|
شعر الذكرى 21 لأحداث كانون الثاني 1987 في منطقة بهدينان * هناك ... شرق " كاني كه " ! (1) يوسف ابو الفوز لحظة الرثاء ، غادرني الحزن والدمع والمخاوف . وحدها القصائد خضراء سكنت روحي ، فاستفزت التوهج ! (2) *** 1 لي في الصداقات النبيلة ، قصيدة اسمها أنت ِ . وأنت ِ أميرة الذكرى ، جراح السنين ، خلاصة الخيبات . امرأة صمتي المنتهك باتهام العشيرة ، وقلقي المضمخ بمرارة حزنك . وأنا المداهم بالامل حينا ، بالمخاوف حينا ، وبك في كل لحظة ! ما اخترت غيرك امرأة لقصائدي ، رغم أحزاني ووحشة هواجسي . كنت معي ، دوما معي ، في استدارات العواطف والعواصف ، في وحشة المنفى ، في زهو الجبل، في التماعات البنادق ، في ابتداءات الأغاني والمطر ! كنت معي ، في شرق كاني كه معي ، وجهك يأتيني مخضبا بالدمــ ... ع ، وصوتك مكابرا : ــ " كيف نسيتني ، يا وتر الأحزان ، يا نزق الطفولة ، كيف ... ؟ " كنت ِ معي في شرق كاني كه ! ــ " إذن ... شدني إلى صدرك ، إلى قوس حزنك ، واطلقني مرتين . مرة إلى حفنة امان ، وأخرى إلى فجر الصداقات النبيلة ، وسأنتظر ! " أنتظري ... " انتظري ما شئت ، وعند اللزوم ، إن شئت موتي " (3) ولكن عليك أن تعرفي : من الدمع والنار والدم أش فاض الصخر وشجرا وبشرق كاني كه ، شلي حصل وشجرا وشلون واحدنه يموت ، وهو واكف مثل شجرا وصوته يظل للابد ... بيرغ يرف للمجد !
2 هناك ... شرق كاني كه ، كان عصفور الأماني ، منخوبا بزخات الهواجس . كان الرصاص يبني للمخاوف مظلة من ريش القلب ، وكان الثلج ينهمر. كان الــ " ره به نوك " (4) ينهمر... وكان الشيوعيون ، أغصان الطفولة ، يمدون على الصخر ظلالا من صبوة العشاق . متربة بالحزن ، بهم الناس ، بالبارود ، هذي الوجوه ، ومتألقة بنجوى الأغاني والحنين : ــ " هيه ... هيه ، شطيب العشك ، وشحلوه ساعاته ! " (5) كان " سالم ر ش " بين القصف يغني . يا هذا المضاع ، لم تضيع ، قلبك عصي على التلمس وتلك الراحلة ، لك عندها انكفاء الدمع وعذابات صغيرة ، ولك وحدك كل ما تشتهيه السفائن في مرافئ لم تصلها . وكان " ياسين " (6) هناك . وياسين محتشدا بالرصاص ، العشق ، الطموحات الكبيرة ، ليس إلا فتى واسع العينين ، شاعر" يغني رغم الحزن " (7) . فتى لاحلام الأماني ، الصبايا ، نخل العراق ، ورق الرسائل والقصائد . في عيون الــ " فيافي " تضئ هواجسه . وعلى وسن عينيه " وسن " (8) قصيدة . لضحكته نزق الرسائل ، ولكفيه رائحة الأماني . وكان هناك كثيرون ... وكنت أنا ! أنا المداهم بالامل حينا ، بالمخاوف حينا ، وبالأميرة في كل لحظة . لي عندها استدارات العواطف والعواصف ، هجس الأصابع والعصافير ، حد الجرح والسكين ، وامان صغيرة ! وكان " جنان " ! زهو البنادق حين تمنح العصفور جنحيه وعشه . " به نده وايه " تنهض في عينيه نرجسة ، وبين أصابعه تمتد أشرطة الرصاص ، ضفائر " هبه " وخيوط طائرات الورق ! وهناك ... شرق كاني كه ، صار جنان ، قطرة دم في كف الطفولة !
3 هل تنكفئ فينا الأماني عند صخرة في شرق كاني كه ؟ و كاني كه قلعة في القلب ، وعلى استدارة شفاه هبه . و هبه امرأة الصدمات في عسف الشظايا والبلايا ؟ هل تنكفئ فينا الاما ... ؟ هناك ... شرق كاني كه ، دم جنان افترش الثلج والحدقات . وصرختي مرت على الصرخات ... يا كلس الأماني ، بأسناني سأكشط نذالتك ، وسأمزق الصمت ، ما أثقل الصمت ، ما أعمقه ، أواااااااه ، صمتي كدموع أمي ، ودموع أمي في كفي رصاصة ، وأميرة الذكرى ما فتأت تبارك خطوتي . الأميرة ... يا الأميرة ، الثلج هنا ابيض ... احمر ... اسود ! الثلج ابيض يا ازاهير الأماني ، الثلج احمر يا هبه الدموع ، الثلج اسود يا أماه ، واسود ليل الطغاة وليلنا المنكفئ ... قطرة ، قطرة ، ... قطرات منقوعة بالبارود والصراخ . وفي شرق كاني كه ، قطرة دم كقمر الصبايا امتصت الأرض روحي ، وأنا السجين في كفي الأميرة . يا أميرة هواجسي ، يا طلقة للروح لم تصدأ ولم احسب عيار عتابها ، هل تنكفئ فينا الأماني عند صخرة في شرق كاني كه ؟ هل ساورتني لحظة الدمعات ؟ لو رفت رموشك ، وامطرت ريح ... احط عيوني لك ، نجمات ، بالظلمة ، ضوه اتصيح ! شرق كاني كه اتكأ الرصاص على حد الشهادة ، وأنكفأ التساؤل : هل تنكفئ فينا الاما ... ؟ سولفلي جدي يوم عن شجرة المنتهى وكلي اليحب الناس اسمه ابد ما انتهى لو يبس كل الورق وعمر الاسامي انتهى اسمه يظل لللأبد ... بيرغ يرف للمجد !
4 اسميك العذب ... يا رشفة الأحزان اسميك الدفو ... يا ورد نيسان يا سحر الطفولة وموقف الانسان اسمك للمجد ... يبقه ابد عنوان ! وصخرة في شرق كاني كه ستظل في القلب صرخة ، وستظل " فارسا " مدججا بالاماني ، على صهوة " العفاروف " (9) أورقت نرجسا في كف الشهادة . فتى الشهادة ، كروم هواجسي التفت على أمانيك وأزهرت دمعتين ورصاصة . دمعتان لعصفور الأماني ، ورصاصة لفجر قادم يحمل اسمك ! فتى الشهادة ، فتى الشجاعة ... حين صرت قطرة دم في كف الطفولة ، كان الثلج ينهمر ، كان الــ " ره به نوك " ينهمر . هناك ... شرق كاني كه ، كان الثلج ينهمر ، وظل الثلج ينهمر ! ظل الثلج ينهمر ! ظل الثلج ينهمر ! ظل الثلج ...
كانون الثاني 1987 مه راني (10) ملاحظات * ـ من 5/1/ 1987 وحتى 16 /1/1987 خاض مقاتلي انصار الحزب الشيوعي العراقي (حشع ) ، في منطقة أنصارالفوج الأول / قاطع بهدينان ، ورفاقهم المقاتلين من قوات الدعم ، التي هبت لإسنادهم ، ووصلت على مراحل ، من مقر قيادة قاطع بهدينان ، والفوج الثالث ، والسرية الخامسة ، ومقرقيادة قاطع اربيل ، وبالاشتراك مع مقاتلي الحزب الديمقراطي الكوردستاني ( حدك ) ، ومقاتلي المقاومة الشعبية من فلاحي القرى في المنطقة ، خاض الجميع معارك ضارية ، وعلى عدة محاور، وفي ظل ظروف جوية قاسية ، ضد الحملة العسكرية الشرسة التي شنتها قوات النظام الديكتاتوري المقبور ، على مناطق نشاط أنصار الفوج الأول (حشع)، ومناطق لجنتي عقرة والشيخان لمقاتلي( حدك ) ، وسكان القرى في المنطقة المجاورة لمقرات مقاتلي الأحزاب ، حيث زجت فيها السلطات بوحدات عسكرية مدرعة من الجيش والجحوش، وساهم فيها الطيران الحربي والهليكوبتر،وأبدى الأنصار آيات من البطولة والمقاومة والصمود والبذل ، وكانت أياما أسطورية ، حافلة بالمجد ، غدت أحاديث جماهير قرى المنطقة ونسجت عنها حكايات كثيرة ! 1 ـ كاني كه : قرية تقع عند اطراف ناحية " ئه تروش" ( قضاء الشيخان ــ محافظة الموصل) ، وموقع القرية ستراتيجي بالنسبة للمنطقة، لذلك شيدت السلطة هناك قلعة كونكريتية، وضمن سلسة قلاع ومواقع عسكرية ، شيدت بتصميم وتنفيذ من شركات رومانية منذ سبعينات القرن الماضي. كانت القلعة مقرا لفوج عسكري ، وقبيل الاحداث المذكورة كانت السلطة الدكتاتورية قد اضطرت لأخلائها ارتباطا باوضاعها العسكرية على جبهات الحرب مع الجارة ايران وايضا لتنامي نشاط ومقاومة قوات الأنصار في كوردستان ، ومع بدء الحملة العسكرية كانت منطقة القلعة محور الهجوم الاول والاشرس . 2 ـ كتب هذا النص في رثاء الشهيد جنان، والقي في الحفل التأبيني الذي أقيم له ايامها. والنصير جنان هوالشهيد (فارس جرجيس موسى)، مواليد 1964، من قرية "به نده وايه" (منطقة القوش ــ الموصل ) كان يعمل سائق بلدوزر.التحق بقوات الأنصار في 1983 . استشهد خلال الاحداث يوم 6/1/1987 في اشتباك قريب وشرس جرى عند منطقة قلعة كاني كه . 3 ـ من قصيدة للشاعر والمناضل التقدمي الجزائري بشير الحاج علي . 4 ـ ره به نوك : كلمة كوردية ، وهو اسم زهور بيضاء تنمو في كردستان . 5 ـ من أغنية عراقية للمطرب حسين نعمة . 6 ـ النصير ياسين هو ( جماهير امين الخيون ) شاعر. مواليد 1961 ابن المناضل الشيوعي الاسطوري امين خيون الذي اغتيل في سبعينات القرن الماضي من قبل النظام الديكتاتوري البعثي . ساهم ياسين بفعاليات في مختلف النشاطات الثقافية الانصارية . في اثناء اداءه لمهام حزبية في بغداد نهاية ثمانينات القرن الماضي ، اعتقل وغيبت اخباره ، حتى سقوط النظام الديكتاتوري حيث عثر على اسمه في سجلات المعدومين من قبل النظام المقبور . 7 ـ اصدر أعلام قاطع بهدينان للانصار، كراسا شعريا للنصير الشاعر ياسين بعنوان " لنغن رغم الحزن " ، لم يوزع لان طباعته ترافقت مع بدأ حملة الأنفال ، صيف 1988 ، من أجوائه وجدت في ارشيفي سطورا منه : ( ما الفرق ؟ بين الحزن في عيون النيل ، والحزن المؤبد على أزقة الكرك الندية . بين الحزن الهائم بالنخيل والحزن المتكئ على غصن زيتون أو في قلب بيروت ، شظية بين الحزن الممتزج بالمطر يغسل بيوت الطين في البحرين والحزن المنبعث في شحوب القمر، فوق ماردين ، بين الحزن في عيون " بشت ئا شان " والحزن في عيون الناصرية ، لنكاشف الكلمات مرة في الاغنية ! ) 8 ـ وسن و فيافي : هي أسماء عزيزة على الشاعر . 9 ـ العفاروف : رشاش متوسط عيار 62, 7 ملم ، سوفياتي الصنع. استخدم في الحرب العالمية الثانية ، مداه 1200 متر ، ومؤثر على تجمعات المشاة والاليات الخفيفة التصفيح ، يركب عليه من الاعلى مخزن اطلاقات دائري الشكل يسع خمسين اطلاقة ، تميزت مفارز الأنصار الشيوعيين العراقيين في كوردستان بامتلاكه واستخدامه، وحازالعفاروف كسلاح على سمعة طيبة بين الفلاحين ، وزرع الرعب بين صفوف قوات النظام الديكتاتوري المقبور وكان الشهيد جنان قد تميز بحمله للاسلحة الرشاشة المتوسطة ، التي تحتاج الى مهارات عسكرية وامكانيات جسدية ، ويوم معركة كاني كه كان يحمل رشاش العفاروف . 10 ـ مه راني : هو المقر الاساسي الخلفي ، لمقاتلي الفوج الاول ، من قوات قاطع بهدينان لانصار الحزب الشيوعي العراقي ، تأسس مقر مه راني في 2 /10 / 1982 ، كقاعدة أنصارية في عمق الوطن ، فهو يعتبر من اهم مقرات الأنصار في تحديها لسلطات النظام الديكتاتوري ، اذ يتوسط بموقعه مجموعة من الاقضية والنواحي المهمة ، وهو قريب الى سلسة جبا ل كاره الوعره ، وشيد المقرعلى انقاض قرية تحمل الاسم نفسه تقع في وادي ضيق يخترقه مسيل ماء نبع عذب بارد دوما ، ومن المفارقات ان وادي مه راني مزدحم بــ 99 (تسعة وتسعين !! ) شجرة جوز معمرة ، وبالاضافة الى موقعه المميز فان كثافة الاشجار ساعدت على تمويهه عن طلعات الطيران الدائمة !
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |