|
خواطـر مرثية جرح لن يندمل
بشرى عبد الأمير
أه يا أختاه بيني وبينك مسافة قدرٍ تربصت بك دوائره، شقاء بغيض حالف أوراق عمرك البسيطة... كيف لي أن أصف طوق الرق الذي أحاط بجيدك البلوري يا غالية! والضيم السافر الذي جعلك أسيرة مَن كانت القسوة طبعه والتسلط اللئيم سمة...أذكر جيداً دموعاً الفتها محاجرك، منذ صباك لموعد نزول الحافرة، زمن سقط تحت سطوة شريك لا يستحق وسام الشراكة، رجل نكرة لا يحترم النساء أراكِ من الخديعة أشكالها، أشدها الليالي العبوس التي كشفت زيف إدعاء الإيمان والتشدق بعلامة تعفير الجبين الظاهرة في الوجه.. زوج لم يتق الله فيك طرفة عين أبدا، جلدك بسياط الغلظة المهينة وسقاك كؤوسا مرة بطعم العلقم . أدخلك ذات شتاء بارد متحفا أجواءه تروي العبودية وزمن الجواري، تمنى وهو يتفحص بقايا الماضين لو كنت قارورة البكاء المركونة في أحدى الزوايا المظلمة...قارورة من الزجاج الملون صنعت خصيصا كي تجمع بها نساء ذلك العهد سيل نحيبها ذلا وهوانا. شقيقة القلب.. حتى رحيلك عن دنيا المظالم الموحشة لم ينصفك! هكذا أنت حين شدك الشوق لأحضان الوطن الجريح بعد أن وضعت حرب الخليج الثانية أوزارها، ومنحت الإرادة الدولية مناطق الشمال الحزام الآمن، نزلت مع من نزلوا الأرض العراقية في كردستان.. ولا ندرك أهي مشيئة السماء أم جبروت رجل أرسلك وحيدة مع الغرباء لتحل فجيعتك مستعجلة موتك على أيد نفوس ظالمة آثمة شريرة، أخفت بصمات جرمها بدهاء جبان، وجاءوا بخبر مصرعك عطشا ثم قالوا بضربة على رأسك الجميلة، بعدها عادوا ليتحدثوا عن مجهولة عملت مع النظام البائد دست السم لك في الماء وتركتك في جوف الليل مع الألم يقطع أحشاءك، لترحل روحك البريئة صوب الملكوت الأعلى شاكية خبث الجناة. توأم الروح أخبرك بمناسبة ذكرى رحيلك التعسفي أن سعير حزني عليك لن يهدأ أواره أبدا، لأنك طيبة هادئة قريبة من الوجدان، حلوة الطباع صابرة على محن الزمان، وان فقدك لغز أذهل أفكارنا.. لماذا؟ وكيف؟ تساؤلات تكررها مآقينا الحائرة، هل ترقدين بسلام على سفوح الجبال البعيدة!ّ من قام بدفنك وأخذ بعزائك!، هل هم القرويون الطيبون الذين يقطنون تلك المناطق النائية في مدينة السليمانية، مبهم سرك، أين قبرك! من الذي تجرأ عليك أيتها الجنوبية الغافية فوق جبال الهموم المديدة! من شهد مصرعك لكي نصدق نبأ فراقك الغاشم؟ ما زلت أحيا على ذكرى منزل ضمنا بعطفه يوماً، بين جدران نقشت أناملنا الصغيرة عليها لوحات المودة والنقاء.. رحلت ورحلنا معها حاملين صناديق أعمالنا أثقالا على الظهور، مدركين أننا لسنا بمخلدين..لا نعلم غيب الآتي من الساعات والسنين، أنفاسنا تسابق عقارب الزمن فلا دورة باتجاه الخلف، ولا تنفعنا توسلات "أرجعوني لعلي اعمل صالحا" بيوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب مؤمن سليم.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |