شعر

 

جرحي على سعة العراق *

 

                                   يحيى السماوي

أسَـكـنـتَ عــمـري أيُّهـا الـتـَّعَـبُ 

فاللـيـلُ سـُهْــدٌ والـضحى سَـغـَبُ؟ 

 

تـمـشي معي ظلا ً وتـُشـْـرِكـُني 

حـقـلي فـيُـدمي غـَرْسَـهُ الجَـدَبُ

 

لو كنتَ يُـسْـرا ً ما ارتميتَ على

دربي .. ولم تحـمِلـكَ ليْ سُـحُـبُ 

 

ولـَمـا عَـزَمْـتَ عـلى مُـلازمَـتي

كالـعَـيـن ِ لازَمَ جَـفـنـَها الـهُـدُبُ

 

مـا لـلــدروبِ عـليَّ مُـغــْـلـَـقـَـة ٌ

إلآ الــتـي أفـيـاؤهـا الــلـهَـــبُ ؟

 

شـفـة ُ الهوى عطشـى  ومقـلتها

رمـداءُ لم تـضحـك لـهـا شـُهُـبُ

 

عَـقـُمَ الــزمانُ فـليـس من فـَـرَح ٍ

يـأتي .. ولا الأحـزانُ تحْـتـَجـِبُ

 

شـاخَ الهوى طفلا ً وقد هَـرِمَـتْ

أحـلامُـهُ  ... وأحِـبـَّـتي ذهَــبــوا

 

لا العـشقُ يـنأى عـن فـؤاد فـتى ً

مثلي .. ولا المعـشـوقُ يـقـتـربُ

 

تـغـفـو جـراحـاتي فـيـوقـِـظـُهــا

وجدٌ له في الـقـلب ِ مُـصْطـَخـَبُ

 

مـا إنْ يـزور الـلـيـلُ نــافــذتــي

إلآ ويـُـضــرمُ نــارَهُ الــوَصَــبُ

 

هـَـرَبَ الصـبـاحُ فـمـا تـَرِفُّ بـه ِ

شـمـسٌ  وليلُ الصَبِّ مُـنـصَـلـِبُ

 

مُــتـَســانِـدان ِ عـلـيَّ مـن زمَــن ٍ(1)

قـلـبي وهــذا الـمُـفـْصِـحُ الـذرِبُ

 

لهــمــا عـليَّ يـَـدٌ مُـشـــاكِـسَـــة ٌ

وعلى النعـيم ِالسَّـحْـت ِ مُـنقـَلـَبُ

 

جُرحي عـلى سَـعة ِالعراق ِ فـما

أقـســاهُ حـيـنَ تـَعَــذرَ الـطــَبَــبُ

               **

يا نخلُ : كيفَ الـحـالُ في وطني ؟

كيف الضِـفافُ ونهرُها الـعَـذِبُ ؟

 

كيف( السماوةُ )؟ كيف( قِشلتها )(2)

وهـل الضحى ما زال يـنـتحـبُ ؟

 

وهل ( الجديدة ُ) ما تـزال على (3)

عهدي بها ؟ أم راعهـا الرُّعُـبُ ؟

 

والعاشــقـونَ ؟ أمـا يـزالُ بـهـم

خلفَ الحِسان ِالدربُ يصطخبُ ؟

 

بين الـقـلـوب ِ مَـوَدَّة ٌ .. وعـلى

أحـداقِـهـم يَـتـَراقَـصُ الـشـَّغـَبُ

 

يَـتـبـادلـونَ  بطـَرف ِ أعْـيـنِـهم

غَـمْـزا ً .. وتلك رسائلٌ عَجَـبُ

 

يا نخلُ والناعورُ ؟ هل طفحتْ

أكــوابُــهُ ؟ أم أهــلـُهُ هـَــربــوا ؟

 

ضاق العراق على بَـنـيـه ِ فـلا

عَجَـبٌ إذا حَـمََـلـوهُ واغـتـَرَبـوا

 

والفـاتِـنات ُ ؟ أما يــزالُ عــلى

شط ِّ الفرات ِ لهـنَّ مُصطـَحَبُ ؟

 

يَضـفـرنَ سَـعـفَ النخل ِ آنـِيَـة ً

يزهـو بها  الـرمّـانُ والـعِـنـَـبُ

 

يا نخلُ : أيـنَ الحَـدُّ في وطـني ؟

فـلـقـد تسـاوى الجـِدُّ والـلـعِـبُ !

 

إنّ الـســيـوف الــيـومَ كـاذِبــة ٌ

أخـبـارُهـا يا نخـلُ .. والكـُتـُبُ

 

فإذا " الرفـاقُ " حـرائـرٌ  وإذا

" كلبٌ " على بيت الأسود ِأبُ !

 

يـا نخـلُ : ما أبـقـاكَ في وطـن ٍ

كـادتْ تـفـرُّ سـهـولـُهُ الـنـُّجُـبُ ؟

 

يا نخـل ما أبقاك؟ قـد ضمُـرَتْ

منك الجـذوعُ كأنـَّهـا الـقـَصَـبُ

               **

بـغــدادُ يــا أمَّــا ً تـَـسَــيَّــدَهـــا

" نـذل ٌ" لـهُ بـخـطـيـئـة ٍ أرَبُ

 

وعـصابـة ٌ يخـشـى نـَتـَانـَتـَهـا(4)

نـَتـَنُ الـخـَنا والقـيحُ والجـَرَبُ

 

رخصَتْ رجولتهم وقد حسبوا

أنّ الخـنـوعَ لـمـارق ٍ غـَـلـَبُ

 

رقصوا عـلى أشلائنا فـرَحـا ً

وعلى صراخ ِنسـائنا طربوا

 

إنْ تـُذكرِ الأسبابُ عن دمـنـا

فخنوعهم لـ" مهيبهم " سببُ

 

أبطالُ مِـذيـاع ٍ.. فإن وقـفـوا

يومَ الكريهةِ ترجف ِ الرُّكـَبُ

            ***

كتبت في 29 / 4 / 1991 معسكر رفحاء ـ السعودية

(1) الذرب : اللسان المفوّه ، اللسِن الحادّ ..

(2) القشلة : من مناطق مدينة السماوة ـ وتسمى أيضا  "الصوب الصغير"

(3)  الجديدة : من أحياء مدينة السماوة ، منها انطلقت شرارة الانتفاضة الشعبية في المدينة .

( 4) إشارة إلى مخانيث أمن وحزب الطاغية الذين استذأبوا على عوائلنا بعد فشل الإنتفاضة ـ وهم الذين استعاروا عباءات نسوانهم يوم الانتفاضة هاربين كالأرانب .  

* من مجموعة " الإختيار " الصادرة عام 1995 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com