كريم جثير
هلْ أرثيكَ؟
أَمْ أرثي نفسي؟
أَمْ أَرثي البلادَ التي شردَّتنا؟
وأَمرضَتْنا
وأوهنتْ قلوبَنا التي كانتْ
نابضةً
وعاشقةً ... وخضراءَ
خضراءُ كحقولِ الفراتِ
وبساتينِ دجلة القمرية؟
* كريم جثير
أهكذا تغادرُنا؟
أهكذا تغدرُنا؟
مَنْ الذي غدرَ مَنْ؟
أَنتَ؟ ام نحن ..أَصدقاؤك الثكالى؟
أَم قلبُك الذي كنا نعرفهُ
نابضاً بكلِّ مافي الحياةِ
من أُمنياتٍ وأَحلامٍ
وطقوسٍ كرنفاليةٍ
ونعرفكَ عاشقاً مهووساً
( آخ … أَينَ فاطمتُك البتول؟
ترى: هل هي الآنَ تعلمُ
بأنَّ ذاكَ القلب
الذي كانَ يعشقها
حدَّ الهيام والجنونْ
يمكنُ أن يخونْ
ويتوقفَ فجأةً
عن الرفيفِ
والغناءِ والظنونْ)؟
كريم جثير
قررتُ أَنْ لاأَبكيكَ
ولا أَرثيكَ
لأَنكَ لايليقُ بكَ الحدادُ
ولاالرثاءْ
فأَنتَ نبيُّ أَعزلٌ
والحدادُ لايليقُ بالانبياءْ.
كريم جثير
كيفَ لي … كيفَ لنا؟
أن نتناسى محاولاتك
وابتكاراتك الدرامية :
أيام سبعينيات بغداد الذهبية
حيث ُ مدينةً الثورة
وحيثُ معهد الفنون الجميلة
وحيثُ ( طارق هاشم وعباس الحربي
وكريم رشيد والبنات المتمردات على
سلطة العشيرة والحكومة والرب القاسي والقاصي والناسي؟)
وكيف لنا ان ننسى
* مسرح البيت
حين حوَّلتَ بيتَ ( جثير وموحه )
الى منصةٍ وركحٍ .. هو مسرحٌ
تتلألأُ فيه ( النجوم
في السماءالبعيدة )
وكذلك( الاقنعة ) التي كنتَ
ترتديها او تمزقُها
لتتخفى – تقيةً – وحذراً ومخاوف
اولتحكي وتقولَ وتومئَ وتفضحَ :
قسوةَ السلطوي
وبشاعةَ الديكتاتوري
ووضاعةَ الحزبي والسوقي
والوصولي والاصولي
والبطولي الزائف والمنحط .
كريم جثير :
كيفَ لي – لنا
أَن لا نتذكَّرَ رفضَكَ
وغضبَكَ وتمردَكَ المبكر
على الاعرافِ والشعاراتِ
والتابوهاتِ والدكاكينِ المؤدجلةِ
بإ ستثناءِ البيتِ – الفكرةِ
التي هي حلمُ ومأوى
الفقراءِ والشغيلةِ الطيبين
الفكرةُ التي قادتْكَ ذاتَ مداهمةٍ
وذاتَ وشايةٍ
وذاتَ حكايةٍ
الى دهاليزِ
ومعتقلاتِ عسسِ الظلام؟
التي لم تنقذكَ منها غيرُ:
قوةِ السحرِِ
وآلهةِ الشعرِ
ودعاءِ الوالدةِ النقيةِ والبريئةِ
لأَنها من ( أهل الله )
وأنتَ محروسُها :
( بجاه اهل البيت
تروح وترجع بالسلامه)
ولكنَّ البيتَ ياصديقنا الحالم
والعالم … بما هو : قادم
ضاقَ عليكَ – علينا
ولم يَعُدْ يحميكَ أو يحمينا
أو حتى يأويكَ أو يأوينا
فهجرتُه – هجرناهْ
آهْ ….
كلٌّ يبكي في محنتهِ…
وكلٌّ يذوي في منفاهْ
( والمصيبه
بهاي دنيانه العجيبه
بهاي دورات الزمنْ
صرنا نبحث عن أمان
وعن خبز
لو بعمان الفقيره
ولو ابيبان اليمن ..
ترضه يالله
ترضه ياالاسمك
وطن )؟
وياكريم بن جثير
لاانسى – لاننسى
رحلتك اليمنية
وغربتك القسرية
وعذاباتكَ من اجلِ البقاءْ
وحسرتكَ من وشاياتِ
وظلمِ الاصدقاءْ
وعناءاتكَ
ومباهجكَ ورغائبكَ
في حضرةِ وحسرةِ
المرأةِ الكونيةِ
والمرأةِ الوقتيةِ
والمرأةِ العائليةِ
ولكنَّ المدهشَ فيكَ
أنكَ اختصرتَ صنعاءَ
في ( مقيلْ )
وأقلقتُها وسحرتُها
ب ( مسافر ليلْ )
فأصبحتَ يمنياً بالهاجسِ
والفعلِ ونورِِالمحبةِ
أليسَ كذلكَ
ياعبد العزيز المقالح؟
اليسَ كذلكَ
ياعلي عبدالله صالح؟
اليسَ كذلكَ
يا …. يمنْ؟
( هلي … يامَنْ
أنا مجنونْ …
هجيتْ
منهم
من بلادي
وعتبة البيتْ
وشحصَّلت يادنيتي
وشلكَيتْ
غير العذابْ
ودوخة البالْ
وغير الصعابْ
وغربة الحالْ
ياريتني ياربي
ماجيتْ )
ويا … كريم جثير
و ( لأَنَّ الداخل ضيّقٌ )
عليكَ .. علينا
ولأنَّ (الخارجَ لايسعُكَ ) .. ولايسعنا
مضيتَ عميقاً الى الخارجِ
الذي هو داخلٌ في فضاءِ
روحكَ القلقةِ – المتمردةِ
القاهرةِ – المقهورةِ
مضيتَ الى أخرِ ارضِ اللهِ
عابراً ب ( خفَّة الكائنِ التي لاتُحتمل)
الى ماوراءِ الاتلاتنك
ولأنكَ سليلُ الحقولِ والاهوارِ
والمضايفِ والصرايفِ والشطوطِ والسواقي
والبساتين الخضر
اخترتَ .. او رماكَ دهرُك
الى اراضي الهنودِ الحمرِ
في ( وينيبك الكندية )
بالمناسبة حبيبي( كرومي )
انتَ أَيضاً هنديٌّ ولكنكَ اسمرٌ
لأنَّ فيكَ الكثيرَ من طباعِ هؤلاءِ
البشرِ العجيبينَ
فأنتَ فطريٌّ وبدائيٌّ
ومشاكسٌ ومغامرٌ
ونسوانُهم( يموتن) عليك
- ها هل تريدُ أَن أُذكِّرَكَ
بمغامراتكَ الغراميةِ معهنَّ؟
لا يُهم ياصديقي
مازلتُ اتذكَّرُ :
حماستَك الاولى بالانغمارِ
والانصهارِ في عالمِ
هؤلاءِ المخلوقاتِ العجيبةِ
و( دوختك وخبصتك)
وهاجسَكَ اليومي لمسرحةِ
طقوسِهم … واستحضارك
لشكسبير وعبد الرزاق الربيعي
حيث الانجليزي بثيماتهِ الهاملتيةِ
والعطيليةِ والماكبثيةِ الماكرةِ
وحيث العراقيُّ يصرخُ ويستغيثُ
( آهٍ أَيتها العاصفة ) .
ويعني :
آهٍ أَيتها البلادُ.
نعم ياصديقي
البلادُ
الطاغيةُ عليكَ – علينا
بفتنتها ولعنتها
بحنينها وجنونها
بذكرياتها وامهاتها
وبقسوتها ونسوتها
- هل البلادُ هلاكُنا؟
- هل البلادُ ملاكُنا؟
الذي نتبعهُ
الى فردوسِ العدم؟
أَيْ صديقي
أَيْ كريم
البلادُ
التي طغى عليكَ – علينا
حبُها المريضُ
فاستحالَ واستحالتْ
طاغيه
واستحالَ واستحالتْ
الى صنمْ
يجلدُنا
و نصفّقُ
يقتلُنا
ونرقصُ مذبوحينَ
يبصقُ في قلوبنا
ونغني لشواربهِ
ومآربهِ
وحماقاتهِ السودِ
يطمرُنا
يضحكُنا
ونئنُّ في زنازنهِ الفجائعيةِ
يطردُنا ويطاردُنا
لكننا نَحِنُّ
للوطنِ – الجلاد
الطاغيةِ
الضحيةِ - البلاد
لكنَّك – لكننا
مللتَ من هذا الحبِّ
الحلمِ الطاغي
وكرهتَ هذا الوهمَ الراغي
وحلمتَ - حلمنا
أَنْ نخلصَ من هذا الطاغوتْ
فأزفتِ الآزفةُ
وجاءتِ العاصفةُ
فسقطَ الصنمُ
والبلادُ – العدمُ
و ... ياكريم بن جثير
هلْ يمكنُني ... هل يمكننا
وهلْ يمكنكَ؟
أَنْ تتناسى
لحظةَ ذاك الفرح
الخارجةِ ...الهابطةِ
الصاعدةِ ...
الخارقةِ كنبوءةٍ :
فرحُ اللهِ
فرحُ الكائناتِ
فرحُ الضحايا
فرحُ الامهاتِ
ولأنَّكَ منفى في المنفى
ولأنَّكَ لم تعرفْ من الفرحِ
غيرَ ملوحتهِ
وحصرمهِ
ودموعهِ اليابسةِ
صرختَ بنا
- كانتْ اسلاكُ الهاتفِ
وسكرين الانترنيت
تتفايضُ ... تتماوجُ
تتلاطمُ ... تتصادى
من جمرِ
وموجةِ صوتك-
- ياهووووووووووه
ها ... اصدقائي
هذا حلمي
هذا حلمكم
هذه نبوءتي
ها " موآني كَلتْ
باجر حتماً يطيحْ
ويشيع الخبر
وي عاصف الريحْ
وبروج الفراتْ
ودمِّ ...المجاتيلْ
تنزاح الصوْر
وكل التماثيلْ"
وتناخيتَ بأصدقائكَ الهنودِ الحمرِ
- وهووووووووو
جاءؤكَ
وكانوا ثملينَ
بدمِ الغزلانِ
ومتخمينَ بأكبادِ الثعالبِ
ففرحتَ
لأَنَّكَ لم تفرحْ من قبل
ورقصتَ وإياهم
رقصتَك السومريةَ
وحتى لايسرقَ شكسبيرُ الخبيثُ
منديلَ فرحِكَ
ودميةَ ( أَهدابكَ)
وجناحَ ( خيالكَ)
وقميصَ ( مناك)
إستنجدتَ بمعشوقتكَ
اوعرابتكَ الحمراءِ
الروحِ – هي شيوعيةٌ -ايضاً
كي تسرجَ لكَ و لمناكَ واهدابكَ وخيالكَ
مركبتَها السحريةَ
كي ترحلَ نحوَ عراقِ اللهْ
وكي تلقاهْ
وكما تهوى
أنتَ
وكما تأمرُ عاشقتُكَ الحمراءُ
الهنديهْ
حلّقتَ بمركبةٍ حلميهْ
وعبرتَ بحاراً
وبحارا
ومرقتَ جبالاً
وصحارى
وكانتْ روحُكَ
في آفاقِ اللهِ
تهيمُ
تحومُ
تخفقُ
تشرقُ
نوراً كونياً
ومنارا
ولأنَّ فؤادكَ بوصلةٌ
ولأنَّ الروحَ هي الاسطرلابْ
هبطتْ مركبتُكَ
الكونيةُ
في الوطنِ – المحرابْ
فتدفقَ في رئتيكَ
هواؤهْ
ويتلألأَُ في عينيكَ
ضياؤهْ
ونزلتَ لتلثمَ وطناً
وأباً
وترابْ
وصرختَ :
خيالُ
منى
أهدابْ
الانَ
أنا:
ك
ر
ي
مْ
الآنَ لو اموتُ
بينَ يَدَيْ إلهي
على ثرى عراقي
لاتحزنوا
لاترحلوا
لمنفى
منافقٍ
وباردٍ
لئيمْ
اللهُ
والعراقُ
كلاهُما
ك
ر
ي
مْ
و ... ياكريمْ
ها
انتَ
ذا
روح
مضئٌ
حالمٌ
في قلبِ هذا
الله
في عراقهِ
في إفقهِ
ترابهِ
تقيمْ
{ ح م. تنزيلٌ من الرحمنَ الرحيمْ }
صدقَ اللهُ العظيمْ
*اشارات :
* عنوان النص مستوحى من عنوان نص لصديقي الفنان المسرحي الراحل
كريم جثير هو :
" الحداد لايليق بكاليجولا "
* تردُ في النص اسماءٌ لامكنة
تتوزع بين العراق واليمن وكندا
حيث ولد وعاش وابدع وتنقل صديقنا
الراحل.
وكذلك تردُ عناوين لاعمال مسرحية كتبها او اخرجها ومنها ( الاقنعة-
نجوم من سماء بعيدة ).
*"خفة الكائن التي لاتحتمل" – رواية لميلان كونديرا.
* كل ماهو بين اقواس من نظم الشاعر .
* ثمة استثمار لمقطع نثري لادونيس
هو ( الداخل ضيّقٌ عليَّ والخارجُ لايسعني ……)
* خيال واهداب هما طفلتا الراحل العزيز.
*منى : هي السيدة الفلسطينية منى مصطفى .. أَرملته .