خواطـر

غابتي الصغيرة 

 

حنان الغريب/ بوسطن

كما نتكوم في الأحلام ليلا لنسرق منها ما عجز الواقع عن منحنا إياه .. كنت كل أسبوع أرتمي في أحظان هذه الغابة لأعيش تلك الحكايا الصغيرة التي قرأتها وعشتها في الكتب والقصص الملونة بخضرتها .. وطفولتنا الكالحة ..

في  كل أسبوع لي لقاء معها .. اغيب في دهاليز خضرتها وأسرارها الملونة بلهفة الإكتشاف .. فأعود طفلة تعانق فضولها وعطشها لمعرفة الغابات وأسرارها .. تلك الأسرار التي قرأنا عنها وحلمنا باكتشافها يوما ..

 وحين هبطت إليها من سماء القصص والورق الملون إلى أرضها المكسوة  بالأوراق والثمر ..

كان كل شئٍ مختلفا حتى رائحة الهواء ...

ووجدتني أستحضر تلك القصص التي رافقت طفولتي البعيدة ..

عالم الحكايات والقصص الخيالية ..الأوراق الصفراء تفترش الأرض وتعانق ذلك الضجيج الندي الذي تحدثه العصافير...

ثمة توائم عجيب في المخلوقات التي تسكن الغابة فهاهو السنجاب يتسلق أغصانها فيما تستقر البلابل في أعلى الشجرة..

 تتبدد أمامي صورة ذلك الصراع الذي رسموه لنا وأكاد أبدل تلك المقولة التي أصبحت شعارا فيما بعد (صراع من أجل البقاء ) لأحولها الى (محبة من أجل البقاء)

إنه أول درس علّمتنا إياه الطبيعة .. فهل من معتبر! 

مددت خطواتي العاشقة ورحت أمعن في اكتشاف سحرها .. وبين خطوة وأخرى كنت أتوقع أن أجد الأميرة النائمة بانتظار قبلة الحياة .. وأتذكر كم من أميرة ظلت مستسلمة لنومها قبل أن تأتيها تلك القبلة المستحيلة !

 أواصل سيري باللهفة ذاتها ..

ربما خطوات بيني وبين الأميرة ..

أو قد تسبقها ليلى التي ستمر من أمامي مسرعة وهي تركض لكي لايلحق بها الذئب ..

وعلى الأرجح سألتقي بالذئب الذي سأوهمه بأنني ليلى لعله يسرقني إلى قلب هذه الغابة ..بعيدا عن ذلك الضجيج .. وذلك الهواء المصنّع والوجوه الإصطناعية ..

يباغت أحلامي صوت ما على الشجرة .. أرفع رأسي نحوه فإذا به ذلك السنجاب الصغير الذي يلاحقني برشاقة حركاته وسرعته الكبيرة في القفز ..

بمنتهى الطفولة يخرج صوتي اليه : صباح الخير

لايبدو مكتفيا بصباح الخير .. فوقوفه وحركة ذيلة تؤكدان ذلك !

تقفز إلى رأسي فكرة إطعامه من البسكويت الذي أحمله في حقيبتي ..

 أرمي له بقطعة بسكويت صغيرة فيما أبتعد قليلا للخلف  ... لم يلبث طويلا حتى أسرع اليها والتقطها بين فكيه وراح يتسلق الشجرة أمام نظراتي التي بقيت تلاحقه باندهاش ..

 غادرني السنجاب الى عزلتي المضببة بخضرة غابة راودتني عن أحلامي فنزلت إليها بقيافة طفولتي البعيدة..

تلك الوجوه الغائبة ..

وجه الوطن المعتم خلف سحب الدخان والخوف والموت ..

فجأة ضافت شاشة الرؤى بما استعادته أمامي من تلك المحرقة ألتي أتت على خضار الوطن ..

الورود التي لم تعد تنبت إلا فوق قبور من نحب ..

الأغاني التي ارتدت أنين المراثي

 وأنا التي تحاول عبثا غرس جذورها في هذه الجنان من جديد ..

 كان السنجاب قد هرب بعيدا..

 وكنت مازلت أحاول غرس جذوري العالقة في تلك الأرض .. المحرقة

التي تدعى وطن .

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com