شعر

 

سِكّير في نفق ..

 

خلدون جاويد

 اُحُبُ الانفاقَ

اشعرُ فيها بسكـِينة ْ

وبتعذيب ٍ حلو ٍ أو مُر ٍ للذاتْ !

نفق يمر من فوقه قطار خائبْ

بـِدَوّي ٍ ناحبْ

نفق مهمل كطفولتي

تنمو فيه الاعشاب كيفما اتفق !

كيُتمي

النفق صامت اغلب الوقت

والصمتُ شفة مجروحة !

وراء النفق اشعة ُ شمس عليلة

وغيوم تتدحرج كالنسوة !

سُحُب ٌ كالحوريات  ...

ريح باردة خفيفة كالعُري  

وانا اقف هنا

وماذا يعني لو هناك !

بعيدا عن الارض

والناس والآلهة والسماء ...

وحدي

عليّ شحوب  حاناتْ !

وغـُبرة انكساراتْ !

عليّ ملامح حرب خاسرة ْ!

أبدا ً خاسرة ْ

جلدُ وجهي اصفرٌ كامد

مع حُبَيْبات الشباب الذاوي اعني الشيخوخة !

منذ اشهر لم اخلعْها

بذلتي الجميلة التي غدت متربة ً

بذلة اخرج بها وانام بها

آتي الى هنا الى منفى المنفى

كلّ يوم

نفق وصمت واشعة شمس بعيدة

وسحابات سماء ترباء

مطعونة بالزرقة  

واعشاب مُهانة بالغياب

اقف وحدي أقصد معها

سعيد بوجودي

لحيتي باكتظاظ شيب تالف !

وعيناي ذابلتان بالسهاد والاهمال

لا احد لي سوى زجاجة نبيذ

تقف معي على الارضية

كأنها حارسي اللعوب

او كأنها اُمي التي ستفارقني كعادتها !

اتناولها بين حين وآخر

واعود اضعها على الأرض

بوقار وامتنان

ادخن بشراهة

اتذكرهم

وجه زوجتي النبيل

واولادي الصغار

في بيت أخضر زاه ٍ بعيد

في حقل النور

ها هم يلعبون بالكرة قبالتي

معهم كلب جميل

يتراكضون ، يتلاهثون

أسوَد ْ ...

ينطفئ المشهد بلون أسوَد ْ .

يمر قطار من بعيد

امي هناك تطهو بلا طعام !

وأنا اشعر بوحشة  طفل ٍ على سُلـّم

بوحشة مرَضيّة !

استمع فجأة الى صفير كالنواح

لايزال يقتص مني بالذكرى

بغيابها الكوني المفاجيء !

يوم غادرتني بوجهها الأسيف

وهي وراء نافذة قطار الموت البطيىء  

ثم ينطفيء او يذوب

اسوَدْ

ينطفئ المشهد بلون عباءتها

أسوَدْ

امتص سيجارتي بشراهة

اعود لزجاجتي

أضعها على الأرض بملوكية

اعود لأتذكر

كنت اجلس على كرسي اسود اللون  

كنت اضع راسي على الطاولة

ابكي لاشهر لسنوات

على شيء ما مفقود

لا ادري اين هو !!!!!

لا ادري للآن !

تمر زوجتي تراني اعاقب نفسي

بانحناءة رأسي

على حافة الطاولة الصلدة

حتى يتورم في كل مساء جبيني !

أسوَد ....

ينطفي المشهد بلون منبر الحداد

مرة اخرى تتدافع الصور المريرة

تزحف كأفاع ٍ سامة ناعمة
عاد الصفير - النواح

ونوبات وحشتي المرَضيّة

الصراخ ُ الليلي تجاوزَ اسوارَ الليل

الصراخ عمّ النهارات

اضطرب البيت

قالت هي اخرج الآن

هيا اخرج من عشك !

اسوَد ..

الشوارع سوداء

سماء كوبنهاغن عتمى

والكون غبار دامس ........

جحرة في غابة

وراء بيت مخيف باهت الانوار ليلا

هناك ظللتُ فيها ابكي بفرح

اجهش بسعادة

انوح لأشفى من قيح

من اورام عصور هتيكة !

اسوَد ... أسوَد ... اسوَد

آه ... مَرّ النهار

الزجاجة قاربت على الانتهاء

الصمت بئر عميق

الشمس مستشفى خال ٍ

القطار بلا فحم ولا عجلات !

النفق سانت هيلانه !

وأنا الميت في الخامس من آيار *

بعد ذلك العِز غدوت كلبا شريدا

وانزويت في ذل ...

الشوارع تنينات نائمة

النفق نواح ناعم لقاطرة تحت التراب

اشعر بالخوف

اسوَد .. كُحْلي ... قطـَراني

بعد حين

كان هناك ليل

كانت خطاي تترامى على الطريق

ريح باردة في وجهي

ومصابيح في يـُتم ٍ تهتز

طريق العودة الى غرفتي

يترنح بي

غرفة مثل زنزانة ستدفن عاري !

غرفة كصندوق

يكفي لسرير واحد فحسب

غرفتي اصغر تابوت في كوبنهاغن

هناك سالقي بجثتي

وحيدا

كما انا في كل يوم

اسوَد

اسوَد

انه كتابٌ كبير

باوراق بيضاء

اقرأ فيه كلّ يوم ٍ سواد َ كلّ يوم

بحثا عن كلمة حُب

اسوَد ..

اتقلب على السرير

مثل كيس من احجار واشواك واتربة

لازاد كي آكل

لاشراب لطعم فم ٍ مُر

معدتي منذ فارقتني -" اُمي"-  خاوية

الماضي يشبعني بل يسقيني

من عطر امومتها وعباءتها بالاسوَد !

اقرا الاوراقَ البيضاء

بحثا عن كلمة حُب

بيضاء سوداء سوداء بيضاء ...

فجاءة ويتراخى الكتاب

على رأسي

اغفو

وينطفئ كل شيء

بعد حين

ينطفئ كل شيء

اسوَد

اسوَد عبر جميع السنوات

وعلى مر الدهور

اسوَد

أسوَد

اسوَد

اسوَد

 ********

 * كُتبتْ  شمال كوبنهاغن في 30 سبتمبر 2008 .

* موت نابليون بونابرت منفيا في جزيرة سانت هيلانة -  5/5/1821 .

 

  

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com