خواطـر

هل كنا معا!؟

سميرة الوردي

هل حقا كنا نلتقي في تلك الأماسي لنستعد للوقوف على خشبة المسرح! 

وهل دوامة العمر ومصائبه أقوى من شرايين الحياة ونسجها!

أتصفح هذا الاختراع العجيب الأنترنيت الذي يصلنا جاهزا ونحن في عزلتنا التي فرضتها ظروف الحياة، نبحث عن مبرر لوجودنا، نغذي به الروح، فربما خبر هنا وآخر هناك يشفي سقم الحياة التي نحياها، أو يمنح بعض الطيب لفم تملؤه المرارة والحزن كل يوم وأنى تلفت، ولكن ويا للأسف فحلاوته معجونة بسم زعاف، علينا تحملها، لأن هذا قدرنا . من منا لم يأنس لصوت زكية خليفة ! ذي النبرة الريفية الوادعة، عرفتها وأنا أتلفت مترددة من قبولي لدور بسيط في مسرحية النخلة والجيران فالأهل والأحبة لايرتضون بصعود ابنتهم على خشبة المسرح أو بالظهور على الشاشة الصغيرة، التقيتها في تلك الأماسي التي قضيناها خلف الكواليس في انتظار خروجنا على خشبة المسرح، من منا لم يسمع نبرتها الأليفة الممتلئة أُمومة وحناناً وهي تسرد لنا حكاياتها وأحلامها وتبث فينا نحن الجيل الجديد الأمل، أي أمل بقي لنا ونحن نودع أحبتنا واحدا تلو الآخر ! .

كنا في قمة النشاط والشباب والمرح، نتوافد على قاعة المسرح، متأملين عرضا متجددا لمسرحية النخلة والجيران، إنها المسرحية التي لابد أن يتوقف عندها دارسوا المسرح العراقي طويلا، لما حملته في ثناياها من أعمال مسرحية واعدة، تمثيلا وإخراجا ونصا، وحتى ممثلين تلك المسرحية التي جمعت معظم أعضاء فرقة المسرح الفني الحديث، وآخرين من خارج الفرقة .

كنت حديثة الانتماء ولم ترتض عائلتي أن أسلك هذا الطريق ولكني سلكته، ولم يكن لي دور فعلي بالمسرحية لأن حضوري كان ما قبل اليوم الأخير للعرض، الا أني شاركت برغم شعوري بما سأجنيه من لوم وتأنيب، كانت الفنانة زكية تدرك بإحساسها الإجتماعي والثقافي والسياسي الواعي ما أنا فيه من حرج فتخفف عني بابتسامتها الدائمة مشجعة ومتوقعة لي النجاح، وبأني سأحقق ما أطمح اليه من وقوفي على خشبة المسرح، عابرة كل مايعترضني من عقبات .

 كانت لقاءاتنا تلك اجتماعات عفوية، نُنضح فيها أحلامنا وأمالنا لتنصب في نهاية المطاف لفائدة ما نقدمه من عمل فني نرتقي به ويرتقي بنا، تعاملنا كأولاد لها، تخاف علينا من أي عثرة قد تودي بنا، ولكن ويا للأسف لم يستقم الأمر كما كنا نحلم بمسرح حر يستعصي على الطغاة إذ سرعان ما فرقنا الإستبداد .

كنت أقرأ في ديوان الشاعر  ناظم حكمت وأكتب على دفتر معي، عندما دخلت قاعة مسرح بغداد وجلست الى جنبي متسائلة : ماذا تفعلين سميرة؟ جاءت زيارتها للمسرح بعد مدة طويلة لانشغالها بالعمل في المسرح الفلاحي ولانشغالنا ببروفات مسرحية نفوس، كان ما يربطنا ببعضنا  أكثر من مجرد عمل مسرحي أو فني فالعلاقة الفكرية والروحية كانت هي الطابع الذي ميز فنانات المسرح الفني الحديث عن سواهن، تلك المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن والفن .

أجبتها ضاحكة : أقرأ ديوان ناظم حكمت ( الى ولدي محمد ) وأكتب مسرحية تكون افتتاحية  فصولها أبيات شعرية من الديوان . ابتسمت شادةً على يدي وهل ستستطيعين إنجازها ؟

أجبتها : لا أدري فمطاردات الأمن بدأت، ومازلت اسير خفية الى بيتنا فهل سأنجزها ؟ !

  هذا ما سيُخبرك به الغد . وهكذا أصبح الغد سنوات مكتظة بالحزن والموت .

هناك على أطراف العالم ودعت العمة زكية حياتها، بعيدة عن أحب ماربطها بالحياه الوطن والمسرح حيث سبقتها الى نفس النهاية زميلة رائعة لنا الفنانة زينب، فهل ياترى سيضيق الوطن بأبنائه !

 وهل ستكون مصائرنا متشابهة ؟!!!

أنا طائرٌ نورسي يحلق بين الواقع والخيال شاءت الصقور ذلك ام أبت!

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com