مناجاة القمر
هبة
الصافي / السماوة
hiba2005sy@yahoo.com
أيها الكوكب المطل من علياء سمائه . أأنت عروس حسناء تشرف من نافذة
قصرها، وهذه النجوم المبعثرة حواليك قلائد من جمان؟ أم ملك عظيم جالس
فوق عرشه، وهذه النيرات حور وولدان؟ أم فص من ماس يتلألأ، وهذا الأفق
المحيط بك خاتم من الأنوار؟ أم مرآة صافية، وهذه الهالة الدائرة بك
أطار؟ أم عين ثرة ثجاجة، وهذه الاشعة جداول تتدفق؟ أو تنور مسجور، وهذه
الكواكب شرر يتألق؟!
أيها القمر المنير :
إنك أنرت الأرض وهادها ونجادها وسهلها ووعرها وعامرها وغامرها، فهل لك
أن تشرق في نفسي فتنير ظلمتها، وتبدد ما أظلها من سحب الهموم والأحزان؟
أيها القمر المنير :
أن بيني وبينك شبهاً وأتصالاً . أنت وحيد في سمائك، وأنا وحيدة في
أرضي، كلانا يقطع شوطه صامتاً هادئاً منكسراً حزيناً، لا يلوي على أحد،
ولا يلوي عليه أحد، وكلانا يبرز للاخر في ظلمة الليل فيسايره ويناجيه،
يراني الرائي فيحسبني سعيدة، لأنه يغتر بأبتسامة في ثغري وطلاقة في
وجهي، ولو كشف له عن نفسي ورأى ما تنطوي عليه من الهموم والأحزان لبكى
لي بُكاء الحزين إثر الحزين،ويراك الرائي فيحسبك مغتبطاً مسروراً، لانه
يغتر بجمال وجهك، ولمعان جبينك ! وصفاء أديمك ولو كُشِفَ له عن عالمك
لرآه عالماً خراباً، وكوناً يباباً، لا تهب فيه ريح ولا يتحرك فيه
شجر،ولا ينطق إنسان ولا ينغم حيوان .
أيها القمر المنير :
كانوا لي أحباب يملأون نفسي نوراً،وقلبي لذة وسروراً، وطالما كنت
أُناجيهم ويناجوني بين سمعك وبصرك،وقد فرق الدهر بيني وبينهم، فهل لك
أن تحدثني عنهم، وتكشف لي عن مكان وجودهم؟ فربما كانوا ينظرون اليك
نظري، ويناجونك مناجاتي، ويرجونك رجائي، وهأنذا يخيل الي إني أرى صورهم
في مرآتك، وكأني أراهم يبكون من أجلي كما أبكي من أجلهم، فأزداد شوقاً
اليهم، وحزناً عليهم، فأبق في مكانك طويلاً تطل وقفتنا ويدم أجتماعنا .
أيها القمر المنير :
مالي أراك تنحدر قليلاً قليلاً الى مغربك كأنك تريد أن تفارقني ومالي
أرى نورك الساطع قد أخذ في الأنقباض شيئاً فشيئاً وما هذا السيف
المسلول الذي يلمع من جانب الأفق على رأسك؟ قف قليلاً لا تغب عني لا
تفارقني لا تتركني وحيدةً فأني لا أعرف غيرك ولا آنس بمخلوق سواك .
آه لقد طلع الفجر ففارقني مؤنسي وأرتحل عني صديقي فمتى تنقضني وحشة
النهار ويقبل إلي أنس الظلام .
هبة الصافي