خواطـر

 

كيفَ أحملُ الأرضَ؟ .. كيفَ تحملُني؟ 

 

نائلة خطيب – عودة الله  

حينَ تنطفيءُ  الشمسُ , تعانقُ فرسانها وخيولََها لتحملنا عبئا روحيا مهوّلا من فرط صدقها في ممارسة الغياب, هي التي عوّدتنا أنْ نكونْ أقوياءَ بفعل نورها الشديد : بهاءً وسطوعا. ضياؤها المنشورُ في جوار الأرض ,وفي كلِّ ركن من السّماء, تتركنا متفسّخين.......ظلاميين بأسمائنا ونفوسنا وفوضانا , وكأنَّ حقبة الإرادة والقوه قد تبدّدتْ, وكأنَّ الأمنَ قد امتلكه اللصوصُ رغم أنفنا.

نحن ضعافٌ, مزاجيّون, نحتاجُ لعملاق كونيٍٍّ يجعلنا أقوياءَ .....شرفاء في بلاد اليأس الدائرية الصّماء.

الشمسُ هي الحقيقة بصفائها, بطهرها, واصفرارها, شئنا أم أبينا, حتى حرارتها العظيمة وزحفها الطويل  تعاليها فوق انفعالات أمواجنا المتلاطمة من الضياع .

الآن أنا حاضرة, لم يفاجئْني أنَّ الشمسَ تعرفني بتأثري واحتضار محيطي القريب الدائم الهذيان, أحملُ شعلتي الحرّة ,وأرفع رايتي العالية , وأستشهدُ في كلِّ ليلةٍ ككلِّ الناس حبا لها ,حين تنتصب وتطفيءُ حريقها الأعظم فتشبهنا إلى حدٍّ ما, ثم تأتي نسماتُ البرد لتعلّمنا الاعتدالَ في لحظة واحدة من الزمن, بل لتروّضنا قسرا  على الصبر في مستنقع الليل  وعتمة الزوال, يلوّثنا السّوادُ فنصمت, نتمرّغ فيه فنذبل, حتى في أحلامنا نختنقُ كفاحا بحثا عن الضوء , ونحن  نعيشُ جحيما بحجم ذلك الضوء دون أنْ ندري.

كلنا نخافُ من الشمس  , ونحتاجُها بنفس الآن , لأنها تكشفنا, تعرينا, تفاجئنا , وتزيد انفعالاتنا فنحاولُ الهروب باحثين عن ظلال الأرض و السماء, أو تحت ظلِّ غيمة,  لكنْ لا نستطيع العيش دونها , فهي الوفاءُ الوحيدُ في جحيم العدم, أليس كذلك؟

نحبُّ المطرَ, نعشقُه ,  يغسلنا ويروينا, يلطّفُ انفعالاتنا المتواصلة , ويبللُ أحلامنا الجافة ويُخفي ذلك الضّوءَ المستهتر القابع في الأعلى, نحبُّه حاجبا الضوءَ, يحمينا من أنفسنا, وكلما ازدادتْ غزارته  ازددْنا شعورا بالرثاء, زخاته تضرب أفكارنا وأخطاءنا وكأنها تعنّفنا فنشعر بالرثاء والرضى والشفقة و العنف .

قليلٌ من المطر, قليلٌ من الحب, ينظف كلَّ شيء, يلطفُ كلَّ شيء, يبرد كلَّ شيء, لكنه يغرقنا في التأمّل والتساؤل بينما تدفعنا الشمسُ للحركة والبحث والفضول.

وبعيدا عن الشمس والمطر, هناك  ساعاتُ الليل الحالكةُ  قبل طلوع الفجر, حيثُ نكونُ أنقى .. أصفى..أرقَّ.

حين كنتُ طفلة صغيرة  اعتقدْتُ أنَّ الله يبقى مستيقظا حتى الصباح ليحضرَ الكثير من أعواد الثقاب , ويشعل لنا الشمس كما كانتْ جدتي الحبيبة تشعلُ الحطب عند الفجر لتحضرَ لنا الخبز الشهيّ, وحين كنتُ أراقبها  أحسستُ بملايين الشموع تُضاءُ بفعل أنفاسها المحبة , لتتوهّج بها أحلامي, والآن كبرْنا وأصبحَ ضوءُ الشموع خافتا لا يمتدُّ لأيِّ مكان, حتى أنه لم يعد متلونا كما كان , بل باتَ محاصرا,  تمهيدا للانطفاء.

كنا نرسمُ للشمس ابتسامة بشرية . أتذكرون؟

 كمْ كنا سعداء ..مبتهجين : لم نحسَ بأنّا بشرٌ, .بل أرواحُ ملائكةٍ على الأرض  .

أيتها الأرضُ : كيف أحملكِ ؟

كيف أتنفسُكِ ؟  

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com