خواطـر

وردة الشبّـوي

 

د . مـي الطـه

تزهرُ ليـلاً.. .. صيفاً وشتاءْ، وتتسلقُ على سيـاج دارنـا في الصليـخ، بحيث يستترُ بين أوراقها ضوء باب الحوش.

فيما كان المـارون .. يظننون أن الضوء أخضر أو يميلَ له، لم يكن، بل كان إنعكاس الضياء الأبيض في بحرأوراقها الشفافة الخضراء .

ولهـا أريـج ... وأي أريـج

يخترق الذاكرة َ على مـدى الحيـاة، ويخترقُ الرئـةَ وأعمق قصبةٍ فيها على بضـع مسافاتْ ... وتحية مجانية لكل من يقترب من عتبتنا .. يردهـا لنا بكلمة " أ ُفيـش " ...........

مـزيجٌ تـاريخي وأسطوري، من رائحة بخـور العـود وقداح الرارنـج . عَلِقَ في نفسـي وفي روحـي ليلة َ أن غادرتُ بغـداد واقترن بـها ... ليلة الحادي والثلاثين من كانون الثاني .. لا أدري .. هل هي طرفة ٌ أم صدفة ٌ !؟ أطول

مضمون كلمات لعنوان تـاريخ ليلة واحدة ....

كنت أخـاف من الأغتيـالْ .. ومـا أدرانـي أنني في الغربة كل يومٍ في أغتيـالْ ......

كل يـوم ٍ .. أبحـث عن بديـل ٍ في زوايا ذاكرتـي

كل يـوم ٍ .. أبحـث عن بقايـا الشبوّي في رئتـي

كان الوداع سـؤال ........ ؟

بغـدادُ نجمـة ٌ

سـقطتْ .... !

مـا سقطـتْ ... ؟

كيـف سأودع ُ السـؤال ؟

وكل شـيءٍ على وجـههِ بانَ وانقلـبْ

أم بغـداد ُ مجـردُ مدينـة ٍ؟

مجـرد ُ مدينـة ٍ في لـهب ْ

وأنـا بضع إنسـان ْ

أم صـار للفم ِ دمـوع ٌ

وصـار للعيـون ِ لسـان ْ

ثلاثة عشـر عـام ْ .......

ننتـظرُ وأنتـظرُ الضيـاءَ

في آخـر نفق ِ الظـلام ْ

أجلّـتُ الأبتسـام ْ

حصـارٌ .. على حصـارٍ .. عامٌ بعـد عـام ْ

حتـى اعتقـدتُ أن الفرحَ خطيئـة ٌ

أو ربـما حـرام ْ

وتقشـفت ُ في الكلام ْ

على أمـل ٍ .. في صباح يوم ٍ أو في مسـاء ْ

أن لا يـكون هنـاك علينـا حصـارْ

أو أن نعرف أسـرارَ السـماء ْ

أرى المجهول يومـها أجمـل ُ

ممـا هو اليـوم َ عندي معلومـا

قضيـت ُ تلك الليلة، قضيتها في الحديـقة، أمـارس هوايتي رشَّ الحديقة، أودع هوايتي رشَّ الحديـقة، بالرغم من تحذيرات أمـي .. لا تخرجي حتـى الى الحديـقة .. قضيت ليلة الوداع أسـقي زهـر الشبوّي، وأتمسـكُ بيـد ٍ تتراخـى أن تتمسك بي .. تنفستها وملئت رئتي منها ..

لفيـت ودُرت في الحديـقة .. تفقدّتُ البـرحيـة َ ( آل طه ) يسمون تمـر البرحـي مـاكنتوش ! الى درجة كنت أعتقد أن هذا هو أسمه من صـدكَـ ( حقـاً )، وتفقدت التينـة َ .. وكيف خبأت بيبي نجيّـة ( جدتي)

في ذيـل فوطتـها العطرة قلم ( برعم ) التين، وشهدت زراعتها له وبشائر قطافها .. وتفقدت العرمـوطة َ .. الله الله .. كان الكَـراج يكتسـي بسجادة بيضـاء من فرط وردهـا المتساقط كل ربيـع، وتؤسس بأغصانها

وأوراقهـا المجنونة سقفاً لـه .. وتحتلها أعشـاش العصافير وتستحيل عند الغروب الى ساحة عمليات ومعارك زقزقية تقص العصافير لبعضها البعض ماذا فعلت طوال النهار وتغفو فجأةً، وذات يوم قررت أمـي معاقبة العرموطـة لأنـها توسخ الكَراج .. فقطعـت أختها .. وظلت وحدهـا . كنـا نُصدر علب مربـى ( الكمبوت ) العرمـوط للكَـرايب والحبايب والجيـران .. ولا تخـلو مائدة أفطـارنا طوال العـام منها، وتفقدت قمرية العنـب الكشمشي، كم تسابقنا مع العصافير ؟ وكم لهونا معهم ؟ لأننا لا نجني العنب الى أن يتحول ويصير كشمش، وتفقدت الزيتونة َ .. وتجاوزتُ بالمـاء حتى طـال شجرة الموز في بيت جـارتنا ( أم عمـر ) .

كانت ليلة بـاردة .. لكن قشعريرة وحشتي وغربتي أبرد، لفنـي صـراخ .. ثم تبين لي أنه أخرس، أصرخ في داخلي وأتلفّت، ظني أن الليل والظلام سيسمعان ندائي أو سيصرخان معـي .

حدث كبيـرهي تلك الليلة .. ليلة وداع الشبوّي .. حدثٌ ترتّصُ قبله وبعده كل حادثـات حياتي .. .. في تلك اللحظـات وأنا أعبث بالماء كما أشاء وأتنفس كيفما أشاء وأغازل الأشجار وأغـازل التراب .. وأثرثر في سـري ...

أين سأذهب ؟ أين عسايَ أرحل ؟ ومتى سـأعود ؟ كنت أنتظـر لوتتكلم الأشجار وتجيب .. كانت لحظـات سـخية بالوجـع .. أذلنـي الوجع في تلك اللحظـات .. وأذلني الجـواب .. كم تمنيت لوكنت شجرة !

معظـم ما وضعت في حقيبتي الصغيرة .. أوراق .. وعطرٌ رخيص، تبين لي من بعد أنه عطرٌ للرجـال .... لا صور .. لا ذكـريات .. لا كتب .. تركت الكتب تفكر وحدهـا هنـاك ..

أنـا أحاول .. أن أرصـد لكم ذكريـات تلك الليلة، لكن المترسب الباقي في ذاكرتي هو أريـج الشبوّي، أو إن منظـاري عليل ومكسـور .

هـا .. ماذا تريدون ؟ تريدون الأختصـار ..................................

حسـناً حسـناً بلغة الأرقـام : إذا مـا وضعت 100 زهرة شبوّي فأن راحـة اليد تكفي لأن تقبض عليها جميعاً .. بعدهـا ستقدرون ضآئلة وصغرحجم وردة الشبوّي .... وبلغة الأرقـام أيضاً .. أنـا مهاجرة من ضمن أربعة ملايين مهاجر .. ولكـن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ولكـن ؟؟؟؟؟؟

هنـاك أربعة ملايين ليلة وداع ...................................................

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com