شعر

 

 أزهار ذابلة على شبابيك منفى

خلدون جاويد

khaldoun3@hotmail.com

كتبت هذه الخاطرة أمام شباك امرأة دانماركية ، في 9 آذار 2006 .... دور العجزة... قريبا من مدفن سورين كيركجارد  كوبنهاغن .

مرحبا سيدتي

أنا المستأجر المارق الجديد

- من العراق ...

جارك : الطائر المذعور

الذي حط على الغصن بقربك 

وسرعان ما يغادر

ها أنا أراك ياسيدتي 

من كوة رمداء في مبنى الخراب

تسقين اصص الورد

في غرفتك

قرب شباكك المتاخم

انحناءتك مثل أيامي

وصمتك مثل ظلي

وشعرك الحائل مثل قصاصتي الترباء .

لقد انتهى الطواف اللآهث

وألقوا بنا هنا

دفعة واحدة

مثل كيس ثقيل .... القوا بنا وتبددوا .

الليالي دهاليز

والكون سكون متصل

ياسيدتي ذات الشعر الأبيض الفاقع

ها أنا أرنو اليك

بعين أسيفة

وقلب كسير

قامتي مثل قامتك

حنو ٌ على رضيع من وهم

ومهد من خيال

ياسيدتي ها أنت صنوي

في جدث ٍ مؤقت

نسقي السوسن كل صباح

نتطلع الى الأشجار الذابلة

الى ثلوج على أرصفة

الى سماء داكنة غائمة كلحاء

الى أمسنا الكليم المتهاوي

الى أوسمة في الوحل

الى رتبة صدئة

الى ابناء غادروا

الى محطات عمر هي خطفات ضوء

هي اطياف من بشر ذاو ٍ

هي قطارات في هاوية

هو ماض ٍ جثا وهو يجهش

في اليقظة والأحلام

فالكوابيس بيوت

والنهارات سلالم تنتهي للحضيض

 باهت لون الستائر

حنظل طعم الحياة

البهاق في الوجه

ودمامل الورم في الأصابع

والعروق في الأقدام المتجحظة

بالأحمر والأزرق

والسل منديل اسود تحت الوسادة

وآهات هو المدى

وبحر من الأوراق هي الشكاوى

من يصغي لنا بعد طلاق الروح

وبعد فراق البيت الوطن الابناء

لكن يمر الوقت

مع الإسطوانات القديمة

والصور والإيقونات

وهدايا ومناديل وآثار قُبل

وجنبدة يابسة في كتاب

ولوحة ما في جدار من ظلام

تطل علينا في الهزيع الأخير من الليل

تلملم الأرقام وعقربي الساعة

واطارها الدائري العتيق

تلوّح لنا بيد من جذام

هيا انتهى المشوار

الخشب ارضة والحديد صدأ

" وكل الذي فوق التراب تراب "

الدهور أيام

والسنوات دقائق

وكل شيء زائل

واسرعهم زوالاً  نحن

قريبا سيحل مستأجر عجوز جديد

فالسكنى تتوفر

اذ قلما يمكث المرء طويلا

في مجمع كبار السن هذا

فقابض الأرواح هنا

زائر دؤوب

والمقبرة : الوجه الثاني للمستشفى

ستبقى بعدنا الشبابيك المنخورة

والستائر السوداء وأصص الديدان

والأشجار الهرمة

وأكفان الثلج على الأرصفة

سينثر الضياع عفشنا البالي

وسينقلوننا الى هناك

حيث لاورود ولا شبابيك

ولا فرق سيدتي بيننا بالهباء

فرق وحيد هو

ان مأواك الخالد هنا

حيث ولدت وحيث تموتين

أما أنا فالعراق بعيد ... بعيد

ومن ياترى يقوى على الموت في العراق ؟

ولو ساعة ً واحدة .

لقد صمدنا سيدتي في المنافي حتى الانطفاء

الديكتاتور اراد ذلك

لا أحد يحاكمه على فعلة المنافي

مثلما لا أحد من الرجال الجوف 

يرجعنا الى الحياة  للعراق .

فالحلم انكسر والخراب مايزال

على يد الموت وحده سنعود

سيعود الحطام للحطامْ

ويأوي الحريق الى بيته في سلامْ .

لابد من عودتنا موتى

ولو موتى

الى العراق .

وهذا حلم أموات .


 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com