دراسات نقدية

مجموعة "صفير القطار" للقاصة وزنة حامد اوسي هي تنهدات زمننا الدامي

 

عادل عبد الرحمن

 صفير القطار للكاتبة القصصية وزنة حامد اوسي..

اني في المحطة انتظر قدوم القطار ..

هاقد أتى..!!

صعدت العربة وأنا في عجل مابين كثافة المارة وصعوبة الحصول على مقعد ثابت، الملم أطرافي المنهكة وأنا في خجل،يشتمني ذاك وأتوسل للآخر ليفسح لي السبيل،لا حياة لمن يخاطب حبل المشنقة, الى ان ضاعت حقيبتي الدبلوماسية وفي طياتها خبأت قميصي الذي تناثرت ازراره وفاحت صندويش فلافلي برائحة خبز امي من تنورها المعطاء ومحفظتي التي خبأت في جيوبها نقودي ونفقات سفري سقط سهوا بين افواه جرذان عربة المطبخ فلم اعد املك ما يحفظ ماء وجهي, قائد المركبة يقود بدون رخصة، وجهاز الانذار يعاقب بالسجن والغرامة،واسطوانة الاطفاء خاوية كسابقاتها منذ امد طويل، نفس المشكلة مع القاضي والداعي والمدعي عليه،وحلال المشاكل وفي العربة المجاورة اصغي لاغنية يحررها "شاوي" من موبايله بصوت يزعج النائمون.قائلا: (شيفيد دنيانا مادام الظلم كابوس وبات للخيانة الف قاموس بني ادم مشقادر على قول الحق ومورايد ناموس،ذبح الناس يا ناس اصبح جاموس . الخ

الشهيق والزفير في صفير القطار للكاتبة وزنة حامد هي تنهدات زمننا الدامي والقطار الهرم الذي ينتظره الركاب دائما هو نفس القطار ونفس الايام،والغبار لا يتغير فهو القطار الراكن على الحرير والحديد تماماً كالبقرة المعلفة التي لا تدر الحليب لسواها, .. مساكين "حمد وحمو"  فلولا الرقعة الموجودة في مؤخرة بنطالكم لقالت لكم القاصة بكل فخر واعتزاز : اعزائي حمو وحمد ..؟! فقماش بنطالكم المنسوج من جوخ " نابليون " ربما يساوي لدي ملايين اليرات يا كبار القوم

وفي العربة الاخيرة حيث جدتي العجوز تتغطى باكياس النايلون بين الامتعة التي تفوح منها رائحة الجوارب من حذاء ابو ريحة فلا زجاج يكسي نافذتها ولا دفئ مركزي يلجئ حيطان عربتها الباردة كالقطب الشمالي حتى لاحت في الافق معالم جبل كوكب الماكس على فوهة بركان .

هذه هي الحياة ايتها القاصة وربما انتِ اجدر مني ذكاء داخل "فاركونات" الدرجة الثانية والثالثة والرابعة فلا ماء النيل يخمد مرارة راهننا ولا الذي ياتي الى النيل ليشرب منه يكرر الكرة ثانية، ولا حضارة دجلة والفرات ينادينا ان نرتمي في احضانها سالمة بعبق "جلنار" لنشمشم عبيرها الجنائزي في قمقم قبعتها ولا الصروح الشماء يؤبد تاريح شرقنا الهوجاء ولا مقابر الاجداد العظماء تمطر في سماء هودجنا الفوضوي سعادة انها تحطم حتى دمى الطينية لاطفالنا العزل وتفوح من مطابخها العصرية رائحة الفار المقتول في احدى نفق الخفان فكلنا "حمد وحمو"  في الفزلكة والمغازلة و"ثعلب في ثوب زاهد"  نركب حمارنا العشرة ونعدها تسعة ونمشي كي لا نخسر احداها .

انك مبدعة في الوصف والجمال ومهندسة بارعة في البناء القصصي من الطراز الحثي ترمم الراهن كطبيبة في ترميم الضرس المنخور وشتان ما بين فنادق الواقع الراقية والسائرة في الرذيلة واكواخ البسطاء المزينة بقناديل الحب والفضيلة .

أيتها المعلمة البارعة بمعداتك العالية التقنية من"مثقب" الكلام و"طرنس اللحام" في جبر الاوصال التالفة في صياغة وصيانة المجتمع بقالب من ذهب تزيل "زنكار" الزمن في محطات السقف المنخور وخير مثال على ذلك ما قيلت على لسان سمية في الصفحة ( 51 ) ( فكل من تتوهم ان يعاقبوني هم جياع هذا الجسد -  واشارة الى نهديها - اعرف الكل فقط ارضيت الكل والكل مبرمج لدي خلال اسبوع فاختار ما اريد-  ولوت بوجهها مشيحة بقرف - وتخبرنا تلك اللوحة الفخارية في تلول "الحسكة" الصامدة قائلة: ذهب كاهن الى الغابة ونجى باعجوبة من مهاجمة الوحش وحينما وصل الى ساحة المدينة سالما شاهد تمثال ذلك الوحش في المدخل الرئيسي شامخا وقف الكاهن امامه برباطة جأش وبكل قوته صفعه قائلا : لماذا تركت اخوك في الغابة يا جبان  

وبقي ان اقول للجميع في كل زمان ومكان ايتها الكاتبة والقاصة ليرددوا معي اغنية امي : هاقد بلغنا من الدهر سنا مازلنا نصرخ وليدا بين خرير ثدييها وعلى حرير زراعيها لوني اماه من لونكِ انحدرت لبن البازلت سائلة ليشربه الجميع الاسود والجبال والفجر القادم ليرحل القتلة الى الجحيم حسراتنا (حسكاوية) ليعلمه العالميين ما خنا الاصدقاء في الولائم ولا ذبحنا الاعداء في الهزائم

وهكذا انحني شرفا لتلك التعابير التي خرجت من زمزم لسانها ومن عيونها يتجدد البساتين وان لصفير القطار في دنيانا روح تنفخ في خياشيم الدياجير

اغزلي من لونك وشراينك زمبقا وفستانا وازرعي البيادر نسرين وسندس ودمعة ماء في قفر الاديم ودمت ضيفة نبيلة كجمال السيف واحقني اطراف مجتمعنا  المشلول دما من الحبل السري جرعة تلو جرعة والف جرعة .....

 

Google

 في بنت الرافدينفي الويب

 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 © حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين

Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.

info@bentalrafedain.com