شعر

حياة عاطلة

سعد جاسم

شاعر عراقي مقيم في كندا

saadjasim59@hotmail.com

- الى العراقي في محنته -

 

بحكمةٍ عرجاء

ودهاءٍ طائشٍ

وبمكيدةٍ غامضةٍ

تدبَّرها :

إلهٌ غاضبٌ

وطبيعةٌ خائنةٌ

ولصٌ يهذي رصاصاً واكاذيبَ وقتلى

هكذا ......

أَنا العراقيُّ

سليلُ المسلاّتِ والمِحَنْ

المُمتَحَنْ

بفكرةِ الخلودِ

وجوهرِ الوطنْ

هكذا ....

أخذتْ حياتي تتهدمُ

وأخذتْ اشيائي تتعطلُ

 

في البدءِ :

تعطّلتِ الثلاجةُ

فجَعَلتْها زوجتي

خزانةً ذكرى

لأحذيةِ اطفالي

الذينَ طارتْ أَقدامُهم وتصاويرُهم

في ظلامِ العاصفةِ الاخيرةِ

 

ثمَّ تعطّلَ التلفزيونُ

ففرحتُ لهذا العطلِ الضروريِّ

الذي انقذني من رؤيةِ

الصنمِ الساقطِ

واللصِّ اللقيطِ

ورؤية " اليانكيينَ "

و" الكاوبويز "

ودهاقنة التحريرِ والتنظيرِ

والتحريمِ والتجريمِ والتقسيمِ

الذينَ إتخذوا من التلفزيونِ مقهى رئاسياً

أو مضيفاً عشائرياً " يسولفون"

ويسوّفونِ فيهِ بطولاتهم وخرافاتهم واكاذيبهم

ووصاياهم وصفقاتهم الفنطازيةِ

ويزوّرونَ دموعَ امهاتنا

ودماءَ اخوتنا

وتاريخَ آلامنا الثقيلة .

 

أهووووووووو ... اووووووف

التلفونُ هو الآخرُ تعطّلَ

فأصبحَ مثلَ طائرٍ ميّتٍ

بلا رنينٍ

بلا زقزقةٍ

بلا أصداءٍ ولا عواطف

وبلا ثرثراتٍ ولا تحرشاتٍ

تُثيرُ غيرةَ الزوجةِ

وانوثتها وهواجسها العنكبوتية .

 

ثمَّ تعطَّلتْ غسالةُ الملابسِ

وبعطلها ؛ اصبحتْ برميلاً صدئاً

يلوذُ بهِ الفراتُ

هرباً من اللصوصِ والبرابرةِ

وتجارِ المياهِ العثمانيةِ .

 

ثمّ تعطَّلتِ المكواةْ

فغدتْ قمصانُكِ يإإمرأتي

وثيابُ بناتي الحلواتْ

" لنكَاتٍ " ياوطني " لنكَاتْ " *

ضَحِكَ العالمُ

مني

عليَّ

وفاتْ

" الثعلبُ فاتْ ... فاتْ "

والمحنةُ والجوعُ وشيعهْ

والذيلُ التفَّ على عنقي

والذيلُ سبعُ لفاتْ

أيضاً :

ضَحِكَ العالمُ

مني

عليَّ

وفاتْ .

 

وكذلكَ تعطّلتِ الابوابُ

فأصبحتْ تقفلُ على نفسِها

حينَ نريدُ أَن نرى

وجهَ اللهِ

ووجهَ البلادِ الكالح

أو تعاندُ

وتبقى فاتحةً أَفخاذها

للريحِ المُتنمّرةِ

والبردِ الفاتكِ

وللمخبرينَ ... وزناةِ الظلام .

 

..................

 

المرايا .... الكتبُ

الأسرّةُ .... المفاتيحُ

الجدرانُ ... المصابيحُ

الستائرُ ... الشبابيكُ

التصاويرُ ... والذكرياتُ

تعطّلتْ ايضاً .

 

وكذلكَ رأيتُ الحديقةَ عاطلةً

الازهارُ تفسختْ

وعطرُها تعفّنَ

الاشجارُ تتساقطُ

من قاماتها...

الجذوعُ جثثٌ

والعشبُ مريضٌ

وشاحبةٌ خضرتُهُ

والعناقيدُ كالاراملِ

ياباسات بلا بريقٍ ولا أملٍ .

 ....................

 

ياإلهي ...

حتى الاطفال

الاطفالُ

أصبحوا عاطلينَ

لامرح .... لا كركرات

لامقالب .... لاصراخ

لا " بابا وماما ومدرستي

أحبهم ويحبوني "

لا " غزاله غزّلوكي "

لا " عندي خروفٌ ابيضُ "

لا " كوكو وتوتو "* *

ولا " موطني ... موطني "

حيثُ أنَّ الوطنَ

مريضٌ

و

ع

ا

ط

لٌ

عن ...

ا

ل

و

ط

نْ

فَمَنْ ؟

للعراقيِّ في محنتهِ

مَنْ ؟؟؟

. . . .

 

وأَنتِ يا ....

أَيّتُها السيدهْ

ياربةَ البيتِ

أَرجوكِ لاتكوني

كجثةٍ باردهْ

تفوحُ بالموتِ

لمْ يبقَ لي

غيرُكِ في الوجود

أرجوك يا ...

تَمَهّلي ...

أرجوكِ لاتتعطلي

لأنكِ البذرةُ

والفكرةُ

وربةُ الخصبِ

أَرجوكِ أَن تبقي

وتَهبي الحياة

في زمنِ الموتِ .

 اشارات

 --------

 * اللنكَات : الملابس المستعملة .

 ** اسطر من قصائد واغنيات مدرسية .

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com