ihsanalsamawy@hotmail.com
رقصة موتي
ينساب وقع الموسيقى هادئاً فيستفز رغبة الحركة ،
أنهض ممسكاً في خطوط تواصلي ، فتستجيبين طوعا ً. ونبدأ وعيناي
شاردتان في عينيك ،
تدور السماء بنا ، صدرك مزروع بجسدي ، نفسك يحرق وجهي ، وهمسك
يُطيرني
أنا ملتصق بشفافية روحك بمعاناة لذيذة . وأتمنى الرقص معك حول
نار .
تقولين: ارقص في قلبي ! فأقول: ارقصي على أوتار قلبي، فتفعلين
! ويعلو خطوك ، ويصدح اللحن على وقع حركة قدميك ، فتمتد
الشرايين لتمسك قامتك ..
تتوق روحي حنيناً لهواك ، تبسطين ملكوتك عليَّ، فينفذ شذاك
جمراً على ناري .
أركض نحوك تحملني اللهفة ، وأنت تنتظرين الحدث .
فيلتم سيل التناغم ، يسري من كل عروقي ، يتبارك بكل عذاباتي ،
يُطهر كل جرح ، يداوي بكائي ، يُربت علي حرماني منك ، حرمان ما
مضى وحرمان ما لم أره بعد
معك .
تتكور الخلايا وتقصر الشرايين ، ويغيب العالم. فأصرخ أنا آتٍ
إليك .
ضميني ـ اعصريني ، فأنا لك دفق حياة أريده أن يطال الحشا فيشفي
ظمأي ، ويزرع اسمي ويغسل معاناتي .
عندها أقول وعيناي تسرح في روعة استفاقتك: ها أنذا قد استوطنت
فيك .
فكوني راعية تكويني الجديد . ولا تنسي إني أسبح لصق دمك ،
أُحيي ما يمر من رحيق روحك وأحضن غذاء وعيك .
وان غبت فقولي من هنا مر..... وهنا مات !
تساؤلات
ما الذي يجعل روحينِ تهيمان في فضاء عشق أزلي وانبهار ليس له
تفسير، أن يبحثان عن عذر يخدعان به شوقهما وانغماسهما في رونق
اللحظة والإيماء ؟
ما الذي يدفعهما أن يتفقا على فراق حلاوته بفقدان القدرة على
تنفيذه ، وتنفيذه يصعق هدوء النفس التي استفاقت على صرخة هيام
؟
وما الذي يوقظ كل هذا الهوس الذي يدفع حد الجنون وبوعي يعرف
الهاوية أكثر
من التباهي ؟
ما الذي يُسوُغ لتراض واطمئنان وسط عاصفة من التساؤلات
والتحديق إلى العيون بحثاً عن دليل موجود ولكن غير قابل للمس ؟
ما الذي يشد وتر التمسك بأمل تحقيقه ينفخ روحاَ في الحشا ويطفئ
تاريخاً هو أصل التكوين ؟
وما الذي يلهم كل هذا الهذيان النابع من أعماق وعي الوصف
وصياغة الحالة وتمجيد الحدث ؟
ما الذي جاء بنا نحو كل هذا التوافق والتراضي والقبول المفضي
لوجع ودمع وتهليل وانتشاء ؟
غير حسٍّ فاض عذوبة فجرى سيلاَ من التأمل والمراجعة ، وكبح
التمادي ، وتوسل الرفض ، وأمنية الصد ، وفرصة التفاهم على
التوقف ، وفرحة القبول ، وصدفة التثبيت ، والعطر الباقي في
محيط هوائي ، والسؤال عن إسم ٍ ومعناه ، وبكاء صامت على فقدان
، وإطار من ذهب لم يُطل ، وضياع في غابة بعيدة ، ورجوع ملهوف ،
وكلام لا ينقطع ، وحروف ترقص طرباً لمعنى جديد ، وأرقام خطفت
وظيفة البوح بالكلام ، وليالي تطول وتحلو بسهر ٍ شفيف ،
ومرابطة تحت نافذة معتمة ، وبحر ينادي ، وصخرة البداية ،
ودوران في العتمة ، ودعاء قرب أبواب الله ، ولمسة تُفجر نبعاً
، وسفر يوقظ الحواس ويطرد الهدوء ، وتوافق اختصر مسافات دول
وأوطان !
وغير أغان كانت لنا فقط ، وطرق تنفست همس الغزل ، وساحات
اُضيئت ببريق العيون ، وتداخُل الليل بالنهار ، وتوارد الرغبة
بالاتصال ..
وغير بكاء مرير على فراق لن يتم ، وورود تطلب عذراً ويد يُغني
لها ، وتواصل مشروع يبحث عن صيغة وشكل .
وغير صبر عنيد على التوصل للتلاشي ، وغير تلاشٍ يفقد الوعي
ويرفع لعوالم وردية . وغير شهقة التقارب وخوف فقدانه .
وغير أنت.... وأنا الذي أخاف من كل يوم يمر وأتمناه أن يطول
.............
مملكة التراضي
بداية غير معقولة خطفت هدوء الأيام ، فَحَل رضا الانشغال
والركض وراء ما يملأ فراغ الأيام ، تعبا لذيذا ليته يدوم ويدوم
حتى الموت انشغالا بما يشل العقل والحركة .
العقل عن أن يقبل غير ما فَهِم ، والحركة عما يُبعد عن المكان
الذي فيه ما يَشغِل .
وتمتد أيام وتطول ليالي .. لا رغبة في صحو، ولا أُمنية لنوم .
فاللحظة التي تُعاش ، لا بدّ من أن تُعاش كما هي ، غير مُخطط
لها ، فلا عنوان أو تفسير لجريان الحدث أو حدود التفاعل .
والكلمة التي تُكتب، هل توصف حالة أم تشرح طلب ؟
تمزج حدث أم تَفصِل التصاق ؟
تنساب الحكايات بمفردات تطرق أبواباً موصدة ، تفتح عوالم ،
ترفع أعلاما ً، وتقيم مدناً لم يدخلها أحد إلاّ من عايش ما قد
حَدَثَ أو ما كان عصي على الاستيعاب .
وتنساب الحكايات .. أفعالاً لم تكن قد وُجدت إلاّ بامتزاج
التراضي الصاعد خطواً ثابتاً نحو سماوات خلق غير مُحتمل التصور
أو التكوين .
وتنساب الحكايات .. قرباً حدَ التلاشي ، وبعداً حتى الاختناق
.. تلازماً حدَ اختفاء الملامح ، وهروباً حدَ البحث عن كوكب
بعيد .
فلا يجذب التناغم إلا التجاوب ، ولا يمنح التوافق إلا التتابع
.
والمكان ، ذلك المحيط ، هل يمكن أن يحوي هكذا تفاصيل كانت تغيب
ولا تُرى ولا تُحس ؟
والآن كيف يُمحى المكان ؟ وهو يحتضن الحدث الذي حفر عمقاً في
روح من خلَقَ حدثَ المكان !
وكيف المرور دون الالتفات نحو عمق الوعي ؟
وكيف التجاوز وهو يركض عمقا في الشرايين ؟
هل للمكان نفس تهوي إن لم تتغذى بالذكرى ؟ أم أنه يمنح نَفَس
الصدق فيبقي حياً به أبدا ؟
وعندما يتلازم مكان بزمان ليخلق تفصيل مقدس بالتواصل والحضور،
يكون قد أوجد حضناً في الوجدان ، دافئاً وحنوناً ، ويرعى في
النبض تصاعداً وذهولاً .
والسماء التي خيمت دانية تنظر بنجومها علَّها تلتقط تفاصيل
مثيلتها على الأرض ، ذلك المُبهر الجالس وسط دائرة الشموع ،
تحيطه بحنو وتضيء وجهه الملائكي وتتراقص أمامه حروف أربعة ، هي
عصارة روح وخلاصة تاريخ :
أ: أروع ما مُنحت العين جمال ما ترى
ح: حمامة حطت على مساحة الروح
ب: بهاء خالق اظهر سر براعة إبداعه لمُحب
ك: كلمة شخَّصت لهفة ووصفت حلم
وجه أُضئ بنجوم ، ومكان يذوب نورا ، وفرحة تحوم ... كل يُشد
لأرض البشر ويُرفع لسماء التمني .
الوجه مذهول بالإنارة والحدث ، والنور توهج بسعادة الملامح ،
فاشتعل بريقا ، أنار سماءً عالية سجدت نجومها احتراما لخالق
جمال الملامح .
ماذا يتوارى خلف كل هذه الأحداث والتفاصيل والأماكن وتواريخ
الأيام والكلمات والحروف والأرقام ؟
وهذا الصوت المسموع عالياً ، والذي خَفَتَ وارتفع ورقَّ وصرخ
وتهدج بهاءً وسمي فرحاً ، هل كان غائباً في لا وعي المجهول ؟
فجاء من يوقظه اهتزازاً خفيفا خلق طوفاناً من الاستمرار ،
مليئا بما يُسرُ وما يُشد
وما يُخلع !
أم هو ظاهرا شكلا في الحركة والنظرة والإيماء ومخارج الحروف ،
وكان يبحث عمن يقرأ وينفُذَ عمقا عن طريق الظاهر ؟
فجاء من يقلب العمق شكلا ، ويُعمق ظاهره ، حتى يختلط كل شيء ،
فلا تفريق بين ما يفضح وما يختبئ من جوانب وصفات كانت مبهمة
لحاملها ، ذلك المغمور من قبل بالزائل ، والفاقد أثره زماناً
ومكاناً !
هذا الآتي خطواً يرقص القلب على وقعه ، والمتمايل مشياً على
ارض تستجيب لينا .
هذا النازل نقشاً في الشرايين ، يجمع جزيئات الدم وينفث عطرهُ
فيها ، فيطلقها سابحة تُغذي الوجدان غراماً ولهفة .
هذا الصاعد بريقاً في الروح ، يضئ جوانبها ويكتب أوصافاً
ويهبها حماية . يمطرها طرباً دائماً ورقصاً وحشياً كي يوقظ
الحواس ويمنحها وظائف لم تُنسب لها أصلاً .
هذا الدائر قرب البحر وفي قرار الليل يستفز الأنوثة كي تظهر
ويستجلب الحماس للقطف . يُحضِر سنوات ذهبت بعيداً ويستجمع
عناصر المصالحة بين النفس والرفض... وينجح !
هذا الطائر بأجنحة من نور، يُضئ ليال معتمة وشوارع مقفرة ،
ينثر بسمات اللولؤ ، فتزهر الكلمات وتتلون الأشياء ويندحر
الألم ، فيحل الرضا ويحتفل الزمن ويتلاشى الإحساس به ، فيكتسب
العمر بعداً آخر . ويستوطن الجنون وتولد الصرخات ، وتتلى صلوات
، وتبرز معاني ، ويُنسى أهل ، وينضج فعل ، ويشتعل لهيب ،
وتُكشف خبايا ، وتحن الأنفس ، فتنصهر الأطراف ، ويُخيم سكون ،
فيتكلم اللمس ، ويختفي الصوت ليحل همس التداخل ، فتُفتح عوالم
، وتحط فصول ، ويولد مفهوم ، فتنضح الخلايا عِصارة شوق طال
حبسه ، فينطلق عُلُّوا ، مُرفقا بشهقة انبهار وروعة ذهول ،
فتستدعي الملامح كل دم القلب النابض انتظاراً للحظة الانصهار،
فيتجلى الله بآيات تُمجد جمال الخلق وروعة التكوين في رعشة
الاكتشاف ، فتدور الدنيا ، وتذوب الروح ، ويغيب الوعي في مملكة
والتراضي .