شعر

إحتضار في حضرة الوطن

باسم السعيدي

كُتِبَتْ قصيدةُ صمتِك المتذَرِّعِ – بدماءِ جُرحكَ خطَّ صدرُ المطلعِ

وبصبرك الموجوع جئت قصائداً – والصبر رحلة خانعٍ متوجِّعِ

نبئت أنك ياعراق مثابةٌ – تتقدم الخطوات خلفك فاشرعِ

أقدم فذاك رمادك المنثور – نبراساً على درب النجاة فأسرعِ

وكأن فيك محمداً وحياً وقد – تتعثر الأقدام دونك فاصدعِ

نبئت أنك في الخطايا توبةً – فقدمت في عري الخطاة ومن معي

ولقد صَفَحْتَ عن العراة فقم بنا – أصلح وجوه الخاطئين ورقِّعِ

وببابك الموصودِ حزنُ مكابرٍ – وَغَدٌ سيكْشِفُ وجهَ كلِّ مُبَرْقَعِ

بابٌ كوحي اللهِ أُوصدَ في السقيفةِ – إن ظَنَنَتَ البابَ يفتحُ فاقرعِ

وشممتُ عِطْرَكَ في السماء وما أرى – ريح الجنان لدى الإله بأضوعِ

طافت ملامحُكَ البتول برِحلتي – كطوافِ أغنيةٍ بكعبةِ مبدعِ

وتواثبتْ لُغَةٌ تدِرُّ مدامعاً– كتواثُبِ الجبناء حولَ صميدعِ

إني رسمت على الرحيل شوارعاً – وكتبْتُ عهد الله يومَ تفجُّعي

هل جادتِ الزوراءُ في أبنائها – وجرت مدامع كرخها في الأدمعِ

ومضت رصافة شطِّها تشكو أسىً – تَرِدُ الفجائعَ في بطون الأفجعِ

وكأن سابلة القرون رسالة – عبرتْ على جِسْرِ السنينِ الأربعِ

بغداد ياأمَّ المفاتن والهوى – هُزِّي بجذع النخل يسقط مصرعي

ودَعي بكاءكِ والعويلَ فما له – عمرٌ يقاس على مشارف مَفْزَعِ

من أي زاويةٍ تُوَثِّقُ قِصَّةً – كُتِبَتْ حوادثها بألف مشيَّعِ

وتداول الصبيان أقداح المنى – كتداول الآثام في فمِ مُقْذِعِ

في صِحَّةِ الشهداء أشربُ نُخْبَهم – كأس المنون على شِفاهِ مودِّعِ

يا أيها الوجهُ المخضبُ بالدما – خدٌّ تعفَّر بالصعيد الممرعِ

ناديت وجهَكَ حيثُ شمسك لم تَغِبْ – وضياءُ نورك في الفضاء الأروعِ

إني لأصرخ من جراحِ حقيقةِ – الأشرار من مستذئِبٍ مستضبعِ

يا سبَّة الدنيا ولعنتها فهل – يبُسَ السوادُ وغارَ ماءُ المنبعِ؟

إني لأصرخ في الطريق وإنها – بئس الصنايع من رديء المصنع

إني لأصرخ في الطريق وإنها – جثث تسير على الرماح الشرَّع

ورجيع صرختي السماء الى الورى – من سامعين الى الذي لم يسمعِ

هذا ابن خائبة الدهور فما ترى – هذا ابن مَلْحَتِها التي لم تُفْرِعِ

هذا الذي بذلَ الوتين لها وقا – والبذلُ عادته التي لم يدَّعي

من دون (شيلتها) يفيضُ له دمٌ – رَحِبُ الوُرودِ يسيرُ غيرُ ملفـَّعِ

ولو ان نازلةً بها نزلت فسوف – ترى فِعالً الأشوسِ المتنطِّعِ

 

هذا العراق قلادة الدنيا – وزينتها وماسةُ صدرِها المتطلِّعِ

يا دوحة الشرف العراق وأصلها – أيصُّحُّ ينتسبُ الشريف الى الدَّعي

دنيا تعاظم شرُّها وبغَتْ عليك - كلابها من أدهمٍ أو أبقعِ

كثرت على أهليك ذؤبان الفلاة – على عيالك في الفطامِ ورُضَّعِ

ما أعظم الصبر المخضَّبِ بالجراح – وأعظمَ الجرح الذي لم يخضعِ

إن كان صبرك واسعاً سعة الدهور – ووسعَ جرحك .. يا دهور إذاً سَعي

يا دهور إذا سعي

غُضِّي عن القَسَماتِ طَرْفاً يائساً – وكلي من الأوهام حتى تشبعي

أقِمي موائدَكِ العجافَ وليمة – عُـبِّّّّّي كؤوساً سلسبيلكِ واكرعي

وخذي دمي متوسداً شفتي – كرسالة ظمآى خذيها أو دعي

إني مسيحُ يهودِ عصرِك فوق – صلبانٍ أُزَفُّ الى ضمائرَ بلقعِ

مرَّت على ذكراك قافلتان من  - موتى ودهرٌ في خضمِّ تضرُّعي

ومضيتَ وحدكَ في السُراة مزاحماً – كتِفَيْ هواجس لوعتي وتوجُّعي

ليلٌ على الطرقات تثقله الخطى – سورٌ تغَصُّ بصوتِه المتقطِّعِ

حلمٌ على ضفتي نهارٍ موصدٍ – وخطى دمٌ هُرِعتْ تليقُ بمسرعِ

فتضيق أشرعة النهار كأنها – حرفٌ ببحر بيانها المتوسِّعِ

بين المساكينِ إحتوتكَ مغانمٌ – شحّاذ خبزٍ عند بابٍ مشرعِ

فيجيء واحتَـكَ الخلودُ كأنك – النهران يختلفان شطر الموقعِ

والشمس أحجيةٌ صداها ظلمةٌ – ولقا صداي الى صداك الموجع

ماعاد في الدنيا سوى خطر تكوَّر – في فتاوى أوخطايا مرجعِ

يا أيها الوطن الذبيح على فراش – العهر مأسوراً برجس المخدعِ

قبَّلتُ أرضك والجبال وسهلها – قبَّلتُ شعبك ذا البنا المتصدِّع

رفضوا وجودك حين مات ضميرهم – وبنوك بين ممزَّقٍ ومقَطَّعِ

مُدَّت أكفٌّ في الزحام لنجدةٍ – وذراعك المكسور بين الأذرعِ

مزَقوا جبينك في الجباه ضلالة – رسموا خرائط بالدم المتوزعِ

فعببت من خمر الخراب كأنني – زبدٌ يذوب على الصفا لم يهرعِ

ورقصت فوق مصيرك المجهول نغماً – في المساء على مقام الأصمعي

ونسيت في دعة الخيال رسالتي – دفع العوادي في الصراع المفزع

يا أيها الوطن المصفـَّدُ عزمه – أمسيت بين ممزِّقٍ ومرقِّعِ

يا أيها الوطن التسابق خطوه – نحو اليباب بخطوة المستمتع

يا أيها الوطن العراق قصيدة – حبلى بأوجاعي ولست بمدَّع

فطبعت فوق جبينك المكلوم قبلة – صائم متعففٍ متورِّع

قبَّلتُ وجهك في الصباح أظنني – ودَّعت صبحك حين شارف مضجعي

وطن تلوذ بجانبيه حمائم - وجلى وعزمك خائرٌ لم يَرْدَعِ

ودَّعت وجهك للرحيل وإنها – لغةٌ تحوم على شفير المبضعِ

سلَّمت آهتي الأخيرة باسماً – ودم يسيل على جوانب مدمعي

بغداد ياأمَّ المفاتن والهوى – هُزِّي بجذع النخل يسقط مصرعي

 

* الشيلة – حجاب المرأة في أرياف العراق.

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com