توثيق اخرعن مغتربات الجواهري ومهاجره
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
... في نهاية الحلقة السابقة من هذه الايقاعات والرؤى عن اغتراب ومغتربات الجواهري، وصلنا الى براغ ، التي فرّ اليها ابن الفراتين من بغداد عبر بيروت ، عام1961 ليحط الرحال اولاً بضيافة اقرانه في اتحاد الادباء التشيك والسلوفاك لفترة مؤقتة ، ثم ليتقدم لاحقا بطلب اللجوء السياسي ، حين " لم تكفل له الاوطان دارا " وحين اصطفت بلاده انذاك " بوماً " واجلت عن ضفافيها ، كنارا "... بحسب "ديوان بريد الغربة ". ثم يطول الاغتراب ومحنته ، وتشتد لواعج الهضيمة من جحود البلاد ، وحكامها وحتى بعض اهلها ، ، دعوا عنكم الانشغال بما تتناقله الاخبار والوقائع عن شؤون الوطن وشجون اهله..
يا دجلة الخير أدري بالذي طفحت به مجاريك من فوق إلى دونِ
ادري بأنك من ألف مضت هدراً، للآن تهزين من حكم السلاطين
تهزين ان لم تزل في الشرق شاردة من النواويس ، أرواح الفراعين
يا دجلة الخير كم من كنز موهبة، لديك في القمقم "المسحور" مخزون
لعل تلك العفاريت التي احتجزت محملات على أكتاف "دلفين"
لعل يوماً عصوفاً هادراً عرماً، آت فترضيك عقباه، وترضيني
...وتستمر الحال ، بل وتقسو الاحداث ، ونقول الماسي ولا نخاف ، وذلك بعد انقلاب عام 1963 الدموى العاتي ... فينتخب الجواهري رئيسا للجنة الدفاع عن الشعب العراقي ، التي اتخذت من العاصمة التشيكية براغ مقرا لها ، مشاركا في العديد من فعالياتها التضامنية مع العراق المحتل بعثياً ... وقد كتب ما كتب تخليدا لكواكب الضحايا ، وانتصارا للحركة الوطنية المقارعة للارهاب ونيوب الجلادين ... ومن بين القصائد الغزيرة في تلكم الفترة : "بغداد دارة المجد" و"سلاما الى اطياف الشهداء الخالدين" و" قلبي لكردستان " و" ايه شباب الرافدين" و " بريد الغربة "..... وقد كان الارق في كل هذا وذالك وبينهما ، نديماً اول ، وربما اوحد ، لشاعر الامة العراقية في غربته الاضطرارية ...
مرحباً : يا أيها الأرق ... فرشت أنساً لك الحدقُ
لك من عينيّ منطلق ، اذ عيون الناس تنطبق
لك زاد عندي القلق ، واليراع النضو والورق
ورؤى في حانة ِ القدر ، عتقت خمراً لمعتصِرِ
خفقت من حولي السرجُ .. في الربى والسوح تختلجُ
ومشى في الظلمة البلجُ ، وقطار راح يعتلجُ
بضرام، صدرهُ الحرجُ ، فهو في القضبان ينزلج
وكأنغام على وتر ، سُعلاتٌ ذبن في السحِرِ
... وفي عام 1968 يعود الجواهري الى العراق بعد انقلاب جديد وعد اصحابه ، البلاد والعباد خيرا ... وتجددت له رئاسته لاتحاد الادباء ، وقد سعى من خلال سلطته الثقافية والاجتماعية ، وشعره ، ومواقفه التنويرية ، للاسهام في محاولة تهجين السلطة، وحزبها وقياداتها ، او تأجيل انقضاضها مجددا على مصائر الوطن واهله .... وعلى تلكم الحال ظل طوال اعوام ، وحتى اواخر السبعينات – اوائل الثمانينات ، ليعود ، وبعدما تكشفت مكامن الغدر ، وافتضحت مزاعم وادعاءات زعامات الدكتاتورية القمعية ، الى المهجر البراغي من جديد ، مترفعاً غاضباً ، ومجلجلا في قصائد عديدة ، وان اتخذت في بعضها طابع الهموم الخاصة .... ونوثق هنا لامثلة مما كتبه في هذه الفترة ومنها : " شوقا جلال " و" ويا ابن الجنابي " و" برئت من الزحوف" و" بغداد " و "صاح قلها ولا تخف "... وكذلك مطولته " يا ابن الثمانين “ ومما جاء فيها من دفوعات عن الذات الجواهرية :
كم هزّ دوحَك من قزم يطاوله فلم ينلهُ ولم تقصر ولم يطلِ
وكم سعت امعاتُ ان يكونَ لها ما ثارَ حولك من لغوٍ ومن جدلِ
..... ويحل العام 1983 لينتقل الجواهري الى الشام ضيفا – سياسيا - لدى الرئيس الراحل حافظ الاسد ، وحتى حيان الرحيل المؤسي عام 1997 .... مع التأرخة هنا الى ان الشاعر الخالد كان يتخذ من براغ مضافة اخرى ، مناصفة مع الشام ، حتى عام 1991 ... ذلك الى جانب تلبيته ومشاركته في العديد من الفعاليات الثقافية المهمة والزيارات الرسمية ، ومن بينها - على ما ندري- الى بولندا وليبيا والامارات والسعودية ومصر وايران والاردن ، حيث مُنح في بعضها اوسمة وجوائز تكريمية رفيعة..
.... وهكذا دامت عقود المنافي والمهاجر الجواهرية عقودا ثلاثة ، غاضبا ومغاضبا، ثائرا ، ومنورا طوالها ، مااستطاع الي ذلك سبيلا ... بل ومشاركاً في الرأي والموقف والكلمة الهادرة ، من اجل تحرير البلاد من القبضات الدموية ، وعلى طريق النهوض والارتقاء