|
شعر
الثلجُ... هُنا
محسن قوجان ترجمة وتقديم: صلاح برواري (محسن قوجان)، صَقرُ شِعرٍ، يتربَّعُ على قِمّةِ "مَتينا"؛ قابضاً بمخالِبهِ على جذورِ القصيدة، ومخترِقاً بنظراتِهِ الثاقِبة أمداءَ الشِعر!. قصائدُ "قوجان" عَرارٌ جبليّ، تُزيِّنُ به نَجلاواتُ "بَهدينان" أصداغَهُنَّ؛ لِتتضوَّعَ "بامَرني" أريجاً يُطبقُ الأرجاء، ولتعتلي يَعاقيبُ صُرودِ "آميدي" صادِحةً بترانيمِها، لتردَّ عليها سِلْكانُ قِمَمِ "بيخير"؛ فتتحولُ "دهوكُ" وعمومُ "بهدينان" إلى أوركسترا شِعرية صاخبة!. الثلجُ... هُنا ألو... ألو الثلجُ يتساقطُ عندنا، أتراهُ يتساقطُ عندكم أيضاً؟. مَتاعُنا نُثارُ الطريق، نعم، نعم أمَتاعُكُم أيضاً نَهْبُ الأزقّة؟ أم أنَّ لهُ مَآوٍ؟. ألو... ألو سماؤُنا مُكفَهرّة، تُزَمجرُ حيناً، ومِن وَهَجِها يتصاعَدُ اللّهب، وتنتحِبُ أحياناً حين تلمحُ جُرحَها؛ ذلك الجُرحُ الذي أجحَظَ عُيونَ الأنجُم!. ألو... ألو الثلجُ ملأ الوِهادَ وشتّتَ أعراسَنا وقطعَ على قريتِنا سُبُلَها. ألو... ألو انظُروا إلينا... نحن وَسْطَ بحرٍ من الثلوج: في أزقّتِنا... فوق سطوحِ منازلِنا... على رموشِ عيونِنا... ثلجٌ... ثلجٌ. على أعتابِ المنازل، وَسْطَ الحقول، فوق أكتافِ وشُعورِ الصغار ثلجٌ... ثلج. هذا الثلجُ حَمَّرَ خدودَ فتياتِنا وقبَّلها أمامَ أعيُنِنا دونَ خجَل!. ألو... ألو أشجارُنا عارية، كلُّ شيءٍ عندنا قارّ ما خَلا دمَ قلوبنا... فهوَ وحدهُ الحار، هو وحدهُ الحار!. (آميدي: 1977) العَرْعَرُ والدُّعْمُوص ذات مرّة... هاجمَت أسرابُ دَعاميصَ شَرِهة المروجَ الـمُخضَوضِرة, ومِن خُبثِها وحَنَقِها وحِقدِها جَرَفَتِ الأخضَرَين؛ حتى دارَتِ الدائرةُ على أوراق السنديانِ والقَيقَب. في ذلك الجبلِ الخاملِ والأجرَد، وحدهُ العَرعَرُ بقيَ مُخضَرّاً؛ لأنّ أوراقهُ خنجريّة، غيرُ غضّةٍ ولا طريّة!. (قدش: 1978) أوَسَتدرينَ لِمَ... يا حلوتي؟ لو جئتكِ... واستضافتني مخدّتكِ، وأطلقتُ أصابعي بين ضفائركِ أتسلّى بفكِّها وتمشيطِها، وصيَّرتُ أشعاري عِطراً رَشَشتُهُ عليها، وفجأةً... انطلقَت شرارةٌ من لهيبها وأحرقَتها! أوَسَتدرين لِمَ... يا حلوتي؟. لو مَصَصتُ شفتيكِ، حتى ينبَجِسَ الدّمُ من شفتيَّ ولساني، وضحكتُ تارةً... وأهرَقتُ دمعي حيناً، أوَستدرينَ عندَها لِمَ؟ وماذا أبغي؟. أو لو جئتكِ... ووقفتُ حِيِالكِ، بقدرِ ما تسعني الأرض وبقدرِ ما أستطيع... ووَدِدتُ أن أحدّثكِ فتخثرتِ الكلماتُ في فمي! أوَستدرين؟ أوَسَتُدرِكين لِم؟. أوَسَتَدرين... أنّ وردةً أينعَت في حَشاي، واصفرَّت عند مفرقِ شَعري؟ أوَستدرين... أنّ قلبي رَحّالٌ انتبَذوهُ مِن الرحّالة؟ يدفعونهُ صيفاً صوبَ الفَيافي ليرعى الشوكَ والخُرنوب! ويأخذونهُ شتاءً صوبَ المصايف ليَدفِنوهُ تحت كُتلِ الثلج!. أوَستدرين؟ أنّ حبكِ بحرٌ لا يرويني! يلفّني وسط امواجهِ وزوابعهِ، يبتلعني ويخنقني. لكنني... لا أزالُ واقفاً ولم أسقُط!. (دهوك: 1978) الحر والبرد لو التقى الحرُّ والبردُ لانتحرا ورفعا رايةَ يومٍ مُنعِش!. لو حلَّ الجَرادُ ضيفاً على الأزهار لأزالَ زينتها وبهاءَها. والفَراشُ أيضاً، في كل مرةٍ، يرى فيها عيني خليلته، يلقي بقامتهِ الريّانة في أتون اللهب!. لكن... لو التقت شفتاكِ وشَفَتايَ؛ فكلي ثقةٌ أنّ جنّةً كبيرة ستُخلَقُ مِن جديد!. (قدش: 1980) ----------------------------- الشروح: (مَتينا، أو مَتين): جبل مشهور في منطقة "برواري بالا"، يشرف على بلدة "بامَرني"- بلدة الشاعر محسن قوجان. وتسمية "مَتينا" هي من بقايا امبراطورية "ميتاني" الكوردية الشهيرة، التي ازدهرت قبل الميلاد بقرون؛ والتي تنتسب إليها الملكة المصرية (الكوردية) الشهيرة وذات الجمال الرائع "نفرتيتي"، زوجة الفرعون المصري الشهير أخناتون (أمينوفيس الرابع- القرن 14 ق.م). (أمداء): جمعُ مَدى، وهو مُنتهى البصر والصوت. (عَرار): أزهار جبلية رائعة، من فصيلة الزنبقيات، لونها أحمرٌ في الغالب، وأحياناً أصفر، ولها منظرٌ أخّاذ ورائحة لطيفة. تسمى في اللغة الكوردية (شلير) و(گول نھ خوين gul nexwîn)، ويسميها أهل الشام "الضرائر". (أصداغ): مفردها صُدغ، وهو الشعر المنسدل على جانب الوجه، بين العين والأذن. ويسمى في الكوردية (بسك- bisk). (يَعاقيب): مفردها يَعقوب، وهو ذكَرُ طائر الحَجَل أو القَبَج. (صُرود): مفردها صَرد (كوردية- فارسية مُعرَّبة)، وهو مكان من الجبل لا شجر فيه لشدّة بردهِ (في الكوردية: سرت- sirt). (آميدي): مدينة كوردية تاريخية عريقة، تربض على قمة جبل شاهق. وتسميتها (وكذلك تسمية مُدن: آمَد= ديار بكر، وآمودا= عامودا) هي من بقايا اسم امبراطورية (ميديا) الكوردية الشهيرة، التي أسقطت امبراطورية (آشور) العظيمة، في عام 612 ق.م. (سِلْكان): مفردها سُلَكة وسِرِّكة (وهي فارسية مُعرَّبة)، وتعني أنثى الحجل أو القبج (والحجل والقبج كلاهما أيضاً فارسي مُعرَّب). (بيخير): جبل شهير يشرف على مدينة دهوك. (نُثار الطريق): ما تساقطَ في الطريق من الأمتعة. (نَهْبُ الأزقّة): ما تُركَ في الأزقة لِيُنتَهَب. (مآوٍ- مآوي): جمعُ مأوى، ملجأ. (قارّ): بارد. (العَرعَر): شُجيرة حرجية شائكة، من فصيلة الصنوبريات، تسمى في الكوردية (هه فرست- hevrist). (الدُّعْموص- جمعُها دَعاميص): دُوَيبّة تكون في الغُدران إذا نشّت،تأكل العشب وأوراق الشجر بشراهةٍ كبيرة، تشبه دودة القَزّ (دودة الحرير)، لكنها كبيرة الحجم ومُشعِرة، ولونها يميل إلى الأخضر. تسمى في الكوردية (ماشوت- mashut). (الأخضران): العشب والشجر. ويقال "هو يجرف الأخضرَين، تهويلاً". (السنديان): البلوط. (القيقب): شجر قوي الخشب، يسمى في الكوردية (كه فوت- kevot).(ينبجس الدم): يتدفق بشكل قوي. الفَراش: جمعُ فَراشة.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |