شعر

 

في عُمق هذا الطريق

شعر: محمد حمو

ترجمة: صلاح برواري
berwari57@hotmail.com

   محمد حمو، حَجَلٌ طارت به ريحُ شَمالٍ من (كورد داغ)، في أقصى غرب الوطن، لينثرَ على هامةِ (أزمر) في أقصى شرق الوطن، بَتلات قصائده المضمّخة بعبق شُقار سهل (جومه)، ومزينة بأكاليلَ من أغصان زيتون (عفرين).

   محمد حمو واثقُ الخطوةِ يمشي شاعراً، غارساً في كل قصيدةٍ من قصائدهِ قطعة من قلبهِ، حتى غدَت القصيدةُ بديلاً لهُ عن القلب، تخفق على أنغام (آديك)، لترشَّ عطرها النرجسي على جدائل (السليمانية)، قلعة الثقافة والكردايتي، الجاثمة بوداعةٍ ودلال في حضن جبلي (أزمر) وشقيقه (كويزه-Goyje).

   هاهي قصائد شاعرنا المبدع (محمد حمو) تقدمه إلى قراء شعره:

ندَم

يساورني شكٌ

في أنني قد أندمُ يوماً

على ما فعلتهُ في حياتي.

لكنني...

لستُ نادماً أبداً

على كسري لساعتين،

إحداها...

كانت تسيرُ الهُوَينا،

وبتثاقل

كلما كنتُ أنتظر قدوم

حبيبتي!.

والأخرى...

كانت تعدو بسرعةٍ

وعُجالة،

كلما كنتُ ألتقي

حبيبتي!.

 

عِشق

ليسَ ثمة

أيام محددة

لاغتسال المحبّين.

ففي كل يوم

وفي كل آن

تستحم أجسادهم

في أنهار الحب،

عند نبع الأحاسيس

وبالدموع الرقراقة!.

( سجن حلب:2000)

جراح

جراحُ العشاق

إذا لم تخدَّر

بإبر بريق عيونهم،

وإذا لم تخاط

بقبلاتهم؛

فما عسى أن يفعله

الحكماء والجراحون؟!.

 

حبيبة قلبي

من دون شمعةِ قلبي،

في ظل المصابيح،

في ظل أشعة الشمس،

لا أستطيعُ...

قراءة أو كتابة

صفحة واحدة

من صفحات العشق!.

 

رفيقتي

من خلفِ قضبان الحديد

من خلال أسلاكِ الغِربال

قرأتُ...

أسرارَ وخبايا عينيكِ،

أدركتُ حينها

أنَّ آدمَ وحواء

قبل أن يُطرَدا من الجنةِ،

تقاسماها

بين بعضِهما.

حوى آدمُ في قلبهِ

القصورَ والرياضَ والأقداحَ

والكبرياء،

وحوَت حوّاءُ في قلبها

الورودَ والأزهارَ والفاكهة،

والشرابَ والجَمال.

لذلكَ...

كلما اجتمع قلباهما،

نشأت جنة جديدة!.

(سجن حلب:7/1/2000)

 

الوحدة

هربتُ من النوى

فانتأيتُ أكثر!.

قافلة الوحدةِ

ضمتني إليها،

أركبَتني...

جواداً أعمى

استقبلتني...

بقرع طبول الأحزان،

لتنزلني...

وسط أحراش الألم،

داخل منزل الاغتراب!.

كانت النجومُ

جارات صمّاء

والقمرُ

حبيبة خرساء،

والزمنُ الجافي

ضيفٌ ثقيل الظل،

وطيسهُ حام ٍ...

يلتهمُ دقيقَ حياتي

ويشوي

أيامي ولياليَّ!.

 

أمواج هائجة

مَن كان يمكنه

تمييز السواد من البياض؟

من كان يعرف

خيمة النور؟

من كان يعيل الظلام

بالنور؟.

كنتُ طفلاً رضيعاً،

حين امتلأتُ رُعباً

من هدير السُحُب،

وعلى صوتِ هزيم الرعد

اعتليتُ أمواجَ النور!.

يومَها عرفتُ...

أنّ أقوى نور

هو ما ينبعُ من الظلام،

وأنّ هزيم الرعد

يحطمُ فورةَ السُّحُبِ؛

فتصبّ هذه

غليلها

فوق سحنة الزمن

لتصبح طوفاناً أهوج

يموجُ وسط الأحياء والأزقة

وينتهب القرى والمدن!.

لحمُ الإنسان... عشاؤهُ

وشرابُهُ... الدَّمُ!.

وحوشُ الجبال تستأنس،

والناسُ تتوحش في الأزقة،

تتخلى عن إنسانيتها

وتستحيلُ قِرابَ دَم ٍ

لذا...

أعظمُ مقاومة

هي التي تتمخض،

وسط الأمواج الهائجة،

عن الحياة!.

 

أمّاه

نسيجُ نشيجكِ

لا نهاية له،

إنه بطول

أشعة الشمس!.

لوّنتيهِ

بكل ألوان الجراح و

الآلام التي لا حصرَ لها.

إلى أيّ جامع

ستهدينه،

إلى أية كنيسة؟

تحت قدَمَي

أيِّ إمام

أو مطران

ستفرشينهُ؟.

زيّنتِ نسيجَ نشيجكِ

برسوم اللوعةِ والنجواء،

في كفةِ ميزان أيّ عدالةٍ

سيستقر؟.

إنهُ مشبع بالدموع،

ترى...

تحتَ وهج حرارةِ

قلبِ مَن

سنفرده؟!.

 

عفرين

زهرةُ حياةِ قلبي

أنتِ

قبلة العشاق

أنتِ

يوماً بعد يوم

تزهرين

في قلبي.

فورانُ قلوبِ العشاق

أنتِ

دوماً...

تغلينَ داخلَ كبدي!.

حِضنُ الجبال الزاهية

أنتِ

بعيون ماءِ الحياة

تطفئينَ

ظمأ الفرات ودجلة.

عفرينُ...

إن لم يكن بمائِكِ،

فبعشق ماءِ أيِّ نهر

سيخبو لظى هُيام وطني...؟.

عفرينُ...

لا أعرفُ

أأنتِ أمّ...

أم أنتِ... حبيبة؟.

لكنني أعرفُ أني

دونَ شمِّ تلابيبكِ

لا أعيش،

ولا معنى للحياةِ عندي!.

-------------------

الشروح: كورد داغ أو جبل الكُرد: الاسم العثماني القديم لمنطقة عفرين (شمال غرب حلب) في كردستان سوريا. بتلات: مفردها بَتلة، وهي كلمة مُعرَّبة (أي غير عربية) تعني (القعالة)، وهي كل ورقة من تويج الزهرة. الشُقار أو الشُقارى: جنس نباتات عشبية معمّرة، من فصيلة الشقيقيات (أي شقائق النعمان) أنواعه عديدة، معظمها برّي وبعضها زراعي تزييني، وهو جميل الأزهار المتعددة الألوان. سهل جومه: سهل معروف في منطقة عفرين. آديك: فنان كردي يزيدي معروف في منطقة عفرين، يبلغ نحو التسعين من عمره، وهو مشهور بغنائه الشعبي الشجي، إضافة إلى كونه موسيقاراً رائعاً، وفناناً في صنع آلة الطنبور الكردية. الهُوَينا: المشي بتؤدةٍ ورفق. النوى: البُعد، وانتأيتُ: ابتعدتُ. الوطيس: التنور وما أشبهه. الهزيم: صوت الرعد. النشيج: البكاء من غير نحيب أو انتحاب(أي من غير شدة)، وهو البكاء الذي يبقى صوته مخنوقاً في الصدر. النجواء:حديث النفس ونجواها. اللظى: لهَبُ النار. الهُيام: أشدّ العطش. التلابيب: ما في موضع اللبَب ( وهو موضع القلادة من الصدر) من الثياب.

ملاحظة: القصائد أعلاه مستلة من ديوان للشاعر محمد حمو بعنوان ( في عمق هذا الطريق)، من مطبوعات مؤسسة (خاك)، السليمانية:2004. وللشاعر، إلى ذلك، عدة أعمال شعرية وأدبية باللغة الكردية، اللهجة الكرمانجية الشمالية وبالحروف اللاتينية، وهي: (مجمع الأزهار)، مسرحية أطفال، بيروت- 1994(من منشورات مكتبة بدرخان- حلب)، وترجمت إلى اللغة الفرنسية من قبل الأديب الفرنسي (دومينيك فراديت) وصدرت في فرنسا- ريمس، في عام 2000. (نزهة القلب في عزاء الحب)، مجموعة شعرية، بيروت-1997 (منشورات م.بدرخان- حلب). (تحت رحمة الحياة)، مجموعة شعرية، منشورات م. بدرخان- حلب 1999، وصدرت معها ترجمتها العربية أيضاً، من ترجمة الشاعرة الكردية الشابة (آخين ولات).

   كان الصديق الشاعر محمد حمو يملك في حي الأشرفية بحلب مكتبة باسم (بدرخان)، تعنى ببيع ونشر الكتاب الكردي، وقد اعتقل بسبب ذلك لعدة أشهر، في كل من حلب ودمشق. وبعد الإفراج عنه بفترة، صودرت مكتبته بكل محتوياتها من قبل قوات الأمن السورية، وتم اقتحام منزله ومصادرة مكتبته المنزلية أيضاً، ونجا هو من الاعتقال لكونه كان مسافراً. ومن يومها قرر الشاعر محمد حمو التغريد خارج الوطن، حيث لجأ إلى إقليم كردستان العراق في عام 2000، وأقام في مدينة (السليمانية) ولا يزال. وهو يعمل في فضائية (كوردسات). وكتب الشاعر العديد من قصائد ديوانه هذا في سجني حلب ودمشق.



 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com