة البيت
الأبيض.
استطاع الكاتب من خلال
نظرته التحليلية الثاقبة، ومن خلال معايشته اليومية لتقلبات العملية
السياسية في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق، أن يضع يده على مواضع الجرح،
ويشخص مواطن الألم، ويعد هذا الكتاب في نظر المحللين السياسيين وثيقة
تاريخية في غاية الأهمية، كتبها شاهد على عصر التهور الأمريكي بخط يده،
وبين لنا فيها كيف استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تحقق باحتلالها
للعراق أحلامها وأهدافها الإستراتيجية بمساعدة وإسناد حلفائها وأصدقائه،
وتضمن زعامتها الدولية المطلقة لأمد غير محدود.