خواطـر

كيلانيات (مطارق نهد)

 

عبدالكريم الكيلاني

مذ وطأت أقدامي أرض خريف الأحلام، غادرتُ نساء يقيني، وتلحّفتُ بأهداب الصمت، أستجدي بارقة الهفوات، أموءُ كهرّ كهل أطلَقه ذاك المتربص بي من خلفِ ستائر كلماتي المجنونة، أحترق كشمعة ميلاد في أحضان الليل، لا احد يطوّق جسدي الذابل غير صدى مطر أسمعه وهو يدقّ الباب، في باحة نزقي الخالد، ترتطم جذوع الماء، في نهر حروفي برسائل بيضاء، كانت تحكي لنوارس دجلة عن غزواتي وسذاجة عاطفتي، أبحث عن طرقاتٍ تأخذني لمدائن ليست كالمدن المحفورة في ذاكرة الممسوسين، أقترف الإثم لعلّي أحظى بهنيهة زهدْ، أتسلّق جدران الليل بمخالب من يأس، يومياً يرشقني الناسُ، بنبال مسمومة، وكأني إبليس العصر،  والحلاّج يحدّق بي من ثقب التاريخ، يضحك ملء عيونه، أتخيّل غابات نهود عذارى يتمايلن كريح فوق أصابع قلبي، والساسة يحتلمون نهارا، يحتفلون بنصر جلبته الأجساد إليهم، وكأن ملاذ خفاياهم سرّ من أسرار الكون، مطرقة الوقت تدندن كالغانية العرجاء في حضرة رواد الليل، تحرق لحظات النشوة فينا، تسحقنا تحت النهد الثائر دون عناء .

أتنفّس فخّ الساعات المجهولة يوميا ً، وطنين البندول يمزّق سُتُر الوقت النابض بي، أشقّ وريقاتي لأعود بعيدا حتى من عبث الكلمات، أختزل سنين الموصل في بضعة أدمُعْ، وكأني لم أولد بعدً، كأني لم أتلوى جوعا بين شوارعها يوما ما، ولم أتغزّل بصباياها لحظة حب، وكأن هروبي منها أبعدني عنها، لازلت أمارس طقسي فيها وأنا أغفو يوميا بين يديها كرضيع أسهده السهد .

أيتها المدينة البائسة, أطلقي نهودك للعلن, وحرري حشرجات شوارعك المدفونة في الرمل، فلا الأوبئة ستنتهي، و لا الغانيات ستعتكفن، و لا المخادع ستتوقف عن الهيجان من هول الخنوع، ألم تتكلم الهزائم بعد !, ألما تحتفل العقارب بطلوع أسنّتها وجنوح سمّها إلى التلاشي !.

أيها المعتكف في سرادق تسميها أنت مقاهي، منذ سنين عاجلة، أخبرتك أن لا مهرب، فالعالم حولك عقرب، ولم تصخ السمع، فهانحن، أنا وأنت، نتوارى رويدا رويدا عن الوجود،  أنها مطارق النهد، تحرق ما تبقى لنا من كبرياء .

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com