عودة الى
النــــــــــــــــور
زاحم جهاد مطر
كل شي في هذة الغرفة بلون ابيض ... الجدران ...
الاسرة ... الشبابيك حتى الادوات الصغيرة ... ولكن
ليس ذاك الابيض الذي ينشرة الثلج فوق الجبال
والروابي والاشجار ولاذاك الابيض
الذي يرسمه نورس ابيض جميل في السماء انه لون
الكفن .
وانا مسجى على السرير جردوني من كل شي ... من كل
ملابسي حتى شعري الذكوري وزرعوا جسمي المرتعش
وخاصة صدري اجهزة متنوعة واسلاك ملونة ... انهم
يحاولون ابقائي حيا ... بعد العمليتين الفاشلتين
التي انتهت الاخيرة بانفجار (البالون) في الشريان
التاجي وهذا تطلب القيام بالعملية الثالثة الاكثر
تعقيدا وخطورة ونسبة نجاحها قليلة الى درجة اليأس
وبالرغم من ذلك فقد كنت اراهن في داخلي على انتصار
الحياة على الموت
تمر لحظات قلقة وعصيبة بانتظار الطبيب ... اه كم
تمنيت في تلك اللحظة ان يطول تأخر الطبيب وان
يتعلق الزمن على جسر الصبر والانتظار حتى اتمكن ان
اتذكر وجوه احبتي واصدقائي واهلي حيث لايوجد معي
سوى رفيقة عمري التي اقرأ في عينيها حزنا وقلقا من
نوع اخر ... انة حزن وقلق الوداع الاخير ... اه
منك سيدتي ... اعدك بانه سوف لن يكون وداعا طويلا
... الاتذكرين انه لم يكن ثمة وداع بيني وبينك الا
لفترة قصيرة ... ايام ... اسابيع ... وكعادتي فقد
كنت أنوي ان لا ازعج احدا فقد علمت نفسي طيلة سنين
عمري اتقان هذه المهنه حتى في قمة الامي وعذاباتي
...
اتنفس بصعوبة ... واشعر بأن الثقل الذي على صدري
يزداد شيأ فشيئا وكأني اغوص الى قاع البحر وكمامة
الاوكسجين لم تعد تجدي نفعا ... فشرايين القلب
مغلقة وضاقت حتى على قليل من الهواء فكيف بعد الان
أعبر بهمومي واحزاني من هذه الشرايين , أسائل نفسي
ياترى ما الذي اغلقها ؟؟ هل هي وطأة السنين ؟ ام
تراكمات الهموم والاحزان ؟ ام نتائج القلق والخوف
لسنوات عجاف ؟؟ ام بقايا غدر الاخوان وظلم الخلان
؟ ام صدأ سكاكين الظلم في زمن اصبح نصره الظالم
على المظلوم سنة وشريعة !! ام اصدق الطبيب بان
الكورسترول والتدخين هما السبب ولكن علي ان اعيد
جدولة عواطفي ومشاعري وشفافيتي تجاه الاخرين والا
.. علي الانتظار لانسداد اخر للشرايين ... وهل ثمة
مرة اخرى ؟؟؟
انه أمر عجيب... ان يطلب منك الطبيب ان لا تهتم
بامر نورس يمر سريعا وهو يرسم لون الابيض في سماء
دجلة.. او ان لا تتحمل ثقل الابتسامة في عالم صار
يحترف البكاء .. وان تغفو على وسادة من الفرح
والالق ومن حولك مصيرهم الحزن والالم .. وان لا
تتأثر لدمعة طفل اولاهة عجوز او على الاقل ان لا
اتاثر بباقات الورد التي ارسلها بعض الاصدقاء وهي
تتنفس رائحة الادوية والعقاقير وتذبل ساعة بعد
ساعه .
يمر الوقت ويضيق الافق كحدقة عيني التي ينفذ نورها
ولا تعد ترى بريق الدموع المتلئلئة في عيون
الحاضرين ... وفجأة يغافلني الطبيب بابتسامة تخفي
خلفها يأسا وقلقا واحاول ان اودع من حولي بالامي
المبتسمة التي اتقنتها دوما كما اتقنت ارتداء
التعب والهموم والمصاعب باناقة ضاحكة حتى كان
البعض يحسدني على هذا النوع من التحمل للالم
والاوجاع .
وتحت الاضوية ... يأتيني صوت رقيق من وجه جميل
يقترب من وجهي :
- هلو ... كيف الحال ... انا طبيبة التخدير ...
ايمان ... سوف اعتني بك ... ولكن عندي طلب !
- وما طلبك سيدتي ؟
- اريد ان تقرأ لي ابياتا من الشعر ... !!
حاولت كل جهدي ان البي طلبها ... فتمتمت :
ايمان
احلامي ترحل مع الغيوم
تودعني بمناديل بيضاء
وتتخلل رائحة الموت
أخر انفاسي المحتضرة
ابحث بلا جدوى عن وجهي
فلا اجد غير شبحي
يحدق بي
واللون الازرق الداكن
يغطي كل عروقه
انة ليس الازرق الذي بلون البحر والسماء
ايمان
هل تريدين ان اصبح عصفورا بجناحين فضيتين
في هذا الفردوس العنيف
هل تريدين ان اقول
وداعا ايتها الضجة
هل ادع نفسي تسقط !!
لا... لن ادع نفسي تسقط
نفسي لن تسقط
أحبتي ... في مركز النور وفي المثقف وعراق الغد
وشبكة الناصرية وعروس الاهوار ....وفي كل المواقع
... وفي المنظمة العراقية لازالة الالغام ...
احبتي في كل مكان اعود اليكم ... بقلب لا يزال يأن
من الوجع .. واطراف ترجو المساعدة عند الحركة ...
و بعيون زائغة مرتعشة وبقلم يريد الافلات من بين
اصابعي كأيامي .... اعود اليكم لاتواصل معكم واحمل
همومكم و متاعبكم ومشاعركم ... وانا الان اكثر
سعادة من اي وقت مضى ليس لان نفسي لم تسقط فقط بل
لان قلبي عاش من جديد بحبكم ... انها عودة جديدة
الى النـــور