شعر

الترابُ

نوري الوائلي 

 

عذرا ً تراب الأرض كيف تطولُ     قدماي وجهُك والفؤادُ شغول

 

قدماي تمشي في النعال ِتحفظا ً    وأنامُ في فرش ٍوعنك أحول

 

إن طالَ جسمي منك يوما ًغبرة ٌ    أو إن ّ دربي في التراب ِحمول

 

النفس ُتجهشُ بالصراخ توترا ً    والقلبُ ينبضُ غاضبا ًويهول

 

عجبا ًلنفسي كيف تنسى إنها     لتراب ِأرض ٍتنتمي وتؤول

 

الصدقُ جوهرك العظامُ ولحمها     ورفاتُ موتى في ثراك سيول

 

قدماي تمشي بالحذاء ِوإنما     أمشي على بدن ٍبلى وأجول

 

أمشي بزهو ٍوالترابُ ملونٌ     من عظم آدم والعظام ُ تلول

 

جسمي ترابٌ والترابُ نهايتي     وجميلُ خلقي في التراب ِ حلول

 

ما فوق سطحُك من عجائب إنما     تنمو بخيرك والعطاءُ شمول

 

منك الخلائقُ قد علت في وهجها     نظما ًوألوانا ًومنك تعول

 

كم فيك من حُسن الجمال مسُجع     وعيون ُخضرٌ في  فناك ذبول

 

أنت الترابُ وما سواك فأنه     يبقى ترابا ً إن أبى فجهول

كم فيك من ملك ٍ وصاحب ثروة ٍ     ناموا فرادا واليدان فلول

 

الحسن ُفيك مع القبيح توائم ٌ    والدودُ يُسعف ُما قذى ويطول

 

لنهاية المخلوق وحشة تربة     والكلُ تحتك في الظلام جفول

 

يصحو بقعرك منْ يعيشُ بظلمه     ويفيقُ تحتك جاهلٌ وغفول

 

يكفيك تبتلع ُالملوكَ ومن لهم     من حافظين ومن بهم مذهول

 

فصبرْ على عبد ٍ وحقك غافلا ً    عمّا ملكت , عن الردى مشغول

 

فيك الحياة وتحت وجهك عالم ٌ    والموت فيك وللفناء دخول

 

فبنيتُ فوقك زائلا ًمن دورها     ومضيت ُأحلم والرجى مجهول

 

ونسيتُ أبني تحتك الملكَ الذي     يحوي رياضا ًوالرضى موصول

 

الأرضُ أمّ حيث منها أصلنا     ورفاتنا تبلى بها وتزول

 

من سطحها يوم الحساب ِ جسومنا     تنمو كزرع ٍوالنفوسُ ذهول

 

الأرضُ أم والترابُ سماتنا     والقبرُ دارٌ والممات ُ كبول

 

لو كان للأنسان ذرة حكمة ٍ    هجرَ الصراع ورحمه موصول

 

عجبي الى الأنسان كيف حياته     تقضى صراعا ًوالصراعُ سجول

 

حربٌ وأحقادٌ وشرُ أواصر ٍ     غدر ٌوغل ٌوالردى مأمول

 

هذي الحياة وسوءها من ناسها     والسوءُ في طبع ِالذيل ِ رسول

يا منْ على الرمضاء مُختالا جرى     زهوا ً بنفس ٍما لها مفعول

 

اعلم بأن ترابها متشوقٌ     في رصّ صدرك والترابُ عجول

 

قسما ًوحسبك كلّ من داسَ الثرى     يوما ًبقبر للبلاء ِ مثول

 

إن فزتَ باللذات طول َنهارها     وقضيتَ ليلك في النساء تنول

 

وملكتَ عزا ً كالملوك بعزهم     وجمعتَ مالا ًوالكنوزُ حمول

 

وعلوتَ كرسي البلاغة واعظا ً    وجمعتَ آدابا ً لها مدلول

 

وشربت َمن بحر العلوم ِ ومدها     حتى طفحت بجنيها وتطول

 

وسهرتَ ليلك َساجدا ًومناجيا ً     وحفظتَ ربك َ والرحيمُ قبول

 

لا بد يوما ً أن تذوق بلوعة ٍ     قهرَ المنايا  , والزمانُ خذول

 

وتساقُ وحدك للمقابر ِعاريا ً     وتضمّك الأقدارُ والمجهول

 

وتركت َما لك من بنون َوحاشد ٍ    وخرجت منها والمصير ُ مهول

 

فاز الذي قد نام َ فوق ترابها     فيطيبُ عطرا ً والقذى مغسول

 

والله لو لا للحياة مظاهر     وعواذل فيها ترى وتقول

 

لجعلتُ فرشي والغطاء َ ترابها     وأنام ُدهري في الثرى وأغول

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com