خالص عزمي
تشكل هذه المجموعة الشعرية ( احلام الورد ) مرحلة متواصلة مع ما نشره الشاعر فاضل حسون العلي من قصائد اختار لها التعـبير الوجداني في غنائية رومانسية ، منهجا مدروسا ، طغى على كل ما عداه من صيغوتعابير أخر .
وهذه المجموعة تنثر بين يدي القاريء زنابق يعطر اريجها دنيا الغزل العاطفي العفوي الرقيق ، كما انها تحمل في ثناياها الشعور الوطني الذي يبرزواضحا في بعض القصائدوالتي لا تخلو من شجن نفسي تغلب على ارهاصاته المعاناة الذاتية ضمن مجمل المنحى العام .
لقدوفق الشاعر في اختياره للاوزان التي تتلائم بحقوطبيعة التآلف الهارموني الذي يعتمد الاحساس المرهفوالايقاع المستند على المعنى الجوهري ، كوحدة متماسكة لبناء القصيدة ، على قاعدة ما يدور فيوجدان الشاعر من انفعالات يتحكم فيها عادة التعبيرالصادقوالاسلوب السلس .
تدخل في سياقات المجموعة ، الوان من الحوارات المتداخلة ، كمناجاة النفس ،ومحاولة استكشاف بواطنها ، اضافة الى محاورة الاشخاص الاخرين مباشرة ،و عن طريق الغائب الحاضر في الذهن حينما يشخص ذلك في ابداعات موحيات الخيال .
لقد عرف الشعر العربي هذه الانماط في كل تأريخه العريق الموغل في القدم ، الا ان روح المعاصرة التي تتجلى في الصوروالاسلوبوالمفردات ، هي التي تنفرد بها قصائد بعض المحدثين
كما في هذه المجموعة الشعرية الانيقة .
ان محوري التوجه الوطني ،والغزل هما السمتان البارزتان اللتان اراد الشاعر ان تكونا هديته الشعرية الى المتلقي ،والامثلة عليها كثيرة نقتطف منها هذه الامثلة كما في قصائد ( الى ابناء العروبة )و( حين اشرقت لهيبا )و(حنينوحيرة )و ( من روابي الورود ) .
ففي القصائد الوطنية تتلمس التعبير المباشرواضحاوصريحا في اتجاهين ،ولهما تأكيده على الايمان بالامة العربيةوتثبيت مبادئهاو مصالحهاومستقبلها،اما ثانيهما فهو ماتعبر عنه تلك القصائد بشأن ما يمر بها الشعب العراقي من تواصل المحن القاسية عليهو التي يحاول شعبه الصبور دحرهاومن ثم تجاوزهاوالانطلاق بعدها نحو مستقبل باسم مشرق ,
ففي قصيدة ( الى ابناء العروبة ) يقول الشاعر :
أيها الاقربون للروح مهلا
وحدوا الصف في بناء رصين
ودعوا الحقد في قلوب الاعادي
وأغرسوا الحب في الفؤاد الامين
وعن مأساة شعبنا العراقي تجدهاواضحة كما في هذه الابيات من قصيدة حصار العراق :
يا ايها العرب الاباة تيقضوا ، شدوا العزائم
في خاطري الدامي شجون تستغيث بها المعالم
فهناك شعبي في العراق الحر ينزفوهو صائم
يتلو اناشيد الصمودويعقد الامال ... حالم
يشكو بقلب معتم الافاق ، مجزرة ... المظالم
اما الغزل الرقيق الذي تحدثنا عنه فهو روح المجموعةوعمودها الاساس ،وقصيدة ( حين أشرقت لهيبا ) التي يفتتح بها الشاعر مجموعته ، فانها تؤكد هذا المنحى :
يا سناء الروح يا اجمل حب في حياتي
نوري الدرب بشوق سار في اعماق ذاتي
بأريج عاطر الدمع .. بهي القسمات
جئتك اليوموحيدا في الليالي الحالمات
اما مخاطبة الذاتووصف الحالة النفسية التي يتجاوب في ارجائها صدى الحسراتوأنين الذكريات ، فتجدها صافية في قصيدة ( حنين ....وحيرة
في رحاب الهوىواسر العيون
ذاب قلبي من حيرتيوحنيني
واغتيال السهاد في كل يوم
عز نومي ...وغفوة من عيوني
وهروب الاحلام في ظلمة الليل
حيارى في حسرةوأنين
كنت كالتائه المعنى شريدا
تقرأ الحزن في فضاء جفوني
لم هذا العذاب في الحب يطويني
عبر المدىوالسنين
اما الغزليات في المجموعة فليست كلها تغرق في الحسرةوالالموالتوجعوالذكريات الغاربة ، بل تلمس في كثير من مقاطعها ، الامل الورديوالحب الذي يمنح القلب المعنى دفقات من فيض الراحةوالمرحوحلو الآمال ، كما في هذا المقطع من قصيدة (روابي الورود ), :
من روابي الورود أطللت غصنا
فارع الطول باسم النظرات
أبيض القلب عاطرا كل صبح
ضاحك الروح لاهب الوجنات
سائرا كالنسيم يخفي جمالا
بين عينيه صاغيا لشكاتي
هو عطر الربيع يحتضن القلب
هياما ..... برقة النسمات
هو برد السلام في صحوة القلب
نديا .... بأعذب اللفتات
ان مجموعة الشاعر فاضل حسون العلي ( احلام الورد ) تعبير أمين عن المعاناة التي أحاطت بالشاعروالتي تمكنت من ان تدفع به نحو تسجيل اهم نوازعها ، بقصائد سلسة التعبير رقيقة البناء
وعلى هذا فان أريج العطر الذي جاءت به هذه المجموعة من خلال الموحيات المتسربلة بالرومانسية الشعريةوالتي أطلت من شرفة الحب الزاخر بالعاطفة ، ستمنح الانسان الغارق بعتمة همومه اليومية ، اشراقة باسمة ،ونسمات ناعمة هادئة تشير الى جنينة مزهرة من الامل القادم مع أشراقة السعادة .