اللِّقاءُ
الحكيم
نوري الوائلي
غِيابُكِ في
الفؤادِ لهُ احتِشاءُ
وطَيفكِ في الخيَالِ لهُ انتِماءُ
عَشقتُكِ، هلْ إلى العُشَّاقِ صَبرٌ؟
وهَل يُجلَى بلُقيَاكِ الشَّقاءُ؟
عشقتكِ في القَرارِ كعِشقِ صَبٍّ
وَعينِي لَم يُكَحِّلها الضِّياءُ
فشَوقِي كالخُسوفِ بلَيلِ دَهرِي
ولَيلِي - مِن صَباً - ندراً يُضاءُ
يُقلِّبُني مِنَ الأشواقِ ضُرٌّ
لرُؤيَا مَن لَها يُرجى اللِّقاءُ
فَصبرِي للِّقاءِ دَبيبُ نَملٍ
وَشَوقِي كالجِيادِ لَها الفَناءُ
فَلا بالصَّبْرِ تَنفلِقُ اللَّيالِي
ولا بالوَصْلِ يكتَملُ الرِّضاءُ
فَقُربُك ِ قدْ أذاقَ النَّفْسَ حِسًّا
لَهُ لِلرُّوحِ دِفءٌ واحتِماءُ
فَخَوفِي بعدَما مُلئَتْ عُيوني
رَحِيلاً زادَهُ بالهَجْرِ دَاءُ
أُحاوِرُ مَن لَها في الرُّوحِ كَونٌ
فَيُكرِمُني معَ الرَّدِّ الحفاءُ
فيا لَيتَ اللِّقاءَ يشُدُّ صبرِي
ويَمْحُو مِن هُمومي مَا يشاءُ
لبُعدِكِ يرتَوِي في النَّفْسِ جُرحٌ
فيَشفِيهِ إذا شُفِيَ الفَناءُ
فجُرحِي نازِفٌ فيهِ صَلِيلٌ
تسَامَى مِن مَجارِيهِ الدَّواءُ
وباتَتْ - مِن قذَى أَلَمِي - عِظامِي
كأغصانٍ يُجرِّدُها الشِّتاءُ
فوَصْلُكِ والرحيلُ عمَى عُيُونِي
مَنَ الأشواقِ، أدْمَاها البُكاءُ
كِيَانِي في الفِراق ضَئيلُ قَشٍّ
عَلاهُ العَصْفُ ليلاً والهَواءُ
عُروقِي مِن أَسَايَ تَجِفُّ غمًّا
فَتروِيها بِلُقيَاكِ الدِّماءُ
فيَا ليلَ الأَسَى قدْ دُمتَ خُلداً
فهَلْ يُجْلِيكَ مِن عُمْرِي الضِّيَاءُ
* * *
لِوَصْفِكِ - إنْ وصَفتُ - لهُ انتِهاءٌ
ووَصْفُكِ بالكَمالِ هُوَ ابتِداءُ
سوادُكِ في الرُّؤَى نُورٌ وقُدسٌ
ورَوضُكِ لِلسَّمَاءِ لهُ السَّمَاءُ
وَيَكسوْهَا السَّوادُ.. كأنَّ بدراً
لهُ في اللَّيلِ وَهْجٌ يُستَضاءُ
جَمالٌ في المقامِ لهُ مُهابٌ
وأَركانٌ يُزَيِّنُها الغِطاءُ
بِها الدُّنيا غَدَتْ للكَونِ قلباً
على نبضاتِهِ دامَ البَقاءُ
بِها الآفاقُ أكوانٌ تَجَلَّتْ
بِها الأجواءُ مِصباحٌ يُضاءُ
بها النَّسماتُ أفواهٌ تنادِي
لهُ التَّهليلُ دوماً والثَّناءُ
لها ربٌّ يُتوِّجُها بِنُورٍ
هُوَ النُّورُ الإلهِيُّ المُضَاءُ
لَها ضوءٌ عَلا الأضواءَ وَهْجاً
بألوانٍ، فَيَتْبَعُهُ الفَضاءُ
رَحَلتُ مُهاجِراً أهلِي ومَالِي
لِلُقياها, فقَدْ طَفَحَ الإنَاءُ
سَعَيتُ مُنادياً والقَلبُ طَيرٌ
يُرفرِفُ نَحوَها والعَينُ مَاءُ
تُسابِقُ مِن عظِيمِ الشّوقِ قَلبِي
معَ السَّاقِينَ، يُسْعِفُها السَّخاءُ
فنادَى القلبُ: يا قَدَمَـيَّ سِيْرَا
فأَسْلَمَها إلى الرَّكْضِ الوَفاءُ
قَرُبْتُ وَمِن فِنَاهَا عِندَ ليلٍ
كأنَّ الأُفْقَ فَجرٌ وارتِقاءُ
أُعانِقُها كأضلاعِي لقَلْبِي
وأحْضُنُها فيغمُرُني البَهاءُ
عَجِبتُ لِطَلعَةٍ فاقَتْ خَيالاً
يؤجِّجُها بأضْواءٍ سَناءُ
جَلستُ أمامَها والعَينُ مَلأَى
بآياتٍ يُزخرِفُها النَّقَاءُ
سَجدتُ أمَامَها للهِ ربًّا
فرؤيتُها لِهَيبتِها نَماءُ
يلازمني الأمان كأنَّ رُوحِيْ
يُدثِّرُها بأَعْصَارٍ بِناءُ
دخلتُ مُنادياً "اَللهُ أكبَرْ"
فسارَعَ مِن مُناداتِي الوَلاءُ
ستيرٌ ماجدٌ رَبُّ رحِيمٌ
عِظيمٌ غافِرٌ أحَدٌ، رَجاءُ
دخَلتُ مؤمِّلاً كرَماً وَفَوزاً
ومَرضاةً بِها يعْلُو الرِّضَاءُ
فذنبِي ذَلَّنِي، والذَّنبُ ذُلٌّ
فمِنهُ ظاهرٌ، مِنهُ الخَفاءُ
فكيفَ بِحيلَتِي والنَّفْسُ ثَقْلَى
بِمعصِيةٍ بها يَكْبُوْ الدُّعاءُ
* * *
دخَلتُكِ طالباً ربِّي مَلاذاً
فأخجلَنِي مِن الطَّلَبِ الحَياءُ
دخلتُكِ حامِلاً في النَّفْسِ وِزْراً
عَلا الأكوانَ ضيق وإِسْتِياءُ
قَدِمْتُكِ حافياً، نَدَمِي عظيمٌ
لوجهِكِ قادَني ربِّي ابتِغاءُ
قدِمْتُكِ شاكياً للهِ أمْرِي
فقَدْ أضحَى معَ الذَّنبِ البَلاءُ
دخلْتُكِ حائراً: هلْ مِن شفيعٍ
فيأتِينِي مِنَ اللهِ النِّدَاءُ
أَتسأَلُ شافِعاً وأنا قَرِيبٌ
أُجِيبُ لِدعوَةٍ فيها الرَّجاءُ؟!
تُراني هَلْ أَعِيشُ ويأتِي يَومٌ
فيَجْمَعُنِي معَ البَيتِ اللِّقاءُ؟
سَلامٌ لِلمَقامِ ومَنْ بَناهُ،
سلامٌ صَادِقٌ فيهِ الوَفَاءُ