خواطــر

  لحنٌ للوطن, للشتاء

سامي العامري

منذ زمان لم أحكِ او أكتبْ شيئاً ذا بالٍ عن هذا اللامع في عتمةٍ وسط الضلوع كشمعةٍ بِعِدَّةِ ذُبالات .

رسمتُ يوماً شمعةً بذُبالةٍ واحدة فلم يُقِنِعْني المنظر !

فعدتُ فقرَّبتُ منها منقارَ بلبلٍ فوجدتُ أنَّ هذا حسنٌ ثم قرَّبتُ منها ورقةً من شجرة تفاحٍ خريفية فكان المنظر كثيرَ الشَّجا , فتمتمتُ قائلاً : لو بقيتَ هكذا أيُّها الوطن رَغم صدى المرارة !

واليوم وقد بدأ الشتاءُ هنا بترتيبِ حقيبتهِ الثلجية متهيِّئاً للرحيل الى موطنه الأصلي خلف السنوات والذكرى , أتذكَّرُ شتاءكَ المُتحلِّقَ حول المواقد وتنانيرِ الأمهات ,

أتذكَّر شطراً من قصيدة لشاعر إنكليزي تعلّمناها في المرحلة الإعدادية بصيغة سؤال :

اذا كانت كلُّ الفصول فصلاً واحداً فماذا سيصبح هذا الفصل ؟

وانا أيضاً أسأل نفسي : حقّاً , ماذا سنطلق عليه ؟

أتذكَّرُ هبوط أماسيِّك , لم تكنْ أماسيّ وإنما نجوماً تجلس على أَسِرَّةٍ بَريَّةٍ وتَقطرُ الضياءَ كالقُبَل على أفواه الينابيع !

كانت دموعنا تمنح الصيفَ حرارتَهُ

وتمنح الخريفَ معنى الراحة بعد العمل المثمر

وتمنح الربيعَ فرحَ الولادة واخضرارَ النسائم .

كانت دموعنا نقية صافية ومنها ورثتُ هذا الطبع العجيب فما بكى أحدٌ أمامي ورأيتُ دموعه إلاّ وترقرقتْ دموعي ! دون أن أدري أسبابَ حزنهِ ودون أن أكون تَعِساً أبداً .

إذنْ سيغادر الشتاءُ هنا آخذاً معهُ ما عَلِقَ في جلودنا من بَرْدٍ ويُبقي على غيومٍ متناثرة لكيلا ننساه .

وأشْتِيَتُنا القديمةُ لم تكنْ أشْتِيةً وإنما هي ملوحةُ التراب الآتيةُ من ملوحة الدموع !

وهي تارةً بروقٌ تتصفَّحُ كتابَ الأرض

وفيضٌ من النشاط

لم تكن لدينا حقائبُ مدرسية نحن التلاميذَ الصغار ولكننا كنا نحمل كتبنا ودفاترنا وفقرنا  في أيدينا ,

وفيما بعد حقيبةٌ بائسة تحتوي على وعدٍ بغدٍ راسخٍ   

ولكننا ما تعلَّمنا واجتهدنا أيها الوطن لنراكَ على هذه الحال .

هل كُنّا نعبث ؟

لا ظنُّ هذا , ولكني مُذْ عرفتُ أنكَ يطيب لك التمسُّحُ بماضيك صرتُ أخشى أنْ أذكرَ منه حدثاً او مأثرة تدعوك للإعتداد الفارغ لا النهوض ,

أناشدك أن تموج في مجرى حاضرك يدلُّ عليك لونُك الخاص

لا مُنكفِئاً على مُثُلٍ مهلهلة كأسمالٍ لا يدنو منها شحّاذ .

كُنْ وطناً مُحدَّداً بين الأوطان وليس عليك أن تكون مثالاً يُحتذى فقد ولّى زمن الشعارات .

كُنْ بيتاً آمناً لأهليك وللغريب ما استطعتَ .

تعلَّمْ أنَّ شعباً بسيطاً يتساوى فيه الرجالُ والنساء من حيث الحريات والحقوق أفضلُ بكثيرٍ من مجتمعٍ تقنيٍّ ثريٍّ .

لا تغصَّ بالجفاف وانت الذي تُشظّي أرضَك الجداولُ والأنهار .

نريد مِن عَلَمِكَ أن تخفقَ عليه صورةُ صَفصافةٍ او نخلة

فتكون المحبةُ أنساغاً لساريتهِ .

ونبضاً يتباعد ويتشذَّر .

إنني أعرف أنَّ في المناشدة هذه مرارةً ولكنْ بالإمكان جعلُها مرارةً لذيذةً كمرارة قهوتك !

  

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com