السندباد الكوردي بدل رفو وحكاية حبه لآفيفان الوطن
بقلم حكيم نديم الداوودي /السويد
قبل البدء بالحديث عن أهمية تكريم الفنان والشاعر والمترجم الضليع بدل رفو المزوري الذي تمكن برشاقة شعره وفنه وبثقافته الواسعة ان يجد مكانه في القلوب قبل العيون. وكأن أمه نذرته من يوم ميلاده ان يكون مشروع عطاء متواصل للانسانية جمعاء وموهوبا في الترجمة، والشعر، وعاشقا لجمال الطبيعة الساحرة لارض الله الواسعة، ومحملاّ بعبء آهات وآمال آدميتنا المعذبة أينما وجدت وأينما حلّت. فسندبادنا رفو بدأ مبكرا في تعريف العالم بقضية شعبه عندما تفنن في ترجمة اشعار وقصص أدباء أبناء شعبه, منذ ان كان طالبا جامعيا في بغداد، وتمكن من مدّ جسر المحبة بينه وبين معظم الأدباء العراقيين الذين كانوا يجهلون آنذاك بسبب تعسف النظام السابق، ولهيمنة اجهزته القمعية على وسائل الاعلام في منع مد جسور التواصل بين قوميات العراق المتآخية بأن هناك شعبا كورديا عريقا محبا للاستقرار ولنسائم السلام، شعب مثقف يهوى العلم وينبذ الجهل والظلام، له ثقافته وأدبه وتاريخه، وله تراثه الزاخر بالعطاء لايقل عن عطاء بقية شعوب العالم. من منا لا يطالع بشكل مستمر نتاجاته الأدبية والفنية على صفحات أكثر الصحف الورقية، والمواقع الثقافية الألكترونية. عرفناه و عرفه أدباء وشعراء أوروبا، وبالأخص ترجمته الفنية لأساطين ورموز شعراء الأدب النمساوي، ترجم أدبهم الشعري،اعجابا لتراث ذلك الشعب المسالم والمحب للتنوع الثقافي. ووفاءا منه لأهل ذلك البلد المضياف الذين آووه وفتحوا له أحضانهم الدافئة ولأبناء شعبه في الساعات العسيرة عندما سدت عليه وعلى مشردي أمته منافذ حدود وطنه قبل عقدين من الآن في مسيرتهم المليونية الكارثية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي. عندما هجروا أرضهم المبتلاة بجمالها وبغناها النفطي، بعدما سيّجها المحتل بأفواه المدافع والبنادق، وأحكم منافذها الأخرى بعيون حراس حدود دول الجوار، المحيطة بقريته الغافية على بضعة فراسخ من تخوم دهوكنا العذبة المطرزة بالمحبة، والمتألقة بأعمال وآثارأبنائها الأوفياء من الفنانين والشعراء، والمّنعمة اليوم بأمنها وبإستقرارها الدائم بفضل تضحيات ونضال رجالها الذين صنعوا بدمائهم حاضر اليوم، ولكي يصدح من بعدهم أبناء مدن كوردستان بنشيد الثناء (خواية وطن آواكه ي).
أما عن هذا الاحتفاء بإبن الثقافة الكوردية، ولماذا تكريم بدل المزوري؟ وماذا يعني له ولنا ولجميع أصحاب الأقلام النقية هذا التكريم أهو لشخصه الكريم ؟ أم تكريم لإبداعه المتواصل في ضخ الحياة الثقافية بالدينامية المبتكرة .وعن ماهية تكريم الشعراء والفنانين كتب أديبنا الكبير فاضل سقان مبكرا عن عن تلك الماهية بأنها أمرٌ(يجسّد موقف الأمة الفطري تجاه الفكر وأثره في مدارج الحياة، وتلك مزّية من قدر الإنسان وتثمِّنُ حضوره الفاعل في الحياة... وتكريم للحق والخير والجمال.
الحضور الكرام، بدل المزوري هذا المحتفى به اليوم ،كتب عنه وعن أدبه وترجماته وترحاله الكثير من النقاد ، فأدهش الجميع بذوقه الفوتوغرافي في التقاط وتصوير المشاهد الساحرة لجمال الطبيعة بعدسة آلة تصويره السحرية، ونجاحه الكبير في تدوين إنطباعاته الموحية بالذوق الفني الرائع. عند جولاته السياحية لأية دولة أو أرض تلامس عينه في ترجمة سحر جمالها، وتلاوة آيات إنجازات أبنائها العظام . كتب عنه بكل رقة وصفاء روحي أديبنا المبدع عبدالكريم الكيلاني ( لله درك يا بدل أبكيتنا فرحا .. رفو المزوري، قيل عنه الكثير وكتب عنه الكثيرون ، وصفه البعض بالسندباد الكوردي، إبن بطوطة كوردستان ،سفير الأدب الكوردي، تنّفس الآداب الروسية والنمساوية فأتحفنا بنماذج فريدة عبر ترجماته الإبداعية التي فتحت أمامنا آفاقا جديدة ونوافذ واسعة لعوالم ساحرة كنا نتوق لدخولها، ترجم من الكوردية لعشرات الشعراء الكورد الذين لم نكن نعرفهم قبل ترجمته لهم، ساهم في إثراء المكتبة الكوردية بمؤلفاته الإبداعية التي لا يمكن لأحد أن يشكك بجمالها وثرائها الفكري والروحي).
وختاما أشدّ على أيديكم، وأطرز مكان إحتفائكم بملايين من باقات النرجس تعبيراً عن تضامني الروحي للموقف الإنساني لتلك الجمهرة الوفية من مثقفي مدينة دهوك ولحسّهم الوطني والإنساني في إستذكارهم النبيل لعزيزنا بدل في إقامتهم هذا المهرجان الثقافي الكبير، وعلى نفقتهم ومجهوداتهم الذاتية. بعيداً عن كل الأطر الضيّقة، وعن روتين الأمزجة الرسمية المتقلبة والذين لا يرون إبداع المبدعين إلاّ من خلال كيل المديح والإطراء، لمن لا يستحق تاريخهم الثقافي غيرالتجاوزالإهمال. أحيّ مرة أخرى كل الجهود التي بذلت وتظافرت في يوم تكريم مبدعنا رفوالمستحق لكل مراسيم الاحتفاء. تكريمه هو تكريم لكل الأدباء والفنانين الكورد وأينما كانوا. هوتكريم لقدسّية الحرف عندما يُكتب، وللريشة عندما تبوح بعشقها للقزح والطيف اللوني . نقول لك وكما وصفك أديبنا وناقدنا الكبير جلال زنكابادي يا بدل ( ليس لك وطن غير آفيفان) قلوبنا لك عامرة بالمحبة والصفاء، ولساننا لاهجٌ بالثناء لإبداعك الفني والأدبي ، ويدنا مصافحة بالدفء لمجهود وموقف إخواننا المثقفين وأخواتنا المثقفات عندما أعنلوا عشقهم وترجموه الى عمل كبير في تكريم إبن الجبل والبحر والسفر، والترجمة المزوري بدل رفو. مع تقديرنا الكبير لكل الوجوه المشرقة بالصدق والفرح في إحياء هذا المهرجان البهجيج. وكم هي صادقة تلك المقولة الجميلة - إن ُرقي الأمم والشعوب والحضارات يقاس بمدى عنايتهم وتقديرهم لإبداع أدبائهم وفنانيهم - سواء أكانوا في ماضيهم أو في حاضرهم. لك التألق والنجاح الدائم مع العمرالمديد في أداء عملك الابداعي.