يسلبك الوطن وثيقة انتمائك اليه.... يصادر طفولتك وشبابك ولونَ عينيك... يُقتل إخوانك وأحباءك.... يضطرّك للهرب خارج حدوده خلاصاً من نزوة طغيانه... يمحو ماضيك.. وحاضرك.. ويشوه ملامح مستقبلك.... ويلّون بالأسود المفزع القادم  من عمرك.... يتركك غريباً تتجاذبك أرصفة المنافي , باحثاً فيها عن وجوه فارقتها مُكرهاً , تقرأ في ملامح الناس حولك تعابير شتى تتراوح بين الكراهية والشماتة.. وبين العطف و"الخطية" و"الموت أهون من خطية" كما نفثَ مرةً سياب العراق....... تتوسلُ بالمدن التي تحتويك أزقتها أن تمنحك شيئا من خصوصياتها..... وأن تمنَّ على أولادك الذين ولدوا في أحضانها بعض وثائق حياةٍ كريمة ومستقبل آمن , فتصطدم باللوائح والقوانين والتعليمات والعنصرية والطائفية والأقليمية التي لا تراك إلاّ غريباً ولا تستحق أن توّرث أولادك إلاّ الغربة والشعور بفقدان الأمان ودفء الانتماء الى بضعة أشبار من الارض يقال لها وطن..!!!!

و في غمرة المتيه تمتدُ إليك يد من وراء البحار والمحيطات.... من أرض يصفها جلادوك وطاردوك ومطاردوك بـ "الكافرة" و"المتآمرة" و"الحاقدة" لتمسحَ عن جبينك ملامح قسوة الضياع في بلدان تنتسب إليها "ديناً" و"قوميةً" و"ولاءً" وتفتح لك تلك الأرض الغريبة صدر مشاعرها لتساويك بمواطنيها.... ولتمنحك وثيقة الانتماء إليها في زمنٍ قياسي لا يحلم به إنساننا العربي والمسلم حتى في مسقط رأسه......!! وتحنو على أطفالك بمقدار حنوك عليهم.. تفتح لهم أبواب مستقبل يرفل بالأمان  والعيش المطمئن والخدمات الأنسانية الجليلة.... حتى تكاد تلك الخدمات ان تنسيهم أنهم ينتمون إلى عالم آخر.. وثقافة أخرى......!!

كيف استطيع ولو من باب الإنصاف "فقط" إن اساوي بين وطني الذي سلبني وأولادي كلَّ حقوق الحياة..... ماضياً.... وحاضراً...... ومستقبلاً.... وبين أرض منحتني دون مَنٍّ وأذى كلَ حقوق الحياة...؟؟!!!

تلك اليد التي رفعتني من بئر كابوس الطغيان والضياع.. إلى حقيقة الحياة الآمنة..... وحلم المستقبل الواعد ‘ ألا تستحق فيضَ كلمات الشكر.؟؟!! " ومن لم يشكر المخلوق ‘ لم يشكر الخالق"...... وما أصدق  سيد الكلمات علياً بن أبي طالب حين قال "ليس أرضًُ أولى بك من أرض.... خير البلاد ما حملك"..........