شعر

 

كسَّرتُ المَرايا

شعر: كزال أحمد

ترجمة وتقديم: صلاح برواري

berwari57@hotmail.com

شاعرتنا الشابة كزال أحمد، هذه النجلاءُ التي أنجَلت عيني القصيدة الكردية، تمسكُ منديلَ القصيدة؛ لتقودَ دبكة الشعر الصاخبة لفتياتِ كردستان النجلاوات، واضعة في عيني كل فتاةٍ كردية، قصيدةً مُكحَّلة تزيد عينيها اكتحالاً.

 في الكثير من قصائد كزالَ(تِنا)، والتي هي أزهار شائكة، ثمّة بُعد سايكو- سوسيولوجي واضح؛ تنتقد فيها النظرة الأحادية للرجال الحُوُل (اجتماعياً) حيال المرأة، واضعة إياهم على صفيح نقدها الساخن.

 ظاهرةُ كزال، وكزال الظاهرة في الشعر الكردي، تستوجب أكثر من وقفة تأمّل ودراسة وتمعُّن مستفيض. إنها صوتنا المخنوق في دواخِلنا، صوتنا المبحوحُ الذي عَلتهُ غبرةُ تفكيرنا القبَلي!.

 هذه القصيدة الطويلة والرائعة، والتي هي درّةُ تاج شِعر كزال، هي في عين الوقت عنوانُ مجموعتها الشعرية الرابعة:

 

(كسّرتُ المرايا)

 كسّرتُ مَرايا القدَر التقليدية،

حيثُ الفتياتُ الكسيرات

يتسمَّرنَ أمامَها

منذ زمن.

منذ زمن، لا أراها ولا تراني،

مُذ أن: هشَّمتُ مرآةَ الجغرافيا والتاريخ

ومثلُ (مستورة)،(1)

حيالَ مياهِ الشعر الرقراقة،

اعتمرتُ زينة العقل والكمال.

جاءَ زمنٌ...

هشَّمَ مَرايا رجال العشيرة،

التي كانوا يفاخرون بها

أمامَ معشوقاتِهم.

فتَّتَ...

تلكَ المرايا التي،

ولسنين،

كانت تتصدَّرُ مواكبَ العرائس!.

كسَّرتُ المرآةَ المُغبَّشة لعصري هذا

كونها كانت:

تكبّرُ الصغيرَ

وتصغّرُ الكبيرَ

ومليئة بالدكتاتوريين والعفاريت!.

والآنَ أيضاً

حين أشهقُ

تخترقُ شظاياها جدرانَ قلبي،

وبدلاً من العَرَق

أنضحُ فتاتَ زجاج!.

كسَّرَتْ مرآةَ مِزاجي

فرضية أن يكون كبيراً عندنا،

متناهياً في الكبر،

صوتٌ واحد

لونٌ واحد

ذوقٌ واحد.

كسَّرتُ مرآةَ العبادةِ العمياء

والمدح الجنوني،

رميتها في الزوايا المهمَلة

لأقوال كل تلكَ الأسماءِ الكبيرة

التي لا تنتمي إلى عالمي

بل إلى مرآة عصر قديم

وزمن علاهُ الغبار.

كان صباحاً

حين سقطت أرضاً

مرآةُ الحظ الوديعة

لذاتِ الدلال.

هرعَت أمها

بقلبٍ واجف

نثرَت عليها حفنة سكر

كي لا يلفّها مستقبلٌ حالِك،

ويتأخر زواجها.

كان الوقتُ متأخراً

والنظرُ إلى سحنةِ المرآة

يؤجِّجُ نفحة جنون،

حينها هرعَ والدُ بائسةٍ ما

كهائم ممسوس

رشَّ حفنة ملح

داخلَ حذاءِ الليل المتداعي،

على أمل أن

يغادر سريعاً.(2)

لا يهمني أن يكون الوقتُ

صباحاً أو متأخراً

حين أكسِّرُ المرايا بيديَّ،

لا حاجة لي بملح وسكر

حين ألوكُ الزمنَ

كعلكةٍ

في فم وحدتي وألمي!

أعمل منه نفّاخة

وأمطهُ

حتى لا يُدرك النوم

لحظاتَ وَلهي!.

أنا(يَ) هذه،

جميلة أكثر

في المرآة المهشّمة

حيثُ لا يدركها التكرار؛

إذ كي أرمِّمَ ذاتي

داخل كل هذا الرُّضاض (3)

أحتاجُ زمناً

لمراجعة ذاتي!.

بشفتين مخضّبتين بالحمرة

قبلتُ سحنة مرآةٍ

لا تترككَ يوماً

دون أن تلقي عليكَ

تحية الصباح.

بعينين مضمّختين بأريج

سحر وأساطير قرون خَلت

رمَقتَ

وصهرتَ بنظراتكَ

مرآةً معلقة في قلبي

وحيدة، متوحِّدة

كعشقِكَ.

تغيظني

تلك المرايا،

التي أوجدَت عبادةَ الذات

وقتلت في الأعماق

عبادة الآخرين.

طائرٌ في قفص،

في سجن الحياة

المظلم هذا،

حين يُصادَر جناحاهُ،

ما حاجتهُ

للنظر إلى نفسِه؟!.

تغضِبُني كثيراً

تلك المرايا

التي تشغِلُ الفتيات

لساعاتٍ طوال،

بَيْنا كلُّ تلكَ الكتب الجميلة

في انتظارهنَّ،

قد نبشَت شوارعَ اليأس!.

فتاةٌ في قافلةِ أنفال حزينة

لا تملكُ مرآةً،

فتاةٌ فقدَت حبيبَها وديارَها وعشقها

ما حاجتها إلى مرآة؟!.

أنا أيضاً بدونِكَ،

أجزائي

لا تشبهني أبداً.

لِمَ لا أتهشَّمُ مع المرايا

وأتفتّت؟.

تبَّت يداي،

كيف هشَّمتُ

أغنية طفولية، تقول:

" المرآةُ لي، والطمّامة لك".(4)

لا أعرفُ كيف:

تساقطت من يدي

الأشعارُ البلورية

لدواخل قلبَي (مَحْوي) و(مَولانا)،(5)

انفلتت من عينيَّ

شظايا مرآةِ نور الله

الساطعة!.

ترى، أهيَ نهاية عُمُري؟

هكذا فجأةً،

يسّاقط من جسدي

مُشطُ الروح و

مرآةُ الحلم الأبدي

للقياكَ؟!.

لا...

الجُثومُ الوديعُ للفاخِتة (6)

عند زجاج النوافذ،

الباردِ والقارّ،

أو نعيقُ الغراب

الذي يُطبقُ السماء،

لا يبدو أنها نذرُ موت!.

لكنّ عيني اليَسار

تطرف

ثمة حزن، سيحلّ ضيفاً على بيتنا!.

لتخسأ المرآةُ التي

أعرفُ أنَّ كسرَها

سيجلب لي الشؤم،

وستقطّعني

بأصدأ قِطعِها.

لِيُقصَف عُمُرُها،

لا أهابُها

حتى لو قضَت عليَّ!.

تبَّت يداي،

كيف لم أكسِّر

تلكَ المرآةَ التي

هزَمَتها عينُ الحسود و

جلادي المعمورة؟

أولئك الذين

كانوا يزيّنون أمامها

ملامحَ آثامِهم!.

في المرآةِ المكسورة

هذا الـ(أنتَ) أحلى،

والذي إلى الممات

لم ينكسِر

ولن ينكسِر

داخلَ أنا(يَ)!.

عُذراً من عِشقي؛

فأنا أكثرُ حسناءٍ

لحقتها اللعنة

في عصركَ هذا.

فالورودُ التي أهدِيتُها،

حاصَصتُكَ فيها.

وتلكَ الحِجارُ التي

رشَقني بها العِدى (7)

أصابتكَ!.

لا أعرفُ...

ما الذي يدفعُ كاسرةَ المرايا

إلى العشق؟

لِمَ لمْ تمُت؟!.

--------------

الشروح:

1- مستورة: هي الشاعرة الكلاسيكية الكردية المعروفة (ماه شرف خانم أردلاني) (1220-1264)هجرية، وهي من شرق كردستان (مدينة سنه)، ومعروفة باسم (مستورة كردستاني).

2- في الموروث الشعبي الكردي، حين تنكسر مرآة يُرَش عليها السكر، تفادياً لحدوث شؤم، ولا سيما حين تنكسر بيد فتاة. وحين يحل ضيف ثقيل الظل على بيت ما ويطيل المكوث، يهرع صاحب البيت إلى رش الملح داخل حذائه خفية، على أمل أن يغادر الضيف سريعاً. وهنا، في النص، يحل الليل محل ذلك الضيف الثقيل الظل

3- الرُضاض: فتات الشيء (بضم الفاء)، أو الفتات مما رُضَّ ودُقَّ.

4- الطمّامة (أو كما تسمى بالكردية: جَموله-chemole): هي لعبة شعبية عراقية، يلجأ فيها الطفل إلى فتح كف يده في وجه صاحبه، حين يغلبه في أمر ما ويريد أن يغيظه، قائلاً له بمزح ومرح: "طمّامة"؛ فيرد عليه الآخر بنوع من الانزعاج: "طمّامة اللي تطمّك". وفي بلاد الشام يقال لها (تلبيع)، حيث يقول الطفل لصاحبه: "ألبّعلك"؛ فيرد عليه الآخر: "خمسة بوشّك- أي بوجهك)، فاتحاً كفه في وجهه هو الآخر، ويسمي المصريون هذه اللعبة أو المزحة (كبّة).

5- محوي: هو الشاعر الكلاسيكي الكردي المعروف (محمد بن عثمان بالخي)، من أهالي السليمانية (1830-1904)م، و(مَحْوي) هو تخلصه الشعري. مولانا: المقصود به الشاعر والمتصوف الكردي الشهير (مولانا الشيخ خالد شهرزوري النقشبندي) (1773-1826)م، وقبره مزار معروف في (حي الأكراد) في العاصمة السورية (دمشق).

6- الفاخِتة: نوع من الحَمام البرّي المُطوَّق، قيل لها (فاختة) للونها؛ لأنه يشبه (الفخت) أي ظلّ القمر، ويقال لها في اللهجة العامية العراقية (كوكوختي). 7- العِدى: الأعداء.


 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com