شعر

مرثيةٌ مبكرةٌ لشاعر غريب

 

مصطفى المهاجر / استراليا

شاعر و صحفي عراقي مقيم في استراليا

عضو اتحاد الكتاب العرب في دمشق

malmohajer@hotmail.com

1

 في ستينيات العمر اتوكأ على بقيةِ احلامٍ أطفأت بصيصَ شمعتها رياحُ الغربة المزمنة...... وأتساءل بحزن "يعقوبي" الملامح: أترانا نولد على أرضِِ لنموتَ على أرض غيرها..؟!!

2

ظامئة بقية هذا الجسد المنهك بالحنين والتوجع ، لملامسة ذلك التراب الذي أمتلأ من أجساد الأحبة والأهل حتى التخمة....؟؟!!

3

كم هو غريب أمرنا..... نحن الشعراء..... الفقراء...... البائسين....... الغرباء ، يملؤنا النفي و الغربة قروحاً "وأين كان غريب غير ذي قرح" (1) ، ثم نظلّ نتوجع شوقاً الى مصدر آلامنا....؟؟!!

4

كم يقلقني وأنا اشعر بوطأة اقدام الأيام على صدري و هي تدبّ فوقه بأحذتيها الرصاصية الثقيلة "لماذا تلبس السنوات أحذية رصاصية" (2) ، أن تفارقني نسمات الحياة و ليس من عيون عراقية تضفي على المشهد الكئيبب لمسات  مودتها "كم موحشٌ أن أسير الى الموت دون عيون عراقية في الشبابيك" (1)

5

وكم ظلّت تداهمني كوابيس اليقظة ..... وهي تحيلُ الألوان الزاهية الى لون رمادي قاتم.... تذكرني بشعراء العراق الذي لم تكتحل أعينهم بالمشهد الأخير لسعفات النخيل و هم يطبقون عليها أجفانهم للمرة الأخيرة.....!!!

6

يالصرخات السياب....... "عراق......يا عراق" (3) كم ترددت أصداؤها في خلجات روحي..... و أنا أقف بعيداً على حافة العالم.....مستغيثاً معه "البحرُ أقرب ما يكون و انتَ أبعد ما تكون" (3)

7

كلما أوغلتُ في غربتي .....و تناءت بي المسافات... ووقفتْ الحدود و السدود و البحار و المحيطات ما بيننا ،كلما أحسست انني أصبحت أكثر قرباً  منه "وصرتَ قريبا كرفة جفن" (4) حتى ليخيل إليّ أحيانا انني اذا مددت يدي ستعودُ موثقةً بخيط أخضر معطر بأريج المقامات الطاهرة........!!!

حينما كنت في دمشق ، تلك التي تدخل القلوب بلا استئذان ، و كان العراق على مرمى حجر..... وعلى لمحة بصر...... كنت اشتعل حنيناً إليه و أتقطع حسرات عليه ، أما الآن و أنا هنا في "تلفات الدنية" فلا أجد في قواميس اللغة مفردات ٍ تكون بحجم أضطرابي و ضياعي.

9

كتبت مقالاتٍ..... و ألقيت محاضرات ، عن الغربة في شعر و حياة الشعراء العراقيين كالسيّاب و النواب...... و رثيت بقصائد اولئك الذين احتضنت أجسادهم تربة دمشق الحانية كالشاعر مصطفى جمال الدين.... و ما زال هاجس كئيب يخامر نفسي...... ترى من سيجرد قلمه لرثائي.......؟!! و من سيذرف بضع كلمات تُذكر الباقيين بغربتي و ضياعي........؟؟!!!

10

ليست النهاية ما يشغلني حقاً فـ "كل من عليها فان...." (5) غير ان الموحش في الأمر ان تصاحبني الغربة الى باطن التراب بعد ان رافقتني دهراً فوقه ...... و أن تمتد تلك الغربة والنفي ليشملا القبر أيضا....!!!

11

مؤمن بـ "وما تدري نفس بأي أرض تموت" (5) ، غير أن رجائي برحمة الله يدفعني أن أساله "أن لا أموت غريباً ميتة الشبحِ" (1)

  

1. من شعر مظفر النواب

2. من شعر سعدي يوسف

3. من شعر بدر شاكر السياب

4. من شعر مصطفى المهاجر

5. من أيات القرآن الكريم

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com