دراسات نقدية

مشاهدات كوردستاني رحال في كرواتيا جوهرة والق الادرياتيك
 

بدل رفو المزوري

 

جزيرة كرك ـ كرواتيا

القسم الاول

نوارس البحر تشارك السياح وجباتهم في باشكا

بعد عودة من جزر ايطاليا والشوق إلى جزيرة سوساك التي زرتها العام الماضي والانطباع الجميل حول جزر كرواتيا ،شدني الحنين والشوق لزيارة جزر أخرى في الادرياتيك .ولشدة حبي منذ أيام الطفولة لقصص الرحلات، و بعد ما قرأته عن كرواتيا وجزرها في الصحف النمساوية وكتب السياحة ،قررت السفر بخيمتي وحقيبتي لزيارة مالم أزره في الرحلة السابقة ولأضيف شيئاً جديداً إلى سفراتي ورحلاتي. والهدف من رحلاتي أن أربط وطني بثقافته وشعبه بالعالم والتعرف على عادات وتقاليد أوطان أنقلها لشعبي وقرائي ،عبر الرحيل إلى أعماق الحضارة الإنسانية .رحلة إلى كرواتيا حيث الجبل والبحر في صراع أزلي..حيث الإنسان والنوارس يتناولون الوجبات معا في جزيرة باشكا وهذا ما حدث معي حين شاركني نورس بحري زادي..إذن إنها رحلة إلى جزر ربما لم يسمع بها القارئ الكوردي والعربي وأنقل مشاهداتي له بكل دقة وأمانة.

تكمن أبرز مظاهر الحضارة والثقافة الكرواتية المدن الكبيرة وخاصة العاصمة زغرب. هناك بوسع الزائر مشاهدة تأثير كل الإمبراطوريات التي حكمت كرواتيا عبر تاريخها الطويل. ولاحظت كيف يحترم الكروات شخصية (تيتو) الذي حكم يوغسلافيا السابقة ووحد أبناء الاتحاد كلهم. ووقتها تذكرت فلم "الانتصار العظيم" حول حياة تيتو الذي قام بدوره(ريتشارد بيرتون)،وخشي تيتو على أن يراق دم شعبه بعد موته. وهذا ما حدث ...واندلعت حرب البوسنة والهرسك.

التصميم في كرواتيا ..

تتألف عمارة كرواتيا عبر تاريخها من الطراز القوطي والتصميم الفينيسي. وفي هذا المجال يبرز تأثير الشرق على الفينيسيين نتيجة رحلاتهم الكثيرة إلى الشرق وتصدير تصميمهم إلى كرواتيا وكذلك طراز النهضة .في كرواتيا تنتشر الحقول الخضراء والغابات الكثيفة وكذلك الانطباع المبهر لدى رؤية جبالها الشاهقة وبعضها يخلو من الاشجار ،وهدوء البحر الادرياتيكي الذي كلما تمعن المرء بمشاهدته وتمشى على شواطئه ازداد تعلقا به .

جزر كرواتيا..

سلسلة كبيرة وطويلة من شواطئ كرواتيا تقع عليها جزرا رائعة ، بعضها صغيرة وبعضها غير مسكونة. وهناك الجزر الكبيرة وكذلك جزر يابسة من الماء الحلو مع مدن وقرى تعد من تحف الجزيرة. ولها تاريخ طويل وقديم، وفيها الكثير من البواخر والقوارب. ومن هذه الجزر (خفار،سريس،مليت،براج، فيس).ولكرواتيا لغتها الوطنية التي تنتمي إلى لغات العائلة السلافية كاللغة الصربية والبوسنية والسلافية .وفي عام 1991 حين استقلت كرواتيا وتفكك الاتحاد اليوغسلافي السابق لحقتها اللغة الوطنية وهي الكرواتية. واللغات السلافية قريبة من بعضها.

جزيرة (كرك ) اكبر جزيرة في كرواتيا

جزيرة كرك والتي تسمى بالايطالية (فيجيليا)حيث كانت أكثر الجزر الكرواتية ايطالية، وتتبع فينيسيا. وتعد هذه الجزيرة أكبر جزر كرواتيا. ويفصل الجزيرة عن اليابسة جسر ضخم. وقبل الدخول إلى الجزيرة يتوجب دفع ثمن الدخول .أفواج السياح من النمساويين والألمانيين يغزون هذه الجزيرة ولهم فيها بيوت وكابينات صيفية جاهزة لقضاء عطلهم السنوية. وكذلك تكثر الفنادق الضخمة والمخيمات. وجزيرة كرك ليست الجزيرة الخضراء والأجمل ضمن جزر كرواتيا. لكنها في السنوات الأخيرة أقامت تحسينات كبيرة لوسائل النقل والمواصلات. وفي حديث جانبي مع أحد النمساويين حدثني قائلا بأنه في الزمن الشيوعي كان السفر معقدا والجزيرة لم تكن مستعدة لاستقبال السياح. ولكن اليوم فتحت كرواتيا أبوابها. وتعاملهم رائع جدا مع السياح ومأكولاتهم شهية. وهذا ما لاحظته أنا أيضا من كرم مطاعمهم مع وجبات السمك المشوي ولحم الخروف. وفي جولة على شواطئ الجزيرة،كانت الشواطئ الصخرية تملأ الجزيرة وهكذا يتعذر على السياح العوم في تلك الأمكنة وخاصة الساحل الشمالي. وأما في الشاطئ الجنوبي فتكثر الغابات الكثيفة وتقع مدن (كرك، باشكا، بونات).تعد مدينة كرك المركز الرئيسي والنقطة المثالية للتعرف على الجزيرة . وكذلك تقع مدينة (بونات) القريبة منها على شواطئ البحر. ولها ساحل رملي ومنظر رائع على الجبال كأنها لوحة فنان. وتعد مكانا جميلا للسباحة.و في تاريخ الجزيرة أن (الأليريين) كانوا أول من سكنوا الجزيرة وبعدهم جاء الرومان. وكانت الجزيرة قد شيدت بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية .

تعد جزيرة (كرك) المركز الرئيسي لخط (الكلاكوليتش). وقد استخدم هذا الخط والكتابة لغاية أوائل القرن التاسع عشر. والفن الحديث في كرواتيا منبثق من أحضان هذه الكتابة ، وفن الزخرفة على البناء أيضا.ووجدت هذا الخط في كنيسة جزيرة سوساك التي زرتها العام الماضي. وما تم العثور عليه في مدينة (باشكا) في جزيرة (كرك) موجود الآن في متحف العاصمة (زغرب). ولفترات طويلة كانت تتبع الجزيرة فينيسيا. وعلى امتداد 800 عام كان الفينيسيون يحتلون الجزر الكرواتية. وفي كرك وجدت نافورة ماء عليها تمثال الأسد وهو يرمز إلى (ماركوس) في البندقية.

مدينة باشكا في جزيرة كرك والنوارس تتناول وجباتها مع البشر

تعد مدينة باشكا على القمة الجنوبية للجزيرة. ولها أجمل السواحل البحرية. وساحلها يمتد مسافة كيلومترين. أماكنها جميلة للسياحة وجبالها الشاهقة تجعلها أفضل من مدينة كرك .في هذه المدينة عشت أياما في مخيم السياح. وتجولت كثيرا في المدينة القديمة ورأيت فيها الطابع الفينيسي. أما مركز المدينة ففي أوربا الغربية وحتى في المغرب فهو يعد خطاً احمر يمنع الاقتراب منه. ولكن في هذه المدينة تغيرت ملامح الكثير من الأبنية والأزقة الضيقة من خلال ترميمها وتحديثها. زرت متحف المدينة وأزقتها الضيقة وسلالمها الحجرية وكأنها تحفة معمارية .تعود الأماكن القديمة في المدينة إلى القرن السادس عشر. وتعد مركزا للتصميم الفينيسي ووجدت تقاربا كبيرا بين أبنية باشكا والبندقية وبورانو .تكثر في المدينة وعلى جبالها طرق النزهات ،وقد تهيأت كل الظروف والإمكانيات للزوار. وكذلك تكثر الصخور على شواطئ البحر .تشتهر مطاعم كرواتيا بالأطباق الوطنية والنوعية الفاخرة. وتشتهر أيضا بزيت الزيتون وشراب العنب والتين. وتزمع مطاعم كرواتيا في الأماكن السياحية أن تقدم للسياح أكلاتهم الوطنية. وتذكرت أيام الدراسة في بغداد حين كنت اطلب (تمن ويابسة) في مطاعم باب المعظم في بغداد.

شعب كرواتيا..شعب طيب يفتخر بوطنه وأكلاته الوطنية ونظافة بلاده. شعب يحس بفخر الانتماء إلى وطنه. تمكن هذا الشعب ومنذ عام 1991 أن يجعل من بلاده أجمل بلاد الله ـ انتماء من الوطن للشعب ومن الشعب للوطن. أما أنت يا وطني المسافر معي عبر محطات إلغربة وعبر المحيطات والبحار وعبر عادات وتقاليد البلدان!!هلاّ أحسست بأبنائك المشتتين في بقاع الأرض ؟ سؤال بحاجة لجواب من ربابنة في بلاد تفتقر لبحار،وأنا اردد مع نفسي جواب سؤالي أغنية فؤاد سالم(حجيك مطر صيف ما يبلل اليمشون) وتستمر الرحلة.

القسم الثاني

كرواتيا..سجل حافل بالانتصارات في الرياضة والسياحة والثقافة

تقع كرواتيا بين وسط أوربا والبلقان. وقد عانت كثيرا في السنوات التي أعقبت استقلالها في عام 1991، لكنها في السنوات الأخيرة حققت خطوات كبيرة في كل المجالات وهي مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوربي.ولها دور كبير في المجال الثقافي والرياضي .ففي عام 2007 حصل فريق كرة اليد على بطولة العالم. وفي بطولة الأمم الأوربية حقق الفريق الكرواتي أفضل النتائج بوصوله الدور الرباعي ولكنه خسر بضربات الجزاء أمام تركيا.أما في المجال الثقافي فالعروض الثقافية والسينمائية والمهرجانات الموسيقية دليل على وجهها الحضاري والثقافي. كذلك ازدهرت صناعة السياحة في قمة الصيف وبالأخص شهر أيلول وآب ومن الصعب جدا وفي هذه البلاد العثور على فندق ومخيم في الجزر الكرواتية وكذلك كل الشواطئ مليئة بالسياح من جميع أوربا وفي السنوات الأخيرة بادر النمساويون بشراء الدور السكنية والسياحية وبالرغم من أن كرواتيا ليست عضوا في الاتحاد الأوربي لكنها فتحت حدودها لمواطني الاتحاد ،كي تكسب ثقة الاتحاد. أدباء وشعراء كثر كتبوا حول كرواتيا روايات وقصصا وشعرا وكتبا سياحية. وفي كرواتيا تزدهر صناعة زيت الزيتون والتين. وقد كانت خيمتي في مخيم باشكا تحت شجرة تين. تجولت كثيرا في جزيرة كرك ،وكما ذكرت أنها الأكبر لكنها ليست الأجمل، لغاية أن وصلت قرية ساحرة كأنها لوحة رسمها رسام ماهر، إنها قرية فربينك.

فربينك..قرية ساحرة من القرون الوسطى

تبدو قرية فربينكا الساحرة للناظر كأنها من القرون الوسطى .قرية حجرية حيث الأزقة ضيقة للغاية والبيوت صغيرة وكأنها كانت موطن أقزام. ولها إطلالة رائعة على البحر الادرياتيكي، وتقع على 48م عن مستوى سطح البحر. وسابقا كانت تعتبر مركزا للكتابة (الكلاكوليتشية).وهذا ما رأيته على أبواب الكنيسة وكذلك نرى منحوتات كبيرة لتلك الكتابة في الطريق المؤدي إلى القرية. لقد فضل الشباب في تلك المرحلة أن يكونوا رهبانا على أن يعملوا للفينيسيين . تعد القرية اليوم بانوراما جمالية لبلاد كرواتيا. وخلال التجول بين أزقة القرية الضيقة تلتقي بنساء طاعنات في السن وهن يبعن زيت الزيتون وشراب العنب. وعلى الشاطئ حيث الجمال كأنه الحلم وأكشاك لبيع لوحات ورموز تذكارية لهذه القرية. ولاحظت أن أعداد السياح أكثر بكثير من عدد السكان .فهذه القرية حافظت على تاريخها القديم عكس(باشكا) التي عانقت العولمة والحداثة من أبواب واسعة.تناولت وجبة الغداء في أحد مطاعمها في زقاق ضيق كأنه في الموصل أو حلب أو مكناس. لحظات خالدة في قرية صغيرة وعالم ساحر من جمال لا يوصف.

موسم الهجرة من الشمال إلى الجنوب

تذكرت الروائي الكبير الطيب الصالح وعمله الإبداعي وأنا اشد أمتعتي إلى الجنوب هربا من المطر والريح وتقلبات الجو.من جزيرة كرك وإقليم (استيريان) إلى الجنوب وإقليم(دالاماتيا)، لكن الرحلة جاءت بما لا تشتهيها السفن.فكل ليلة جنوبية مطر ..مطر ولا شئ غير المطر .عبرت المدن والقرى والشواطئ الرائعة والجبال الشاهقة والشوارع المعلقة على صفحات الجبال. والناس على أطراف الشوارع في جبال كرواتيا يبيعون الجبن والتين وزيت الزيتون. وبعد أن قطعنا مسافة 400 كيلو مترا وصلنا إقليم (دالاماتيا) بالقرب من جزيرة(تروغير)حيث مخيم (بيلفدير) أي المنظر الرائع باللغة الايطالية -وفي فيننا أيضا هناك قصر رائع يسمى (بيلفدير)- والمخيم يقع على الشاطئ الادرياتيكي.

تروغير..مدينة الإرث الإنساني وقمة فن العمارة

اسم مدينة تروغير مشتق من(تراغوريون) أي المدينة الجميلة. وتقع وراء أسوار من القرون الوسطى وبأزقة حجرية قديمة. أمام الشاطئ تنتشر المقاهي والمطاعم وترسو القوارب واليخوت .في عام 1997 وضعت منظمة اليونسكو يدها على هذه المدينة باعتبارها إرثا إنسانيا خالداً.ترتفع الجبال الشاهقة في الشمال ويمتد البحر في الجنوب. تروغير مدينة ساحلية رائعة للسكن.في القرن السابع استوطن الكروات هذه المدينة ،وقد سكن عمال الجبال والتجار في الأطراف. وتعد إحدى تحف إقليم (دالاماتيا). تتميز أبنية المدينة بالأسلوب الرومانتيكي وعصر النهضة.أما أبنية أسلوب النهضة فهي من تراث غزاة الفينيسيين .تعد مدينة تروغير نقطة التقاء الروعة والتاريخ والأصالة ونقطة انطلاق نحو جزر صغيرة ومدن جميلة. ومن الناحية الثقافية كان فن الرسم والتصميم لها انطلاقة لها ، مثل البندقية عام 1409، و مرآة لتأثير الغزاة الفينيسيين على السواحل الكرواتية بنقل حضارتهم. تعود أبنية مدينة تروغير التاريخية من زمنها الوردي في القرن 13 و 14 وكانت وقتها مدينة صغيرة. وتعد معجزة فنية مدهشة. وفي وسط المدينة تقع كاتدرائية القديس(لاورنس) التي شيدت بين القرن 13 و .15 وتعد من أجمل أبنية كرواتيا، وهي رومانية ومن أعمال الفنان (رادوفان). على جانبي الباب الكبير الأسود وفي الداخل لوحات كبيرة. أما برج الكنيسة الذي صعدت قمته فيبلغ ارتفاعه 47 م وينقسم إلى قسمين :سلالم حجرية وسلالم حديدية. وفي القسم المخصص للنشاطات الفنية يقام سنويا من منتصف الشهر السادس ولغاية منتصف الشهر الثامن مهرجان الموسيقى الشعبية والكلاسيكية في الكنائس والساحات الكبيرة.

رياضة البولو .. رياضة الشيوخ

في جولة جميلة في المدينة القديمة وفي إحدى حدائقها يمارس رياضة البولو رجال طاعنون في السن بكرات حجرية. وهذه الرياضة تجري في ايطاليا بكرات خشبية وفي فرنسا بكرات معدنية. وتحدث معي السيد(باشكو سموليج) حول اللعبة وعدد المشاركين وقال لي بان هذه الرياضة مثل (الكيلكين)في النمسا والبولينغ في أمريكا وربما يتميز إقليم دالاماتيا بالحجارة، فلهذا الكرات من الحجر. وحين علم أني كوردي من العراق فرح كثيرا وترك بعضهم اللعبة لأتحدث لهم عن العراق وكوردستان وتحولت لعبة الكرات الحجرية "البولو" إلى حديث الشعوب. وبعد حديث شيق ودعتهم.

بعد عودتي من أجمل مدينة ساحلية والتي تعد أقدم مدينة في كرواتيا وقبل أن أتوجه إلى خيمتي تمشيت على شاطئ البحر والأمواج تتصارع والأفكار تتزاحم في راسي .ادرياتيك وغربة ومهجر . وأنا ابحث عن قصيدة هاربة ربما تقيني من قيظ صيفي ومن شواطئ الادرياتيك. تحية حب لكل شعراء وطني وتستمر الرحلة.

القسم الثالث

دوي الرعد وأصوات البرق وانعكاساتها على البحر خلقت في داخلي شيئاً غريباً وحدثتني روحي بأنه اليوم الأخير في حياتي ورحلتي. وحين خلدت إلى النوم حلمت بالصديق الصحفي الطيب إسماعيل طاهر جانكير وحدثته في المنام بأنه آخر يوم لي في الحياة. حزن كثيرا واخبرني بأنهم سيطبعون رحلاتي وأعمالي التي لم تطبع لغاية اليوم. وفي الصباح ، استيقظت وإذا بالرعود والعواصف قد هدأت. وأحسست بالحياة والدم يسري في عروقي .فنويت أن أكمل رحلتي في بلاد الكروات. شكرا للصحافي الطيب إسماعيل طاهر على طيبته في الحلم أيضا. وكم من مرة تبت عن أن أسافر ولكني في التوبة أسافر.

إقليم دالاماتيا ..قلب كرواتيا

يتكون إقليم دالاماتيا في كرواتيا من أبراج وقلاع تاريخية عريقة وجزر ساحرة وسواحل جذابة وجبال شاهقة وموانئ هادئة ومناظر خلابة. بالإضافة إلى أن أغلب أماكن الإقليم قد تم ضمها إلى اليونسكو كإرث حضاري إنساني خالد. يمتد إقليم دالاماتيا من تروغير في الشمال الغربي ولغاية بولجي في الجنوب الشرقي . أما مدينة سبلايت فهي اكبر مدن الإقليم ونقطة الوصل مع مدنه وجزره. يعد قصر (ديوكلتيان) قلب المدينة التاريخي النابض وعلى جوانب القصر تكثر المطاعم والمقاهي السياحية وأكشاك لبيع الرموز التذكارية والهدايا للسياح. ومن المدن الجميلة في الإقليم أيضا هناك مدينة (خفار) على جزيرة (خفار) التي تحمل نفس الاسم. وفي الإقليم جزر كثيرة وشواطئ وسواحل للسباحة والغوص حيث ماء البحر في كرواتيا أكثر صفاء ونقاء من ماء البحر المتوسط في ايطاليا.

مدينة سبلايت.. أكبر مدينة دالاماتية

مدينة سبلايت وكما نسميها بالألمانية(سبليت) هي ثاني اكبر مدينة في كرواتيا بعد العاصمة (زغرب)، وعدد سكانها قد تجاوز(220)ألف نسمة وتسمى بالايطالية(سبالاتو) وتعد مركز إقليم (دالاماتيا) . هي مدينة مليئة بالحياة وهي بين العادات والتقاليد والحداثة. ومن يدخل قصر (ديوكلتيان) يعلم كم حافظت هذه المدينة على تاريخها العريق. إنه أقدم قصر روماني ظلت آثاره بهذه الصورة الرائعة حتى يومنا هذا وآثار السور واضحة وتبرز بأن الحياة وراءها عاشت أكثر من 1700 عاما. وهي نقطة بارزة لتاريخ أوربا والإنسانية أيضا. كانت سبلايت في المقام الأول ميناء للمسافرين إلى الجزء الآخر من الساحل. واشتهرت أيضا تاريخياً حيث شيد القيصر الروماني (ديوكلتيان 245 ـ 313 م) قصره القديم عام (295 ـ 305 م) وفي القرن السابع الميلادي فر الكثير من الرمانيين من مدينة (سولين) وسكنوا القصر والذي يسع لأعداد كثيرة من الناس.لقد حكم البيزنطيون المدينة ،وبعدها هاجم الكروات المدينة وحكموها. ومن القرن 12 ولغاية 14 عاشت المدينة حرة مستقلة. وفي عام 1420 هاجم الفينيسيون المدينة. وفي 1796 تأتي الإمبراطورية النمساوية لتحكم المدينة. وبعدها اندلعت حرب نابليون فيها. ورغم سلسلة الاحتلالات حافظت المدينة على تاريخها المعماري . جولة في داخل قصر (ديوكلتيان)تمنح الروح دفئا وحنيناً إلى آثار الإنسانية الخالدة.

مدينة سبلايت..وقصر(ديوكلتيان) الإرث التاريخي

نشأت مدينة (سبلايت) على أطراف قصر القيصر (ديوكلتيان). وبعد هروب مواطني (سولين) نمت الإقامة فيها. وفي القرن العاشر بدأت حملة بناء البيوت والسكن خارج القصر وفي القرن الثاني عشر والثالث عشر ميلادية كانت الأراضي واسعة خارج القصر. وحين قدم الترك عمروا الأسوار الأخرى ،وبنيت في القصر أبراج للدفاع عنه .جولة جميلة في القصر وبالأخص في سرداب القصر ،فالدخول إلى السرداب من جهة الشاطئ. والقصر كان يسكن في الطابق الأول وكان السرداب فارغاً و أحيانا مكان لعصر شراب العنب .أما اليوم فتقام فيه الاحتفالات الكبرى والكونسيرتات وكذلك الأمسيات والعروض المسرحية. وهذا السرداب له أهمية كبرى لأنه يربط القصر بالدخول والخروج ويعد الممر الحيوي إلى الشاطئ الرئيسي. حين قدم الرومان إلى كرواتيا حاولوا أن يجدوا لهم موطيء قدم في (سولين) وبعدها اتجه القيصر (ديوكلتيان)إلى (سبلايت) كي يشيد قصره هناك.
للقصر ثلاثة أبواب وهي الباب الذهبي والفضي والبرونزي ويحتوي القصر على صالات كثيرة في السرداب وفي إحدى الصالات كانت خريطة الدول التي تحتلها الرومان معلقة وصور القياصرة وكبار الرومان وكانت الخريطة بألوان مختلفة وكانت كل الدول تقع على البحر.يقع المعبد في القصر في الجانب الغربي ويقع ضريح القيصر لروماني (ديوكلتيان)في هذا القصر ويعد هذا القصر الوحيد والكنز الثمين للباحثين من زمن الرومان بهذه الروعة ويعد اليوم تحفة تاريخية للأجيال لما له من أهمية وارث ثمين وأما من جهة السياح فيعد قبلتهم من كل أنحاء العالم وبالأخص لليابانيين .تقع كاتدرائية القصر في الطابق الأول وهي فائقة الجمال والوصف وهي على شكل دائري وفيها مذابح حجرية وذوق فني معماري رائع وفي كل زاوية ركن لمنحوتات دينية.سياحة جميلة في احد أفخم قصور الرومان.

متحف المدينة ..قصر في قصر

في إحدى زوايا قصر (ديوكلتيان) يقع متحف المدينة وهو قصر آخر. وهذا القصر شيدته (عائلة بابايج) ويتألف من ثلاثة طوابق. وهو يعرض معروضات مختلفة من القرن الثالث عشر في عدة صالات، وفي واجهات جميلة زجاجية للحفاظ على قيمتها وعدم لمسها. وفيه تفرجت على الهاون والنواقيس والمفاتيح بأشكال فنية. وكذلك عرضت مخطوطات وبخط يد للأدباء والكتاب، ومن اشهر الكتب (يوديتا) والذي يعد أول كتاب كرواتي باللغة اللاتينية لأشهر كاتب كرواتي (ماركو ماروليج).وفيه يدعو الكاتب البابا أن يقف ضد زحف الترك صوب مدينتهم. وكذلك مخطوطة أخرى لنفس الكاتب عن الحياة الحلوة والجميلة في 1565. وكذلك عرض نحت أسد فينيسيا من القرن الخامس عشر . الحرب وأدواتها كانت لها صالة خاصة في المتحف ومنها الرماح والدروع والسيوف والمطارق والخوذات. وكذلك شاشة سينمائية قديمة لعرض الأفلام الوثائقية القديمة.صالة أخرى لنوتات موسيقية من القرون الماضية وعربة القيصر ولوحات تشكيلية وبورتريهات وملابس وثياب العائلة المالكة وكذلك الأدوات المنزلية. متحف المدينة يعرض تاريخا بشكل واسع وجميل وغير معقد.

متاحف سبلايت..

تضم مدينة سبلايت بين أحضانها كبريات المتاحف ومنها متحف الآثار. وبالرغم من أن المتحف يقع شمال مركز المدينة إلا انه يضم آثارا من فترة الرومانيين وفترة قبل الإسلام. و في جزء من المتحف هناك منحوتات القبور والحفريات من مدينة (سولين)، وهذه المنحوتات نحتت بدقة وتقنية عالية. ويعرض المتحف أيضا الحلي والزينة والخزف والعملات المعدنية ،تحف راقية في متحف راق في المدينة. أما متحف (ميستروفيج) فيعرض أعمال النحات الكرواتي (ايفان ميستروفيج) وهو أهم نحات كرواتي معاصر. وكان هذا المتحف دار سكنه من(1931ـ1939). وقد اتخذ الفنان هذا الدار للراحة، وهو يطل على البحر الادرياتيكي . وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية هاجر إلى أمريكا.
في سبلايت متاحف أخرى كثيرة، منها: متحف آثار كرواتيا للتماثيل، المتحف الانثرولوجي... و في هذه المدينة تقام الاحتفالات والمهرجانات الشعبية .سبلايت مدينة تاريخية رائعة وقصرها في سجلات اليونسكو ضمن تراث الإنسانية وشعبها طيب للغاية. رحلة مشوقة لآثار الرومان. ولكنه مطر مطر.. ورعد وبرق وتستمر الرحلة.

القسم الرابع

إنه الهروب مرة أخرى من الجنوب صوب الشمال، إنه زمن الفرار من الأمطار والرعود والبرق التي تلاحقني أينما كان اتجاهي وقبلتي. ففي العام الماضي حين حطت قدماي أرض الوطن ،أرض إبراهيم الخليل في كوردستان العراق هطلت أولى قطرات المطر. وهاهي كرواتيا تستقبلني بالأمطار والرعود في أي إقليم أتجه صوبه، أنا الهارب من فيضانات النمسا والجو السيئ ونحن في فصل الصيف.هذه المرة سلكت طريق الشمال ثانية ، وتذكرت قصيدة الشاعر الكوردي الكبيرد. بدر خان السندي (رحلة في كوردستان)حين يبدأ الرحلة من سنجار ويختتمها عائدا إلى سنجار. وأنا كذلك بدأتها من الشمال وسأنهيها في الشمال. ووعدت نفسي أن لا أرجع ثانية للنمسا لغاية أن أتمتع في البحر الادرياتيكي وأزور جزر الأحلام في الشمال والرقص على أمواج البحر.

عبرنا الجبال الشاهقة والتلال والمروج الخضراء تاركين وراءنا مدنا وقرى وشلالات وناساً عشت معهم لحظات حلوة وبالأخص في مدينة تروغير. حين علم مدير المخيم السياحي بأني صحفي كوردي عراقي وجئت كي أكتب مشاهداتي عن وطنهم للصحافة العراقية ، دعانا للإقامة مجانا في مخيمه السياحي الرائع (بيلفدير)الواقع على شاطئ الادرياتيك. أوقات حلوة من سفر الحياة برفقة عادات وتقاليد الجنوب التي تختلف عن عادات الشمال. لكل إقليم خصوصيته في الحياة والاحتفالات والطقوس والأطعمة .وصلنا إقليم (كفارنير) الذي يتألف من غابات كثيفة وسلسلة جبال شاهقة وسواحل رملية ناعمة وكذلك سواحل صخرية وقلادات من الجزر الرائعة. وهذا الإقليم يعد قبلة السياح الأوروبيين، عبر بوابته الواسعة وهي مدينة ريكا التي تعد ثالث اكبر مدينة كرواتية واهم مدينة في إقليم (كفارنير). وهي أكبر ميناء في الإقليم وكذلك فيها ماء نظيفا نقي من ينابيعها الجبلية. تتميز كذلك بكثرة الطرق الجبلية للتنزه والتجوال للسياح .تبلغ مساحة إقليم كفارنير 3300 كيلو متر مربع، وتحده ريكا في الشرق وجزيرة باك في الجنوب.مدينة ريكا يغلب عليها الطابع الهنجاري ولها جذور هنجارية. وجزر الإقليم (سريس،لوشين،راب)لها ذكريات مع جمهورية البندقية. أما جزيرة(كرك) التي زرتها في بداية الرحلة فكانت مركزاً للفرسان الكروات ولمحاربيها.أما من ناحية المناخ فجزيرة (راب) المكان المفضل للزوار نظرا لأجوائها الجميلة والمنعشة. وبالنسبة للمدينة الصغيرة(اوباتيا) فتعد مكان استجمام للراحة ومكانا اخضر. أما مناخ الإقليم فيلعب الدور الرئيسي والكبير في جذب السياح وتطور حركة السياحة .فسلسلة جبال من (فوياك ـ 1401 م ) في سلسلة (اوجكا) في الشمال الغربي عبر (كورسكي كوتار)لغاية وصولها الجنوب الشرقي فهي تحمي السواحل الكفارنية وتجلب لها الأجواء المنعشة والطرية في الصيف .أما في الشتاء فتجلب البرد القارس.

مدينة ريكا..قبلة إقليم كفارنير ومدينة المهرجان الكبير

تعد مدينة ريكا أهم مدينة كرواتية من حيث المساحة والأهمية في إقليم كفارنير وثالث أكبر في كرواتيا. وقد كانت تسمى باللغة الايطالية(الفيومي) ولا ادري إن كانت ترتبط بفيوم مصر! ويبلغ عدد سكانها أكثر من 150 ألف نسمة. وهي تعد نقطة التقاء الزوار والسياح ومركز الثقل والالتقاء والافتراق لكثير من الزوار.فأكثر السياح يتخذون الطريق من ريكا نحو الجزر الكرواتية في الشمال أو الرحيل إلى إقليم (دالاماتيا) الذي زرته أخيرا. ويعد مركز المدينة القديمة من المراكز الجميلة في المدن الكرواتية وهو مخصص للمشاة فقط . تتكاثر فيه محال ومقاه ومطاعم للاكلات الكرواتية وقاعة ضخمة لبيع السمك الطازج. وعلى جانبي المركز تقع أشجار شاهقة وكذلك يقع ميناء المدينة على البحر بالقرب من مركز المدينة. وفي هذه المدينة التي يحيا ليلها مع نهارها يقام أكبر مهرجان كرواتي. وتقع بنايات ودور ضخمة بفن معماري راق في كورنيش المدينة وبتصاميم رائعة تترك انطباعاً جميلاً عند السائح مثل الدور التاريخية في فيننا وبودابست.ولقد كان التأثير النمساوي والهنجاري واضحاً على فن العمارة الكرواتي في القرن التاسع عشر. وهناك خطة في المدينة لبناء خطوط سكك حديدية وحركة نقل تنسجم مع التطورات التي تعيشها كرواتيا منذ استقلالها. وتعد مدينة ريكا من أهم واكبر مدن كرواتيا في ربط خطوط الباصات والطرق والقطارات وتربط كل الأقاليم والعاصمة ببعضها. كما أنها نقطة الانطلاق للجزر الشمالية . وفي هذه حيث تكثر الفنادق الضخمة التي بنيت بمواصفات عصرية ومتطورة.

تاريخ مدينة ريكا .. القديم والحديث

بعد الهجرة الجماعية للأقوام الاليرية،شيد الرومان ميناء (تارساتى ساى). وفي القرن السابع شيدت الأقوام السولافية المدينة على أنقاض وبقايا الإمبراطورية الرومانية. وقد سكن النبلاء الألمان والفرسان جزيرة(كرك) لغاية القرن الخامس عشر. وحينها حكمت الإمبراطورية النمساوية مدينة ريكا بعد أن كانت تحكم من النبلاء. وكان ميناء ريكا بالنسبة للقيصر النمساوي المدخل الرئيسي إلى البحر. وفي عام 1725 شيد القيصر شارعا من فيينا إلى ريكا. وكذلك في تلك الفترة ازدهرت صناعة السفن. وتم بناء أول خط سكك حديد يربط مابين ريكا ـ بودابست ـ فيننا .وفي عام 1918 أمطرت عليها القوات الايطالية ولذلك توجد حتى الآن تجمعات ايطالية وجريدة ايطالية (صوت الشعب). وفي عام 1942 أصبحت ريكا جزءً من كرواتيا حين كانت جزءًا من الاتحاد اليوغسلافي السابق. وفي عام 1991 أصبحت ريكا مدينة مستقلة ضمن جمهورية مستقلة هي كرواتيا.

شيدت المدينة الحديثة على الطراز النمساوي، بعد أن أصابها الزلزال عام 1750، لان المدينة كانت جزءًا من الإمبراطورية النمساوية. تظهر معالم الحركة الثقافية والفنية واضحة في هذه المدينة الجميلة: الاحتفالات والمهرجانات والمعارض الفنية والمتاحف تبين واقع حركة المدينة والإقليم والدولة والعالم.

متاحف المدينة:

يعرض المتحف التاريخي خرائط البحار وأنواع السفن والبوصلات البحرية وبورتريهات لكبار ربابنة البحر وحياة البحر. وهذا دليل على والعلاقة الوثيقة بين الإنسان التطلع نحو العالم من خلال البحر والتجارة أيضا. أما متحف المدينة فيقع في بناء مربع . منذ عام 1970 ،تقام المعرض الفنية لكبار الفنانين الكروات والعالميين وكذلك معارض الصور الفوتوغرافية. وأكثر الأعمال التي تعرض في المتحف هي من صربيا وايطاليا .أما المتحف الطبيعي ،ويقع في ثلاث طوابق في إحدى فيلات القرن التاسع عشر، ومحوره حول الطبيعة والحيوان والنبات ومنها معارض الأفاعي والفراشات والضفادع. أما في الحدائق النباتية فتعرض الأشجار والنباتات والأزهار ،مع وجود أكثر من 2000 زهرة. وبوسع السياح والزوار التمتع بالحياة الطبيعية في المتحف الطبيعي الذي يربط الإنسان بالطبيعة. كذلك يوجد متحف الفن الحديث ويقع في طابقين في مكتبة الجامعة ويعرض معارضا مختلفة حول الفن الحديث، ويعرض أعمال الفنانين الكروات المعاصرين وكذلك يعرض أعمالا مختلفة للفنانين تتمحور حول موضوع واحد.

ويقام أضخم احتفال كرواتي في ريكا لمدة أسبوعين، يتضمن احتفالات موسيقية ورقصات على الساحل وكونسيرتات وحفلات باليه بالأقنعة والحفلات التنكرية ومسيرات والرجال يدقون الأجراس كي تهرب الأرواح الشريرة ورموز الشر. أما توقيت إقامة المهرجان فهو من نهاية يناير ولغاية بداية مارس. أما في الصيف فالليل للسهر والأغاني والرقص .كذلك في الشهر السابع يقيم المسرح الوطني الكرواتي عروضه في ريكا ... ملاحم وقصص وروايات كتبت حول هذه المدينة الجميلة.

وحين تجولت مع صديق كرواتي في مركز المدينة وشربنا القهوة في إحدى مقاهيها ،أخبرني الصديق أن الأديب العالمي (همنغواي)كان يتردد على هذه المقهى. وأجبته بأني زرت أيضا مقهى في البندقية حيث كان همنغواي يتردد عليه ...حينها رددت معي نفسي "ربما في كل مدينة ساحلية جميلة كانت له زاوية ومقهى كي ينهي الصراع..صراع الشيخ والبحر ...إذن إنه الصراع.

مدينة جميلة بناسها البسطاء الطيبين ولحظات جميلة في ميناء المدينة وسوق الفلاحين الذي أفتقده في وطني ، لأنه في وطني نستورد حتى (البقدونس والفجل) من الدول الجارة. غادرت قاعة السمك وأمواج البحر الهائجة وتستمر الرحلة.

القسم الخامس والأخير

اوباتيا..مدينة الأثرياء والخضرة والنمساويين في كرواتيا

تذكرت أغنية فيروز وهي تغني "سافرت البحار وتركت السفينة" وأنا بانتظار البحر والسفينة للسفر إلى أجمل جزيرة عشت فيها أياما حلوة جميلة. قررت السفر إلى مدينة اوباتيا، وهي المدينة السياحية والتاريخية والتي تبعد 15 كيلو مترا عن ريكا الميناء الذي انتظر فيه موعد السفر. مدينة اوباتيا، وتعني بالايطالية (العباسية)، عدد سكانها لا يتجاوز 10 آلاف نسمة. وما أجمل الطريق من ريكا إلى اوباتيا حيث الأشجار الخضراء والطبيعة الجميلة والبحر .تعد اوباتيا بانوراما الجمال. ويتجه كثيرون من أهالي فيننا إلى هذه المدينة منذ أيام حكم الإمبراطورية النمساوية. ويطلق على هذه المدينة مدينة الأثرياء. وتعد منتجعا سياحيا ومدينة استجمام وراحة ، حيث أجمل الشواطئ وأجود الأكلات البحرية. كانت مدينة اوباتيا لغاية عام 1840 قرية للصيادين. وكانت تضم 30 دارا وكنيسة فقط .اوباتيا مدينة جميلة ورائعة بأبنيتها التاريخية وفنادقها الضخمة ومتنزهاتها الواقعة على شاطئ البحر ،حيث أكشاك لبيع الهدايا والتذكارات للزوار والسياح. وبعد جولة جميلة في اوباتيا عدت إلى ريكا كي أوافي موعد السفر مع البحر ولمدة ساعات إلى جزيرة أحببتها وعاشت في ذاكرتي.

سوساك...جزيرة منسية وأهلها يحبون العالم
عشقت البحر في كتاباتي ورحلاتي وروح البحر ونوارسه. حان الرحيل بالسفينة لمدة ساعات من ميناء ريكا متوجها إلى جزيرة سوساك التي زرتها في العام الماضي وأحببت أن أزورها ثانية. حملت معي نسخا من مجلة الصوت الآخر وجريدة التآخي العراقية كي أقدمها للذين كتبت عنهم في رحلتي الماضية. تحلق النوارس حول السفينة وأصواتها كأنها رثاء أمهات فقدن فلذات كبدهن في ساحات الوغى. فللبحر وأمواجه خصوصية للأديب. فالبحر في ايطاليا يختلف كليا عن البحر الادرياتيكي في كرواتيا. استغرقت الرحلة 3 ساعات لنصل إلى جزيرة وعالم يختلف كليا عن جزر الجنوب التي زرتها. وقبل وصول السفينة ذهبت إلى مقدمتها لألمح الجزيرة من بعيد. وتذكرت المشهد في فلم كولومبس الذي مثله الممثل الفرنسي جيرار ديبارديو حين يلمح أمريكا من بعيد. ولكني لست بمكتشف لسوساك بل أحبها القراء بعد الكتابة عنها في الصوت الآخر والتآخي وأكثر من 60 موقعا الكترونيا .فرحت جدا حين رست السفينة في ميناء سوساك وهناك. رأيت صاحب مطعم البيتزا (عثمان العثماني) المقدوني والذي استقبلني بقبلات الشوق .أعطيته مجلة الصوت الآخر وعلقها في مطعمه بعد أن وضع لها إطارا جميلا. بعدها اتخذت الطريق إلى البيت الذي اسكن فيه بالقرب من الكنيسة وعلى قمة الجبل وفي المدينة القديمة. لان المدينة تقسم إلى قسمين،القديمة من آثار الرومانيين والحديثة بالقرب من الميناء فهي تعود للإمبراطورية النمساوية.

قطن هذه الجزيرة أقوام كثيرون ولا يتجاوز عدد سكانها 200 نسمة. انه الصيف الساخن والجزيرة مليئة بالسوساكيين الأصليين المهاجرين إلى أمريكا وعادوا لها ليقضوا عطلة الصيف مع أهاليهم على الشاطئ الجميل الهادئ الرملي وكذلك الصخري. كالعادة كانت سوساك مزدحمة بالسياح القادمين من ايطاليا والنمسا وسلوفينيا لأن لهم بيوتا قد اشتروها بعد هجرة ناسها الأصليين إلى أمريكا نتيجة إغلاق معمل الخمور وشراب العنب في الجزيرة. ومن نافذة سكني الذي تملكه فنانة نمساوية، تعيش في جزيرة بالي في اندونيسيا ، وقع نظري على معمل شراب العنب. زادني الفضول للتعرف على تاريخ وصاحب المعمل هذا وشهرة هذا الشراب الذي غزا ايطاليا. وحين زرت المعمل رحب بي صاحبه كثيرا وإذا بي أرى صورة رئيس كرواتيا وهو يحتسي شراب العنب مع صاحب المعمل. وعرفني على نفسه بأنه(كارلو راجوتوفيج) وهو المدير العام لتجمع توسوليج سوساك) وهذا التجمع ايطالي. وهذا الشراب من حقول العنب في سوساك. ويمتلك عددا كبيرا من هكتارات حقول العنب وهم يصدرون الشراب إلى ايطاليا والى نيوجرسي في أمريكا كي لا تشعر الجالية السوساكية في أمريكا بالغربة .فمتى ستصدر لنا كوردستان راشي وبيزة وجبن كوردستان كي لا نشعر بالغربة نحن في المهجر؟؟ وللعلم فإن الرومان هم أول من زرعوا أشجار العنب في سوساك. واخبرني (كارلو) بان شراب سوساك له سمعة طيبة وكبيرة في ايطاليا. ورفضت دعوته على كاس شراب عنب اصلي وأخبرته انا سكير الجمال والشعر والترجمة والترحال وكيف بي إن شربت شرابكم!! ودعته على أن نلتقي لاني من عشاق هذه الجزيرة من كل قلبي حيث اسم الكورد والعراق واضح في هذه الجزيرة من خلال لقاءاتي بأهلها .وفي الساحة التي يقع فيها سكني علقت صورا فوتوغرافية كبيرة لمعرض فوتوغرافي لفنانة ألمانية وهو حول انفعالات وتصورات الإنسانة السوساكية المهاجرة إلى أوطان الغربة . وتصور المرأة في لقطات مختلفة في العمل والترحيل والحياة والمعرض بالصور الأسود والأبيض.

ساحة الجزيرة فن وعشق وفلكلور شعب

في الساحة الرئيسية ،وفي الطابق الأرضي لأحد البيوت السوساكية القديمة كان هناك معرض جميل للملابس الفلكلورية القديمة وبصور مختلفة للرجال والنساء والأطفال وهذه الملابس يرتديها شعب كرواتيا في المناسبات الوطنية والاحتفالات الشعبية. والتقيت بشابتين لا تتجاوزان السادسة عشر من عمرهن وهما تديران المعرض. وبالقرب منهما أي في الساحة الرئيسية امرأة في العقد الثامن تبيع تذكارات وميداليات محفور عليها اسم سوساك للسياح والزوار، وكذلك انواعا مختلفة من الحجارة الكريستالية .أما تجمع سوساك الأمريكي والذين يجتمعون في احد نوادي الجزيرة فسلمتهم نسختين من الصوت الآخر وجريدة التآخي لأرشيف الجزيرة وقالوا لي بأنهم يجمعون أرشيف الجزيرة، وهذه أول مرة تدخل سوساك التاريخ الشرقي من خلال هذه الكتابات.عشرة أيام قضيتها في الجزيرة برفقة سكانها. وقضيت وقتا سعيدا على شواطئ الجزيرة الصخرية. وفوجئت حين انتشر خبر وجود الصحفي الكوردي العراقي في الجزيرة.ناس تحمل لهم كل الحب ما داموا يحملون لك ولشعبك ولوطنك كل الحب والاحترام.

 

 

 

Google

  في بنت الرافدينفي الويب

 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 © حقوق الطبعوالنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين

Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.

info@bentalrafedain.com