شعر

  

نبع الحياة

 

د. بهجت عباس

في النصف الأول من الستينات من القرن الماضي وفي القطاع الشرقي من برلين

وعلى كتف ( تحت أشجار الزيزفون Unter den Linden )، الشارع الجميل، تقع مقهى الصحافة Presse Café

 

يرتادها الوزير والأجير،

والصحفي والطالب الفقير،

تغصّ بالصَّـبايا الملاح،

يأتون من كل حدب وصوب،

يتـنادمون ويشربون ويضحكون.

كان جالساً مطرقاُ يفكـر في وطنه

الذي اغتاله الـفاشـيون والغجـر.

جلس إلى جنـبه صحفي ألمـاني،

نظر إليه ملـيّـاً وسأله :

من أيِّ بلد أنت؟

أجـابه الكـئـيـب :

من العراق!

أنـا من العـراق

من بلد الدمـوع والضَّـحايا

أنـا من الأرض التي يعـمّـُها الضَّـبابُ والظَّـلامْ

وتـُحـجَـز ُ الآراءُ

حـقـَّتْ عليها لعـنة ُالسَّـماءْ

 فنَـضَـبتْ مياهـُها وذبَـلـتْ أزهـارُها

وغاب عن حقـولِـها المـطرْ

فاصـفرَّ فيها العشبُ ينعى حظَّـه الكئيبْ

وزاغ في سمـائـها البصـرْ

فتمتمَ الآخـرُ مُستـفـهماً

وكيف حال المـرأة الفـتَـيِّـة ؟

هـل تعـملُ ؟

وهـلْ تـُرى تخـرج في حـريّـة ؟

في الحقل أم في مصـنع ٍتشـتـغـلُ ؟

أجـابَ : ليس كلَّـهـُنَّ

إنَّ لنـا تـُراثـَنـا العتـيد

ومـجـدَنـا المُـخَـلـَّد التـَّلـيد

أجـابَه : يا سيِّـدي إنَّ الذي تقـولُ

ليس له من صحـِّةٍ أصـولُ

فَـلوْ لديكمْ كانتِ المعـامـلُ

وانتـعشتْ بمـائـها الخمـائلُ

وغمَـرَتـْكمْ سـُحـُب ٌ هـواطـلُ

لكسَـرتْ قيـودَهـا العـوائـلُ

لكنكمْ تـُعـوزكمْ صـناعة

فأطرق المسكين في قنـاعة

 وبعد أن جاءتْ عقود أربعـة

مـرَّتْ كـكابـوس على العراقْ

فأظلَمتْ سمـاؤُه وغـارَ فيها مـاؤهُ

واسـودَّتِ الآفـاقْ

وبعد أنْ تحطَّـمتْ سلاسلُ الأعناقْ

لمْ يجـدِ العراقُ مـا قد ضيَّـعه

فتـاهَ في الأحلام والآمـالْ

وجاءت الذ ِّئـابْ

تـفـتـكُ بالأشجار والبشـرْ

وتطَـأ الحـقـوقَ بالأقـدامْ

ونصّبوا حاشيةً تخشى من التـفكير والكلامْ

فتـبعث الأوهـامْ

فَهُضِمَتْ حـقـوقـُها، المرأة الجميـلة

لذا على الدوام طاح حظّـُـنا

لأنـَّنا دوماً بساق ٍواحـدة

لأنّنـا بأذرع ٍ يتيـمة

نحـارب الأعـداءْ

ونـقبـل الهزيمـة

نعـرج في مَشـيـتـنا لا نبلغ الأهـدافْ

وغيرُنـا ينـتـزع الدّ ُرَّ مـن الأصدافْ

فـهلْ رأيتمْ طائـراً يطيـر في السـَّماءْ

وذا جنـاح ٍ واحـدة ؟

نسـتـرق السَّـمعَ بأ ُذنيْ فرس ٍ

ونـُبصر الدّ ُنـيـا بعين راقـدة

وهـل سمعـتمْ مرة بامرأة قد أحرقتْ بلادَها

وقادتِ الشَّعبَ إلى الفـناءْ ؟

لا تظلموهـا! إنَّـها زوجتـُكمْ

وإنـَّها أمّـكمُ وأخـتـُكمُ وابنتـكمْ

يا من بكم قد فاخرتْ صحائفُ الظَّلام

يا من بكمْ قد بـُلِـيَ العراق والأنـامْ

كان لنا يوماً زعيم طيِّـب أراد أن يحتطبَ النجومْ

ويخطفَ القمرْ

ليـُسعِـدَ البشرْ

أراد أنْ يـُحرِّرَ المرأة من قيودهـا

وينسفَ القدرْ

لكنـَّهم، عنـاصرَ الظَّـلام والغـجـرْ،

قد ذبحـوا الصَّـباحَ من وريـده

واقـتـلعوا الأشجـارَ من جـذورها

وعصـفوا بالروح والحياةِ

وأحرقوا الغـاباتِ

ورجعوا بالبلد المنكـوبْ

إلى عـهود غابـرة

مُـخضَّـباً بالدم والنّـدوبْ

وأسدل الظلام أستاراً على العقول والفِـكَـرْ

وكان للمرأة حظ ّ عاثر

قد يوجب النِّـضال!

 

                                                

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com