شعر

لي مايُبرِّر وحشتي *

يحيى السماوي

 ( قراءة في بعض رسائل الأهل والأصدقاء )

ليْ ما يُـبَـرِّرُ وحشـتي هذا الصّباحَ

كأنْ أغضُّ الطّرفَ عن وردِ الحديقة ِ

وابتهاج ِ صبيّتي الصُّغرى بأفراخ ِ الحَـمام ِ

 

ليْ ما يُبرِّرُ وحشتي هذا الصباحَ

فإنَّ أمي تشتكي صَمَما ًوقدْ عشِـيَتْ

لماذا لا أكفُّ عن اتِّصالي الهاتِفِيِّ بها

وإرسالي المزيدَ من التصاوير ِ الحديثة ِ

هل يرى الأعمى من القنديل ِ أكثرَ من ظلام ِ ؟

 

           

ليْ ما يُبرِّرُ وحشتي هذا الصباحَ

فإنَّ جارَتنا " حسيبةَ َ" باعتِ  الثّورَ الهزيلَ

وقايَضَتْ ثوبَيْن ِ بالمحراث ِ

وابنتها ـ التي فُسِختْ خطوبتها ـ اشترتْ نولا ً

ولكنّ الخِرافَ شحيحة ٌ ..

كادتْ تُزَفُّ إلى ثريّ ٍ جاوزَ السبعينَ

لولا أنّ داءَ السُّكريِّ أتى عليه ِ

ولم يكنْ كتَبَ الكتابَ

فلمْ ترثْ غيرَ العباءة ِ والسِّـوار ِ

ووهْم ِ بيت ٍ من رُخام ِ !!

 

 

ليْ مايُبرِّرُ وحشتي هذا الصّباحَ

كأنْ أصيخ السّمعَ

للماضي الذي لم يأت ِ بعـدُ

وأنْ أعيدَ صِياغة َ النصِّ الذي

أهْمَلتهُ عامين ِ ..

لا أدري لماذا لا أكفُّ عـن الـتـلـفُّـتِ للوراء ِ

ولا أملُّ من التأمُّل ِ في حُطامي !؟

 

ليْ ما يُبررُ وحشتي هذا الصباحَ

فإنَّ " نهلة َ " جاءها طفلٌ لهُ رأسان ِ ..

" نهلة ُ " كانت القنديلَ في ليل ِ الطفولة ِ

ضاحَكَتْني مرة ً فكبرتُ !

أذكرُ أنني ـ في ذاتِ وجد ٍ ـ

قد كتبتُ قصيدة ً عنها

وحين قرأتها في الصفِّ :

صفَّقَ ليْ المُعـلّـمُ

غير أنَّ بقيّة الطلّاب ِ أضحكهم هُيامي !

 

ليْ مايُبرّرُ وحشتي هذا الصباحَ ..

يقولُ " رفعتُ " في رسالتِه ِ الأخيرة ِ

إنَّ " محمودَ بن كاظمَ "

بات ـ بعد العفو ِ ـ حُـرّا ً

غير أنَّ حديثه ُ يُفضي إلى ريب ٍ بعقل ٍ

فهو يُطنِبُ في الحديث ِ عن التقدُّم ِ للوراء ِ

أو

التراجع ِ للأمام ِ !

 

ليْ مايُبررُّ وحشتي هذا الصباحَ

وما سيذبحُ في رياضِ فمي

أزاهيرَ ابتسامي !

 

فـ " حمادة ُ الحمّالُ " ماتَ حمارُهُ ..

وأنا أُرَجِّحُ أنْ يكونَ " حمادة ُ الحمّالُ "

قد قتلَ الحمارَ

تدبُّـرا ً لـ " بطاقة ِ التموين ِ " والسُّوق ِ التي كسدتْ

وللحقل ِ الذي ماعادَ يعرفُ خضرة َ الأعشاب ِ

كان " حمادة ُ الحمّالُ " مُختصّا ً بنقل ِ الخضروات ِ

وكان أشهرَ في  مدينتنا " السماوة ِ " من وزير الخارجية ِ

غير أنَّ حكومة َ " البطل ِ المجاهد ِ " عاقبته ُ

لأنه ُ :

ترك َ الحمارَ يبولُ تحت مـنـصَّة ٍ

رُفِعَتْ عليها صورة ُ " الركن المهيبْ "

 

فـ " حمادة ُ الحمّالُ يجهلُ في السياسة ِ..

لم يُشاركْ بانتخاب ِ البرلمان ِ ..

وحين يُسألُ لا يُجيبْ

 

ويُقالُ :

إنَّ كبيرَ مسؤولي الحكومة ِ في مدينتنا " السماوة ِ"

كان يخطبُ في اجتماع ٍ حاشد ٍ

في عيد ميلاد ِ " ابن ِ صبحة َ "

ثمّ صادفَ أنْ يمرَّ " حمادة ُ الحمالُ "

فاحتفلَ الحمارُ

فكان أنْ غطّى النهيق ُ على الخطيبْ

 

ولذا :

أرجِّحُ أنْ يكون " حمادة ُ الحمّالُ "

قد قتل الحمارَ

أو الحكومة ُ أرغمتْهُ بأمْر ِ " قائدِها اللبيبْ "

 

فـ " حمادةُ الحمالُ " مُـتَّـهَـمٌ

بتأليب ِ الحمار ِ على الحكومة ِ

و " المهيبْ " !!

 

  

ليْ مايُبرِّرُ وحشتي ..

بغدادُ تُطْنِبُ في الحديث ِ عن الربيع ِ

ونشرة ُ الأخبارِ تُنبئُ عن خريف ٍ

قد يدومُ بأرض دجلة َ ألفَ عام ِ !

 

مَنْ ذا أصَدِّق ُ ؟

ما تقولُ رسائلُ الأحباب ِ ؟

أم خُطبَ " ابن ِ صبحة َ " ؟

أمْ أصدِّق صبحَ دجلة َ وهو يغرق في الظلام ِ ؟

 

وأنا ورائي جثَّة ٌ تمشي

ومقبرة ٌ أمامي  ؟

***

* من ديوان " الأفق نافذتي " الصادر مطلع عام 2003 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com